العنف ضد المرأة.. من الفضاء الواقعي إلى الرقمي

أضحى العنف ضد المرأة والإساءة إليها على شبكة الانترنيت من الأمور المتفشية على نطاق واسع، وخلق هذا النوع من العنف والإهانة بيئة معادية على الشبكة العنكبوتية، تهدف إلى خلق الشعور لدى المرأة بالخجل من نفسها أو الحط من شأنها، حيث تنامت هذه الظاهرة بواسطة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ضد النساء في السنوات الأخيرة، وأصبحت المرأة المستعملة لمنصات التواصل الاجتماعي أو التطبيقات الالكترونية الأخرى تتعرض لهذا الأخير بشكل يومي بمختلف أشكاله، سواء عبر التعليقـات المســيئة والجنســية أو التهديــد والابتزاز الإلكتروني، أو القــذف والتشــهير الســيبراني، ويمتد الأمر إلى اختراق الحسابات الشخصية وانتحال الهوية الإلكترونية للحصول على معلومات أو صور محرجة بغرض نشرها أو ابتزاز صاحبتها وتشويه سمعتها.
ومع تزايد الظاهرة وتغيرها شكلا وتأثيرا من الفضاءات العمومية إلى الفضاءات الرقمية، وجب البحث عن حلول وآليات للتقليل منها ومجابهتها في ظل الأرقام المخيفة، فمن الإساءات اللفظية والعنصرية في الرسائل الخاصة إلى سلوكات التنمر والابتزاز وحملات تشويه السمعة وفق ما تؤكده الأرقام الرسمية ومعطيات الجمعيات الحقوقية التي تشتغل في هذا المجال.

الُعنف في العالم الافتراضي ُمكَتسب من الوَسط الاجتماعي

يمكن توصيف العنف الممارس ضد المرأة في العالم الافتراضي حسب سعيد بنيس، أستاذ علم الاجتماع بجامعة محمد الخامس بالرباط، والمتخصص في الإعلام والظواهر الاجتماعية، بكونه تكريس للعنف الممارس ضدها في العالم الواقعي، حيث يتم إسقاط المقولات المتداولة في العالم الواقعي على تفاعلات العاَلم الافتراضي؛ ”وفي الُمحّصلة فإَّن مكّونات خطاب الُعنف اللفظي ضّد المرأة في العالم الافتراضي ُمكَتسبة من الوَسط الاجتماعي”.
وأوضح أستاذ علم الاجتماع، أن العنف اللفظي ضد المرأة في مواقع التواصل الاجتماعي “يتجسد في ثلاثة تمظهرات أولها التنميط والسب والشتم الَمبني على لغة انفعالية قائمة على التنافر والعداء، ثانيها الدعوة إلى الكراهية من خلال خطاب صدامي يرتكز على التمييز السلبي ضّد المرأة وثالثها يتجلى في منسوب مرتفع لحقل دلالي حيواني قدحي ينهل من التحريض المجتمعي ومن الإقصاء الجنسي”.
ويرى بنيس أنه من الأسباب المباشرة لتفشي خطاب العنف ضّد النساء في مواقع التواصل الاجتماعي، تراجع مقومات العيش المشترك، وتصّلب التمثلات الاجتماعية، إضافة إلى توغل فوبيا المساواة بين الجنسين في المجتمع، وعدم استيعاب مسارات المواَطنة المتساوية.

آثار نفسية واجتماعية واقتصادية وخيمة

وحسب بشرى عبدو، مديرة جمعية التحدي للمساواة والمواطنة في تصريح لها لجريدة بيان اليوم، فخطـورة العنـف الرقمـي لا تكمـن فقـط فـي انتشــاره بهـذا الشــكل المخيــف، ولا فــي قدرتــه على حرمان النســاء مــن الانتفاع بالمزايـا الاقتصادية والاجتماعية الهائلـة التـي يمكــن لهــذا الفضــاء توفيرهــا لهن، بل في قدرته على تطوير آليات خاصــة به، تجعــل تأثيــره مســتمرا ومتجــددا فــي النطاقيــن: الزمانــي والمكانــي، الشــيء الــذي يجعلــه، أكثــر خطــورة وبشــاعة فــي إلحــاق الأذى بالنســاء، مبرزة أن هذه الخطورة يمكن أن تشمل الطرد من العمل أو التعنيف أو مغادرة أقسام الدراسة بالنسبة للطالبات أو التلميذات أوتغيير مقر السكنى، وتصل أحيانا إلى الإقدام على الانتحار، وأشارت المتحدثة أن مراكز الاستماع التابعة للجمعية، ومنذ تسجيل أول حالة لهذا النوع من العنف في سنة 2016، سجلت العديد من محاولات الانتحار بسببه، وهناك حالة انتحار مؤكدة، ثبت أن سببها العنف الرقمي.
وفي إطار الجهود التي تكرسها جمعية التحدي للمساواة والمواطنة لمحاربة هذا النوع الحديث من العنف، أفادت رئيسة الجمعية في حديثها لبيان اليوم، أن جمعيتها أطلقت تطبيقا إلكترونيا جديدا “سطوب العنف الرقمي”، مشيرة إلى أن هذا التطبيق يعد تطبيقا مبتكرا وسهل التحميل والاستعمال، مضيفة أنه يعتمد لغة تفاعلية بسيطة مصمم لتزويد ضحايا العنف الرقمي ببيانات، ومعلومات غنية، وعملية، تشمل نصوصا تشريعية، وأحكاما، ومساطر قانونية، بالإضافة إلى أسماء، وأرقام، وعناوين مختلف الجهات المتدخلة، كما يوفر عددا من النصائح المفيدة للنساء من الضحايا الفعليين، أو المحتملين عن كيفية التعاطي مع العنف الرقمي.
وللتصدي لهذه الظاهرة تشدد بشرى، على ضرورة التبليغ وتوقيف أي معتد يتجاوز حدوده مادام هناك قانون يجرم هذا الفعل، وتعزو المتحدثة ذاتها أسباب عدم التبلييغ والإفصاح إلى الخوف من المحيط الأسري وتهديدات المعتدي بالإضافة إلى الجهل بالقوانين أو عدم إعطاء الأمر أهمية، بحيث كشفت دراسة قامت بها جمعية تحدي للمواطنة والمساواة أنه مـن أصل 215 ضحية للعنـف الرقمي، 34 بالمائــة فقــط قمــن بتبليــغ الســلطات أو أحــد أفــراد العائلة أو أحد الأصدقاء أو الصديقات، في حين أن 66 بالمائــة لــم تســتطعن الإفصاح عما لحق بهن من عنف لأي كان.

دفع شركات “الجافا” إلى التحسيس بخطورة هذه الظاهرة

من جهته اعتبر يوسف الخيدر، صحافي ومهتم بقضايا النوع الاجتماعي، أن العنف الرقمي ضد المرأة تزايد بشكل مضاعف على ما هو موجود في الحياة اليومية الواقعية التي تحتكم إلى الضوابط الأخلاقية والقيمية التي تم التمرد عليها في العالم الافتراضي، نظرا لغياب الرقابة الذاتية لضمير الأنا، والمجتمع، مشيرا إلى أن المرأة تشتكي يوميا من العنف الممارس ضدها، من قبل أشخاص بهويات مكشوفة، أو عبر حسابات مزيفة في مواقع التواصل الاجتماعي، وتطبيقات التراسل الفوري.
“بصفتي صحافي أتوصل بين الفينة والأخرى بصور لرسائل وتعليقات عنيفة تجاه رائدات مواقع التواصل الاجتماعي، تشتكي فيها الضحايا العنف الممارس في حقهن دون أدنى حماية قانونية فورية، باستثناء تفعيل خاصيات وسائل التواصل الاجتماعي المتعلقة بـ “حظر الحساب”، و”التبليغ” عنه لدى إدارات شركات “الجافا”” يقول المتحدث.
وعن مدى عزم النساء عن سلك القضاء للحد من الأمر يقول الخيدر، “للأسف مازالت النساء لا تتجرأن على سلك المسطرة القانونية عن طريق التبليغ لدى مصالح الأمن، إما بفعل التغاضي كما هو حاصل في المجتمع الواقعي، أو نتيجة طول مسار التبليغ، وتتبع الشكاية إلى نهايتها”.
ودعا المتحدث ذاته الجمعيات الحقوقية النسوية في المغرب والعالم أن تتحرك من أجل دفع شركات “الجافا” إلى التحسيس بخطورة هذه الظاهرة، عبر وصلات تحسيسية بجميع اللغات واللهجات داخل منصاتها، إلى جانب وضع قوانين صارمة لعقاب ممارسي العنف ضد النساء.

<مريم خولاج

Related posts

Top