العودة إلى… السياسة

تكشف الدينامية الواضحة اليوم في المجتمع بشأن المراجعة الدستورية، إلى جانب مضامين ومستجدات النص، وما يفتحه ذلك من آفاق، عن أمرين لا يخلوان من أهمية ومن بعد استراتيجي، وهما: كثافة النقاش العمومي حول الدستور، وعودة الانشغال بالسياسة والعمل السياسي. بالنسبة للأمر الأول، فإنه يحيلنا على جدل برز في البداية حول «المجلس التأسيسي» كأسلوب لإعداد مشروع الدستور، وباستحضار المسافة التي تفصلنا اليوم عن هذا النقاش، يحق لنا أن نقرأ ما حصل، على الأقل من حيث الأسلوب والمنهجية، وهنا نسجل تلقي اللجنة الاستشارية عشرات المذكرات، كما أنها اجتمعت بعشرات الهيئات، ووجدنا أنفسنا أمام «هَبَّةٍ» دستورية، حيث كل الفئات والتيارات والمهن تطالب بدسترة كل شيء، فضلا على الندوات والنقاشات والكتابات العديدة ذات الصلة بالمطلب الدستوري، وكل هذا يخلص بنا إلى التأكيد على أن منهجية إعداد المشروع، كانت الوسيلة الأكثر واقعية ونجاعة، واتسعت لتشاور ومشاركة ديمقراطيين واسعين، بالإضافة إلى أن هذه الدينامية هي التي أنتجت لنا نقاشا واسعا في المجتمع، ومن المصلحة اليوم الحرص على استمراريته، من أجل أن يتملكه الناس، ويدركوا مستوى ارتباطه بمصلحتهم وبمستقبلهم ومستقبل بلادهم، وأيضا من أجل أن يكون المواطنون حماة للدستور ولمؤسسات البلاد ولدولة القانون ولحقوقهم.
أما الأمر الثاني، فيتعلق بعودة الاهتمام بالسياسة والحديث عنها والانشغال بها، وهذا الواقع ألمحت إليه حركية الشباب، وأكدته النقاشات المرتبطة بالدستور، ثم جاء النص الذي عرضه جلالة الملك مساء الجمعة ليشدد عليه، وليعلن أنه مع الدستور الجديد ستبدأ السياسة، وسيشرع المغرب في تخطي كل الانحرافات التي عانى منها الحقل السياسي في السنوات الأخيرة.
سبق أن أشرنا هنا إلى أنه من العار أن نضع الدستور الجديد بين أيدي لوبيات الفساد، ما يعني حاجة بلادنا اليوم إلى تقوية الأحزاب الحقيقية واحترام استقلاليتها والتفاعل مع أفكارها ومطالبها وتقدير نخبها وكفاءاتها المناضلة، لأنه من دون أحزاب لا يمكن توفير النخب، ولايمكن تشكيل حكومة قوية قادرة على إنجاز ما يوفره لها الدستور الجديد من صلاحيات واسعة، ولا يمكن امتلاك برلمان قوي وكفؤ باستطاعته التشريع والمراقبة…
الوقت اليوم وقت السياسة، والورش المقبل هو ورش الإصلاحات السياسية والانتخابية، وهذا يفرض الوعي بخطورة هذا الأمر واستعجاليته، كما أن النجاح فيه يمر عبر القيام بخطوات ملموسة ترتبط بالقوانين الانتخابية ونمط الاقتراع وقانون الأحزاب والإعلام ومحاربة الفساد وإسناد عمل الأحزاب، وكل هذا من شأنه أن يجعل شعبنا يستعيد ثقته في السياسة والسياسيين، ويعود للانخراط والمشاركة، ويقتنع بأن تغيير الدستور ليس مسألة نظرية، بل إنها تؤثر في واقعه وحياته، وعلى مستقبل البلاد.
إلى السياسة إذن…

[email protected]

Top