معركة جديدة تخوضها النساء السلاليات، ترتبط هذه المرة بمشاريع القوانين المتعلقة بالأراضي الجماعية المطروحة حاليا أمام مجلس النواب، إذ بعد 12 سنة من النضال، لأجل إسماع مطالبهن والاعتراف بهن كنساء ينتمين للٍجماعات السلالية، اخترن مرة أخرى بتأطير من الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، القدوم للعاصمة الرباط والترافع بصوت يكاد يكون جماعيا، من أجل إقرار قوانين تستلهم روح الدستور، وتنصفهن حقا عبر صياغة مقتضيات تقطع مع “عبارة الأعراف” وتنص بشكل صريح على مبدأ المساواة بين النساء والرجال في الحصول على حقوق الانتفاع من عائدات الأراضي السلالية، وكذا مبدأ المناصفة داخل الهيئات التدبيرية لهذه الأراضي.
وخلال لقاء نظمته الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، أول أمس الأربعاء، تحولت قاعة المؤتمرات بأحد فنادق العاصمة الرباط، إلى منصة خطابية لأول مرة تناوبت عليها نساء قرويات قدمن من مختلف الجماعات الترابية التي تتوفر على رصيد من الأراضي السلالية، أغلبهن ينتمي للمغرب العميق، محرومات من حقوقهن في الانتفاع من الأراضي السلالية، مطالبات باعتماد قانون
ينص بشكل صريح على مبدأ المساواة الحقة بين النساء والرجال من ذوي الحقوق، في الحصول على حقوق الانتفاع من الأراضي السلالية، وفي تمكين النساء على قدم المساواة مع الرجال من العضوية في الهيئة التدبيرية لهذه الأراضي.
ودعت الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب النائبات والنواب أعضاء الغرفة الأولى بالبرلمان إلى تحمل مسؤوليتهم التاريخية والابتعاد عن النقاش السياسوي والتدافع من أجل حسابات ضيقة خلال المناقشة التي يعرفها مشروع قانون 62.17، المتعلق بتنظيم الوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وتدبير أملاكها، والتركيز على مضمون القانون بإدخال تعديلات تعتبرها أساسية، تشمل المواد 4، 6و9، وذلك للإنصاف الفعلي للنساء السلاليات وتمكينهن من حقوقهن كمواطنات كاملات المواطنة.
وقالت ربيعة الناصري، العضوة المؤسسة للجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، “إن النواب والنائبات أعضاء الغرفة الأولى بالمؤسسة التشريعية التي يوجد أمامها حاليا مشروع القانون السالف الذكر ضمن مشروعين آخرين يهمان نفس الملف، يجب أن يتحملوا بمسؤوليتهم التاريخية، والابتعاد عن استغلال الجدل السياسوي الإيديولوجي مع وزارة الداخلية بخصوص مسألة الوصاية على تدبير هذه الأراضي، وأيضا عدم الخلط بين موضوع ألإرث بشأن هذه الأراضي التي لا تورث بل هي ملك جماعي، والانتباه إلى أن الأمر يتعلق بموضوع إنصاف النساء السلاليات وتمكينهن من الاستفادة من حقوق الانتفاع على غرار إخوانهم بالجماعة التي ينتمون إليها والتي توجد في حوزتها هذه الملكيات العقارية”.
وكشفت الناصري على التجاوب الذي تلقته الجمعية من بعض الفرق والمجموعة لنيابية بشأن مقترحاتها بإجراء تعديلات على نص القانون بشكل يضمن بشكل فعلي حقوق النساء السلاليات، مؤكدة في ذات الوقت على أن الجمعية ترى ضرورة الإبقاء على وصاية وزارة الداخلية على هذه الأراضي في الوقت الراهن، فهي التي تملك مفاتيح تدبير هذه الأراضي، إذ لها القدرة التنظيمية وتملك لوائح بأسماء ذوي الحقوق، محذرة من أن رفع يد هذه الوزارة عن هذه الأراضي من شأنه أن يؤدي إلى الفوضى، خاصة وأن الأمر يتعلق بالأرض.
وأضافت الناصري التي خبرت مجال الترافع من أجل قوانين تضمن حقوق النساء على مدى مسار طويل، منذ الترافع من أجل مدونة أسرة منصفة للنساء، موضحة أن استعمالها لعبارة ” المسؤولية التاريخية ” لكون مشاريع القوانين المتعلقة بالأراضي الجماعية المحالة على مجلس النواب والتي ينتظر ان تطرح للمصادقة نهاية هذا الشهر، تتعلق بشريحة من النساء تنتمي أغلبها للعالم القروي، بل ويتعلق ألأمر بمصير ساكنة معنية بحق الانتفاع من هذه الأراضي يفوق عددها 10 ملايين نسمة، مشددة على أن نواب الأمة هم أمام محك حقيقي لتنزيل المضامين الفعلية للدستور، فيما يتعلق بمبدأ المساواة، والالتزام الدولي للمملكة فيما يتعلق بالقضاء على جميع اشكال التمييز من خلال الانضمام إلى اتفاقية السيداو” .
ومن جانبها، أكدت أمينة لطفي رئيسة الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، فرع الرباط، أن المرحلة حاسمة بالنسبة لمسار نضال الحركة المطلبية للنساء السلاليات في المغرب، خاصة وأن مشروع القانون 62.17، جاء بتعديلات مهمة تتمثل بالأساس في التنصيص على تمتيع الإناث والذكور من حقوق الانتفاع بأملاك الجماعة، وتمكين النساء من حق الولوج إلى الهيئات النيابية، فإنه لم يقر بالمساواة بين الذكور والإناث في الانتفاع من الأراضي الجماعية، وهو ما قد يعطل ولوج النساء الفعلي لهذه الحقوق”.
واعتبرت رئيسة الجمعية أن الحركة المطلبية للنساء السلاليات منذ تأسيسها سنة 2007، حققت مكاسبتاريخية من خلال تجاوب وزارة الداخلية الجهة الوصية وإصدارها لدوريات تعترف بأحقيتهن في الانتفاع من الأراضي الجماعية على قدم المساواة، وأن مشروع القانون الحالي يعد تتويجا لهذا المسار، لكن ينبغي تجويده ليلائم المضامين التي جاءت بها الوثيقة الدستورية.
وشددت أن بعد هذا المسار النضالي الطويل، باتت المؤسسة التشريعية تتحمل حاليا المسؤولية الكاملة للحسم النهائي والقطع مع واقع طالما عانت منه مئات الآلاف من النساء وحرمانهن من حقوقهن كاملة في الانتفاع من عائدات الأراضي الجماعية.
ونبهت رقية بلوط، عضوة بمجلس نيابي لجماعة سلالية الحدادات الواقعة بالقنيطرة، وعضوة الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب،إلى ضرورة الانتقال من واقع الخطابات الرنانة حول وضعية النساء القرويات وترجمة مضامين الدستور عبر صياغة قوانين تستلم منه المبادئ الأساسية التي حملها، وأساسا يتعلق الأمر هنا بمبدأ المساواة والإنصاف والعدل، مقترحة أن يتم إعمال الكوطا على غرار ما هو معمول به على مستوى الانتخابات المحلية والتشريعية، كخطوة لإلزام رجال الجماعة على تمكين النساء من الظفر بالعضوية في مجلس الهيئة النيابية التي تدبر هذه الأراضي.
وشددت في هذا الصدد، قائلة” إن اكتمال المواطنة تقترن بالمساواة بين النساء والرجال في الحقوق والواجبات طبقا لأحكام الدستور، مطلقة صرخة “كفى من الحكرة في حق النساء السلاليات”، اللواتي حرمن من حقوقهن من الانتفاع من الأراضي السلالية إسوة بإخوانهم وأقاربهم الرجال، وعانت نتيجة ذلك العديد منهن رفقة أبنائهن وبناتهن من الهشاشة والفقر.
و أكدت على ضرورة إدخال تعديلات تعد على مشروع القانون الجديد، بالقطع مع الأعراف وعدم التنصيص على ذلك ولو كان ذلك سيتم بشكل محدود، محذرة أن ترك “عبارة الأعراف” في النص القانوني يفتح الباب أمام ذوي النوايا السيئة خاصة ذوي العقلية الذكورية داخل الجماعة السلالية للجوء لاستعمالها لحرمان النساء مرة أخرى، ويكون الأمر كمن يعود لنقطة الصفر.
هذا وأجمعت خلال هذا اللقاء، عدد من النساء السلاليات اللواتي ناضلن وقدن إلى جانب أخريات الحركة المطلبية لهذه الفئة من النساء، خلال تقديم شهادتهن ومنظورهن لما ينبغي أن يكون عليه النص القانوني، على ضرورة إخراج نص قانوني واضح المعالم سواء فيما يتعلق بالأعراف أو بمبدأ المساواة في الانتقاع أو الولوج لمجلس الهيئة النيابية التي تضطلع بمهمة تدبير الأراضي الجماعية.
وشددت كل من نعيمة إمار من الراشيدية، وزهرة أخادة من عين اللوح إقليم إفران وفاطمة العلوي من مكناس،، وعائشة الشريط من تارودانت، ومنانة الزنايدي من جماعة الحدادة وميلودة الشريط من جماعة الساكنية وكلاها إقليم القنيطرة، على مطلب إلغاء العرف من نص القانون الجديد، واصفين “العرف بالمصببة الكبرى، لكونه يعد المنفذ الذي يعطي شرعية إقصاء النساء، والإبقاء عليه سيجعل الباب مشرعا على الدوام لمعاناة لن تنتهي، كما هو واقع حاليا، حيث يبرر رجال الجماعات النيابية امتناعهم عن تمكين النساء من حقوقهن بكونه يعود لما ساري به في الأعراف الخاصة بتنظيم هذه الأراضي .
وأكدت تلك النساء، أن التجربة النضالية، خاصة بعد إقرار وزارة الداخلية لدورياتها، علمتهن كيف يتم استغلال بعض الثغرات لإقصاء النساء السلاليات، مطالبات بإقرار نظام قانوني تستحضر مضامينه الحقوق الكاملة للنساء السلاليات اللواتي ينتمين في أغلبهن للعالم القروي وبذلن حياتهن من أجل العمل في الغالب في هذه الأرض، والحرص على تمكينهن من الاستفادة حقوق الانتفاع إسوة بالرجال”.
فنن العفاني
تصوير: رضوان موسى