القصيدة المغربية الحديثة في طريق العثور على موسيقييها ومطربيها

أطلق بيت الشعر بالمغرب مطلع الشهر الجاري، مشروعا فنيا يتعلق بتحويل مختارات من الشعر المغربي إلى مادة غنائية.
كيف لم يفكر بيت الشعر في مشروع من هذا القبيل منذ سنوات، علما بأن إنشاءه يعود إلى بداية الألفية الثانية؟ لقد كان حضور الموسيقى والغناء قائما في مختلف أنشطة هذه الهيئة الثقافية، أستحضر بهذا الخصوص التقاسيم على العود التي كانت تصاحب القراءات الشعرية، والتي كان يقوم بأدائها فنانون بارزون: سعيد الشرايبي، الحاج يونس، منير البشير.. وغيرهم. كما كان يتم برمجة فقرات غنائية لأصوات من داخل الوطن أو خارجه: مارسيل خليفة، عائشة رضوان، أميمة خليل..
بيت الشعر إذن كان حاضرا لديه منذ البداية هاجس الغناء والموسيقى باعتبارهما موازيين للإبداع الشعر، غير أنه لم يفطن إلى أن الشعر المغربي المعاصر الفصيح بالخصوص، لم ينل ما يستحقه من اهتمام من طرف الموسيقيين على اختلاف مشاربهم.
لقد كان جل الموسيقيين المغاربة يتعاملون مع مبدعي القصيدة الزجلية الذين يطلق عليهم عادة: كتاب كلمات، إلى حد أنه تم تكريس فكرة خاطئة مفادها أن الشعر المغربي الحديث والفصيح غير قابل للتلحين ومن ثم الأداء الغنائي.
هناك مبادرات قليلة جدا أعارت اهتماما لنماذج من هذا الشعر، تحضرني بهذا الخصوص تجربة عبد الوهاب الدكالي مع بعض أشعار محمد الخمار الكنوني: آخر آه، حبيبتي.. وتجربة عبد السلام عامر مع أشعار عبد الرفيع جواهري: راحلة، القمر الأحمر..
غير أن هذه التجارب كانت انتقائية ولم تنفتح على مختلف الأسماء الشعرية في مراحل متعددة من تاريخ الشعر المغربي الحديث.
هناك شعراء أصدروا العشرات من الدواوين الشعرية، مع ذلك لم يتم تلحين أي نموذج من أشعارهم وأدائه غنائية.
لا يرجع السبب في كون هذا الشعر غير قابل للتلحين والأداء والغنائي، فهناك تجارب ناجحة، أكدت على أنه بإمكان تحويل الشعر الحديث إلى مادة غنائية، على سبيل المثال تجربة مارسيل خليفة مع شعر محمود درويش: جواز سفر، مديح الظل العالي.. وعز الدين المناصرة: جفرا.. وغيرهما.
لقد ضاعت عقود من الزمن دون أن يجرؤ الموسيقيون المغاربة على الاشتغال على الشعر المغربي الحديث، حيث كان يمكن تحقيق تراكم على هذا المستوى وإبراز مدى ما يتوفر عليه هذا الإبداع من عمق فكري وبعد جمالي.
والأهم من كل ذلك، العمل على الرقي بالذائقة الفنية والأدبية لدى أجيال متعاقبة من المتلقين.
لقد تم للأسف الشديد ترك الفراغ لأشباه الموسيقيين الذين يكتبون أشعارا رديئة ويقدمونها للجمهور باعتبارها غناء شعبيا، لن أذكر أمثلة حتى لا أحرج أي أحد منهم، لكنهم معروفون وقد أساؤوا للفن المغربي ولأجيال من المتلقين، وسنحتاج إلى وقت طويل قبل تصحيح هذا الوضع.
وفي اعتقادي أن مبادرة بيت الشعر في المغرب، في ما يتعلق بتحفيز الموسيقيين على تلحين قصائد حديثة، من شأنها أن ترفع الغبن عن هذا الشعر وتوصله إلى قطاع واسع من الجمهور، على أمل أن لا تظل هذه المبادرة محصورة في فئة محدودة من الأعضاء المسؤولين في الهيئة الثقافية المشار إليها آنفا.

< عبد العالي بركات

Related posts

Top