الفصائل الفلسطينية توقف إطلاق الصواريخ وغارات إسرائيلية جديدة على غزة

أعلنت الفصائل الفلسطينية الخميس الماضي أنها قررت وقف إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل التي شن طيرانها غارة جديدة، وذلك بعد جولة التصعيد الأخيرة على حدود قطاع غزة التي أدت الى مقتل ثلاثة فلسطينيين بينهم طفلة رضيعة وأمها.
واستهدفت غارة إسرائيلية جديدة مركزا للثقافة والفنون عصر الخميس الماضي غرب مدينة غزة مسفرة عن إصابة 20 شخصا وتدمير المبنى كليا.
وأكد مراسل لوكالة فرانس برس أن طائرات استطلاع إسرائيلية أطلقت خمسة صواريخ تحذيرية على ما يبدو في محيط المبنى المكو ن من ست طبقات قبل أن تستهدفه طائرات حربي ة بصواريخ أد ت إلى تدميره كل يا وتسويته بالأرض.
في وقت متأخر، أصدرت الحكومة الأمنية الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتانياهو بيانا عقب اجتماعها، أكدت فيه أنها “أوعزت لجيش الدفاع بمواصلة العمل بقوة ضد التنظيمات الإرهابية في قطاع غزة”.
وانطلقت صفارات الإنذار في جنوب إسرائيل وتحدثت تقارير إعلامية عن سقوط صاروخين على الأقل في مناطق مفتوحة.
وكان مسؤول كبير في غزة قال لوكالة فرانس برس طالبا عدم نشر اسمه إن “الغرفة المشتركة للفصائل تعلن عن توقف كافة عمليات الرد سواء إطلاق النار أو القصف بالصواريخ، حيث تعتبر الفصائل أن جولة التصعيد انتهت ردا على العدوان الإسرائيلي”.
واستدرك قائلا “لكن الأمر مرتبط بسلوك الاحتلال. في حال ارتكب أيا من جرائمه، ستدافع المقاومة عن شعبها ولن تقف مكتوفة الأيدي”.
بدوره، قال مسؤول آخر في الغرفة المشتركة لفرانس برس “نحن أوقفنا تماما عمليات التصعيد في تمام الساعة 12 ظهرا (9,00 ت غ) وقد أبلغنا الوسطاء، الأخوة في مصر و(مبعوث الامم المتحدة نيكولاي) ملادينوف وقطر، بقرار الفصائل وبدورهم قاموا بإبلاغ الاحتلال الإسرائيلي، وأبلغنا الوسطاء أن سلطات الاحتلال ملتزمة بالتهدئة طالما كان هدوء في غزة”.
وساد الهدوء بعد قرار الفصائل رغم سقوط قذيفة قرب بئر السبع على بعد 40 كلم من غزة. ولم ت سفر القذيفة عن أضرار أو ضحايا لكن وسائل الإعلام الإسرائيلية قالت إنها المرة الاولى منذ حرب 2014 التي تسقط فيها قذيفة على هذه المسافة وليس في جوار قطاع غزة.
من جهته، قال مصدر مطلع على المفاوضات في وقت لاحق، إن مصر والأمم المت حدة أجريتا مفاوضات من أجل عودة الهدوء قبل منتصف ليل الخميس.
وقال المصدر إنه “بوساطة مصر والمبعوث الأممي ملادينوف، تم الاتفاق على تثبيت تهدئة، هدوء مقابل هدوء، في قطاع غزة الليلة (الخميس) اعتبار ا من الساعة 11,45 بتوقيت فلسطين”.
وكان قتل ثلاثة فلسطينيين هم طفلة تبلغ من العمر عاما ونصف عام ووالدتها وناشط في حماس في سلسلة غارات جوية شنها سلاح الجو الإسرائيلي منذ مساء الأربعاء ردا على إطلاق عشرات الصواريخ من قطاع غزة الأربعاء.
وأفاد مراسل لفرانس برس في القطاع بأن الغارات كانت من العنف بحيث اهتزت لها أرجاء القطاع وأعادت إلى الأذهان حرب 2014 الأخيرة.
وقال أستاذ العلوم السياسية جمال الفاضي لفرانس برس “لم ينم أحد. هذه الليلة كانت الأعنف من حيث قوة الضربات الجوية الإسرائيلية منذ حرب 2014”.
وقالت متحدثة باسم الجيش الإسرائيلي لفرانس برس إنه “تم حتى الآن رصد نحو 150 صاروخا أطلقت من قطاع غزة نحو إسرائيل”. وكان الجيش الإسرائيلي أعلن في وقت سابق أن معظم هذه القذائف والصواريخ سقطت في مناطق غير مأهولة وتم اعتراض11منها.
ولكن نقلت امرأة تايلاندية في الثلاثين من عمرها إلى مستشفى سوروكا في بئر السبع جنوب إسرائيل. وقال مديره يوهانان بيزر إن ها خضعت لعملية جراحية جراء إصابتها “بشظايا في البطن” وأضاف أن “حياتها في خطر”.
في قطاع غز ة، أعلن المتحدث باسم وزارة الصحة أشرف القدرة أن القتلى الثلاثة هم “الطفلة الرضيعة بيان محمد خماش التي تبلغ من العمر عاما ونصف عام ووالدتها إيناس محمد خماش (23 عاما) وهي حامل والتي أصيب زوجها محمد بجراح متوسطة جراء استهداف الاحتلال الإسرائيلي منطقة الجعفراوي بمخيم النصيرات في المحافظة الوسطى”.
أما القتيل الثالث فيدعى علي الغندور (30 عاما ) وهو عنصر في كتائب القسام، وقد قضى في غارة إسرائيلية قرب بيت لاهيا في شمال غزة.
ودعت الأمم المتحدة الى التهدئة، معربة عن أسفها خصوصا لإطلاق الصواريخ من قطاع غزة. ودعا مبعوث الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط، نيكولاي ملادينوف جميع الأطراف إلى “الابتعاد عن حافة الهاوية”.
من جهته دعا الرئيس الفلسطيني محمود عباس “المجتمع الدولي إلى التدخل الفوري والعاجل لوقفه وعدم جر المنطقة إلى مزيد من الدمار وعدم الاستقرار”، كما أوردت وكالة الانباء الفلسطينية (وفا).
وقالت وزارة الخارجية الفرنسية إن ها “تدين” إطلاق الصواريخ وحضت كل الأطراف على ضبط النفس.
وقال مصدر مصري في وقت سابق لفرانس برس إن “مصر والأمم المتحدث ت جريان اتصالات مع كافة الأطراف المعنية، وتبذل جهودا مكثفة لاحتواء التصعيد وإعادة الهدوء”.
ويتصاعد التوتر منذ أشهر بين إسرائيل وحماس اللتين خاضتا منذ 2008 ثلاث حروب مدمرة في القطاع المحاصر منذ 2006 والذي يزداد سكانه فقرا مع معاناة يومية جراء البطالة والانقطاعات المتكررة في الماء والكهرباء.
ويتظاهر الفلسطينيون منذ 30 مارس في إطار “مسيرات العودة” على الشريط الحدودي مع إسرائيل لا سيما أيام الجمعة للاحتجاج على الحصار والمطالبة بحق العودة للاجئين الفلسطينيين الذين هجروا من أراضيهم إثر النكبة وقيام دولة إسرائيل في 1948.
وقتل 165 فلسطينيا على الاقل منذ نهاية مارس برصاص الجنود الإسرائيليين خلال الاحتجاجات الحدودية. وقتل جندي إسرائيلي في 20 يوليو خلال عملية للجيش بالقرب من السياج الفاصل وهو اول جندي إسرائيلي يقتل في المنطقة منذ 2014.

 أ.ف.ب

***

ارتفاع مخيف في معدل البطالة بغزة

يئن قطاع غزة جوعا وفقرا ومأساة، بتفاقم الأوضاع الاقتصادية الهشة، الناجمة عن الحصار الإسرائيلي والانقسام الداخلي والإجراءات العقابية للسلطة الفلسطينية وإجراءات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين «الأونروا»، ما دفع بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية نحو الكارثة.
بحيث سجل معدل البطالة فيه نحو 47%، فيما تعتمد الأسر الفلسطينية على المنح والمساعدات الإغاثية بنسبة تصل إلى 80%، وتزيد نسبة الأسر التي تعاني من نقص حاد في مستويات الأمن الغذائي عن 70%، في حين أن هناك 93% من الأسر بالقطاع لا تلبي احتياجاتها الضرورية من السلع والخدمات.
وتفيد التقارير الاحصائية الرسمية عن قطاع غزة، أن 97% من المياه غير صالحة للشرب، ونسبة تلوث مياه البحر بمياه الصرف الصحي تتجاوز 70%، وساعات وصل الكهرباء لا تتعدى الأربع ساعات يومياً، فيما يصل عدد سكانه للمليونين، في مساحة جغرافية لا تتجاوز 365 كم2 بكثافة سكانية 5203 فرد/ كم2.
كما تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن القطاع بات على شفا الهاوية ولن يصلح للحياة مع حلول العام 2020، في الوقت الذي تواصل فيه الولايات المتحدة تجفيف منابع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين «الأونروا» لإنهاء عملها، ما يهدد بدء العام الدراسي الجديد ويؤثر على نحو 13 ألف موظف في التعليم والصحة والاغاثة في القيام بدورهم.
وعلى وقع المأساة والبؤس والفقر والحرمان، تطل واحة «المشاريع والحلول الانسانية» برأسها من جديد على قطاع غزة، عبر أطراف فلسطينية، لتوفير الحياة الكريمة لأبنائه لتعزيز دوره الوطني في الخلاص من الاحتلال، دون بوابة إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية، وفق تفاهمات 12/10/2017 و22/11/2017.
وتتسارع المساعي الإسرائيلية والأميركية لإيجاد حلول للمشاكل الانسانية الصعبة لقطاع غزة لمحاصرة مسيرات العودة وكسر الحصار التي تتواصل للشهر الخامس على التوالي، عبر سلسلة مشاريع بمليارات الدولارات، في إقامة محطات لتحلية المياه ومعالجة المياه العادمة، ومحطة لتوليد الكهرباء وتحسين البنية التحتية وإنشاء ميناء ومطار بالتعاون مع مصر، في الوقت نفسه يتواصل العدوان والحصار والإغلاق الإسرائيلي على القطاع بدعم واسناد من الولايات المتحدة الأميركية.
ويرى مراقبون أن إسرائيل باتت على قناعة أن تدهور أوضاع قطاع غزة واشرافه على الكارثة سيدفع نحو انفجار شعبي سينعكس سلباً على إسرائيل باعتبارها هي المسؤولة عن الأوضاع الكارثية التي يعانيها والناجمة عن الحصار والتدمير الممنهج للاقتصاد الفلسطيني.

ألاعيب الإدارة الأميركية

فيما يعتقد آخرون أن الإدارة الأميركية تواصل اللعب على الانقسامات التي تشهدها الساحة الفلسطينية، وتوظف معاناة قطاع غزة ومطالب أبنائه وتلبية احتياجاتهم الأساسية من الماء والكهرباء والميناء والمطار وحرية السفر على أنها قضية إنسانية، في وقت تجمد الإدارة الأميركية مساهماتها المالية لدعم «الأونروا»، تطبيقاً لـ«صفقة العصر»، وفي تجاهل للأسباب الحقيقية لما آلت إليه الأوضاع في القطاع ويتحملها بالدرجة الأولى الاحتلال الإسرائيلي وسياساته العدوانية والعقابية إزاءه.
وحسب مراقبين، تدخل القيادة الرسمية الفلسطينية بدورها على خط التحركات السياسية لا لانتشاله من أزماته، بل لقطع الطريق عن أية تحركات سياسية قد تتجاوزها، محذرة من مخططات أميركية وإسرائيلية في إطار «صفقة العصر» لإنهاء المشروع الوطني عبر تعزيز فصل الضفة عن القطاع وتكريسه دولة محاصرة ومعزولة، وأن الولايات المتحدة وإسرائيل تستغلان ثغرة الانقسام لتمرير «صفقة العصر»، في حين لا تكف القيادة الرسمية والسلطة الفلسطينية وحكومتها عن اللعب على أوجاع القطاع وتواصل فرض عقوبات عليه منذ نحو العام ونصف العام، وتواصل اللعب على وتر التمكين والسيطرة على القطاع من «الباب إلى المحراب».

الحل الوطني

ويبدو وفق المراقبين، أن رئيس السلطة الفلسطينية ومعه حكومة رامي الحمد الله يتجاهلان التطورات في قطاع غزة، خاصة من مسيرات العودة وكسر الحصار إلى جانب الحراك السياسي والمشاريع المطروحة.
خلاصة القول، قطاع غزة المنكوب يحتاج إلى خطة طوارئ اقتصادية تنموية عاجلة في الميادين المختلفة في الصحة والتعليم والاقتصاد.. الخ في إطار البرنامج الوطني الفلسطيني، ما يتطلب من القوى الوطنية أن تتحمل مسؤولياتها الوطنية لإنقاذ قطاع غزة من جهة، وصون موقعه النضالي من جهة أخرى. ويمكن هذا أن يتحقق عبر تشكيل وفد وطني موحد على غرار الوفد الفلسطيني الموحد الذي تشكل لإنجاز اتفاق التهدئة خلال الحرب العدوانية على القطاع في صيف 2014، يتولى إدارة المباحثات والمشاورات ودراسة المشاريع المطروحة لقطاع غزة، ويسهم في الوقت نفسه في تحضير الأجواء الداخلية للتقريب بين طرفي الانقسام، فتح وحماس، بما يوفر لقطاع غزة الفرصة للاستفادة من المشاريع الدولية المطروحة، ويضمن في الوقت نفسه أن تتم الأمور تحت السقف الوطني الجامع للقوى الوطنية والإسلامية، ويقي القطاع أو أي طرف فلسطيني من الانزلاق السياسي خارج السياق الوطني العام، ويغلق الباب أمام محاولات استغلال حالة القطاع لأهداف لا تمت إلى المصلحة الوطنية.

وسام زغبرـ غزة

****

الفلسطينيون شركاء في الحرب والسلم

الفلسطينيون جميعا سلطة وموالاة، وفصائل وقوى، وأحزابا وهيئات، وساسة وعسكر، واتحادات ونقابات، وأفرادا وجماعات، وكتلا وتجمعات، وجمهورا ومناصرين، وإن اختلفوا فيما بينهم، وتمايزوا في مواقفهم، وانقسموا في سياساتهم، وافترقوا في مناهجهم، إلا أنهم يبقون جميعا شركاء في الوطن، وأمناء عليه، وأوصياء على حقه، يعيشون فيه وينتمون إليه، ويناضلون في سبيله ويسعون إلى تحريره، ويهمهم أمره ويقلقهم حياله، ويشغلهم مصيره ويحزنهم شأنه، فهم جميعا فلسطينيون في هويتهم، ووطنيون في انتماءاتهم، وصادقون في حبهم لوطنهم ودفاعهم عنه، وحرصهم عليه وانشغالهم فيه، ويعنيهم مواطنوه وأبناؤه، وسكانه وأجياله.
ولا يستطيع أحدا أيا كان أن يجردَ فلسطينيا من هويته، أو يتهمه لانتمائه، أو يعيب عليه لقناعاته، أو يجرده من حقوقه، ويحرمه من امتيازاته، أو يتطاول على كرامته ويدنس شرفه، طالما أنه يحب فلسطين ولا يفرط فيها، ولا يخون قضيته ولا يساوم عليها، ولا يهادن عدواً على حسابها، أو يفاوض على جزءٍ منها، مهما عَظُمَ أو ضئل، وكَبُرَ أو صغر، إذ كلها أرضنا التي ورثناها، وبلادنا التي نحمل هويتها، وننتسب إليها، وهي التي نريد أن نحررها ونستعيدها، ونقيم عليها دولتنا ونعيش وأبناؤنا في رحابها، إذ أن هذه هو حلم الوطنيين، وأمل الغيارى المخلصين، وغاية منى المحبين الصادقين، وقَلَّ من الفلسطينيين من يفرط في حقه، ويتنازل للعدو عن وطنه، فهذا في عرفهم عارٌ، وفي تاريخهم عيبٌ ومنقصةٌ، لا يقدم عليها ولا يأتي بها إلا ضل أو استناخ.
ولما كان الفلسطينيون شركاء في وطنهم، ومسؤولين عن مستقبله وسكانه، فإنه لا يحق لفريق أن يتفرد في القرار أو يستأثر به، أو أن يستقل بالرأي ويستبد به، أيا كان القرار المقصود، ومهما بلغ حجمه أو كان وزنه، إذ لا ينظر إلى بساطة القرار وضآلة المسألة، ولا إلى شرعية الحاكم أو وطنية القائد، بل ينظر إلى حجم الوطن وقدره، ولهذا لا يجوز لفريق أن يقصي آخرَ ويبعده، أو أن يضع العقبات دون مشاركته ويحرمه، ويتعمد غيابه ويعمل على تهميشه، إذ لا وصاية لفريق على مؤسسات الوطن، ولا احتكار لهيئاته، ولا شرعية لهيمنته وسيطرته، فالمؤسسات الوطنية الموروثة هي مؤسسات وطن، وملك شعب، وحقُ أجيال قادمة، والتمثيل فيها للجميع وفق قواعد وأصول، وأنظمة وقوانين، يتساوى فيها الجميع حظاً، ويختلفون تمثيلا حسب الحجم ووفق القدر والمقام، والتمثيل والانتخاب.
وبالمقابل لا يوجد شرعية نضالية، ولا أولوية ثورية، ولا حراس مقاومة وسدنة قتال، ولا رتب عالية ومقامات رفيعة يصدر أصحابها أوامر وقرارات يحرم على أساسها فريق غيره ويتهمه، ويتجاوزه ويهمله، ويفرض عليه أجندته أو يطرده، أو يفرض عليه شروطه ويقيده، كما لا وصاية لكبيرٍ على صغير، ولا لقديمٍ على جديد، ولا لغني على فقير، فلكل عطاؤه وله تاريخه، وعنده انجازاته ولديه تراكماته الوطنية، لذا لا يحق لأحد مهما بلغت ثوريته، وعظمت مقاومته، وعلا كعبه في النضال، أن يقصي آخرين ويتهمهم، اللهم إلا إذا أعلن فريقٌ ظهره وبراءته من المقاومة، وفرط في حقه واعترف بعدوه، وحاكم أبناءه وكافئ أعداءه، وعمد إلى محاربة المقاومين، ومحاسبة المقاتلين، وزج بهم في سجونه، وأغلق عليهم بواباته وزنازينه.
وكما أن الفلسطينيين جميعاً شركاء في الحرب والحصار، وفي البغي والعدوان، وفي الشتات واللجوء، وفي الهجرة والنزوح، وفي الظلم والقهر، والمعاناة والألم، فإنهم شركاء في كل ما يتعلق بمصير هذا الوطن ومستقبل أبنائه، ويتحملون جميعاً كل ما يتعرض له الوطن أو يعرض عليه، فكما لا يجوز لفريق أن يقصي الآخر، فإنه لا يجوزٍ لطرفٍ أن يركن ويستريح، ويبتعد وينأى بنفسه عن المعركة والاستحقاق، إذ سيكونون أمام التاريخ محاسبين عن أفعالهم، ومسؤولين عن سياساتهم، ولن يغفر لهم أحدٌ من أبناء شعبهم وأمتهم، إن قصروا في واجبهم، أو أهملوا في المهام المناطة بهم، أو تأخروا في التصدي لما يجب تحديه ومنعه، أو صده ورده.
فلسطين لا يكتنفها الخطر وقت الحرب فقط وخلال العدوان، وأثناء الاعتداءات على الأقصى ومداهمة البلدات، ولا خلال حوادث القتل وعمليات التصفية والاستهداف، فهذه أجواءٌ عامةٌ تخلق الوحدة، وتصنع اللُحمة، وتجمع الكلمة، وترص الصفوف، وخلالها يتناسى الفرقاء مشاكلهم، ويتجاوزون عن خلافاتهم، وينشؤون غرفة عمليات موحدة، ويصنعون معاً موقفاً مشتركاً، ويشعرون جميعاً أنهم شركاء في قرار الحرب، وأنه ينبغي للتنسيق بينهم أن يكون في أعلى مستوى وأقوى شكل، ويتواصل ولا ينقطع، ويعترفون فيما بينهم أن هذه الشراكة تقويهم، وهذه المواقف الموحدة تعزز من قدراتهم، وتزيد في صمودهم، وهي مواقف يكرهها لعدو ويخاف منها، ويعمل ضدها ويسعى لإفشالها، ولهذا فإن الفلسطينيين يصرون عليها عند كل حربٍ، ويعملون بها عند أي نازلة أو مصيبة.
ليعلم جميع الفلسطينيين أن حوارات التهدئة ومفاوضات الهدنة لا تقل خطرا عن الحروب، ولعل تداعياتها بعد التوقيع تفوق كثيرا تداعيات الحرب عندما تتوقف مدافعها وتسكن صواريخها، ويعود المقاتلون إلى ثكناتهم ومعسكراتهم يستجمون من عناء الحرب والقتال، لهذا فإنه لا يجوز لطرف أن يفاوض وحده، أو يحاور باسمه، بل عليه أن يحصن نفسه بالآخرين، ويدعم مواقفه بشركاء الوطن، الذين لهم سابقة في العطاء، وتاريخ في التضحية والفداء، وعندهم رصيد متراكم من الأسرى والشهداء، ولست فيما أعرضه محرضا على التفاوض أو داعيا إلى الحوار مع العدو ولو كان غير مباشر، بل داعٍ إلى المشاركة والتكامل، فحتى لا تزلق الأقدام أو تسوخ في الرمال، فإن على الجميع أن تتشابك أيديهم، وتتحد مواقفهم، وتتناسق جهودهم، وتتوافق إرادتهم، وتقوى عزيمتهم، لأن هذا هو وطن الكل وأرض الشعب، وهي معركةٌ سلمية أو عسكرية تستهدف الوطن كله والشعب بأسره.

> مصطفى يوسف اللداوي

Related posts

Top