القوانين الانتخابية

يترقب المتابعون لحياتنا السياسية انطلاق المشاورات بشأن إصلاح القوانين الانتخابية، وذلك في أفق استحقاقات العام القادم، لكن بالرغم من حلول الشهر الثاني من السنة التي تسبق سنة الانتخابات، فإن هذه المشاورات لم تنطلق بعد، والمواقف لا زالت في إطار العموميات، ولا تخرج عن مداولات الأجهزة الحزبية الداخلية. كل البلدان التي تقرر خوض إصلاحات سياسية، أو الانتقال من مرحلة إلى أخرى، تنكب على القوانين الانتخابية كمدخل جوهري في صناعة تحولها الديمقراطي، ولنا في المطالب المعبر عنها اليوم في تونس ومصر أحسن دليل، على أن طرح هذا الموضوع ليس ترفا، بل إنه في عمق «الجيل الجديد من الإصلاحات»، ويحدد أفق انتقالنا الديمقراطي.
الكل اليوم يتفق على أنه بالرغم من امتلاك المغرب لمسار مهم من حيث التجارب الانتخابية، فإن الحصيلة أقل من هذا التراكم الكمي، والجميع اليوم يدرك الاختلالات التي يشهدها حقلنا الحزبي والانتخابي، وفي الجماعات المحلية والبرلمان، ما يجعل بالتالي ورش الإصلاحات السياسية ذا أولوية، وتعتبر القوانين الانتخابية من أهم مداخل هذا الإصلاح، لمواجهة «الجيل الجديد من الانحرافات» التي برزت في السنوات الأخيرة.
إن طرح موضوع إصلاح القوانين الانتخابية، والانكباب عليه اليوم، لا يجب أن يخنق في مقاربات تقنوية منغلقة في حسابات ضيقة، وفي حرب العتبات، وأنماط الاقتراع، إنما المطلوب اليوم، وبالضرورة، ربط هذا الإصلاح بالإصلاحات السياسية التي تتطلبها المرحلة، وبالتالي بسؤال جوهري: ماذا نريد لبلادنا؟
إن لكل نمط اقتراع سلبياته وإيجابياته، وبالتالي فإن خوض حروب على هذا الصعيد المحدود سيجعل أحزابنا مجرد مكاتب للخدمات الانتخابية، وسيصيب تفكيرنا كلنا بالبلادة والسطحية.
اليوم بلادنا في حاجة إلى الرفع من مستوى أداء مؤسساتها التمثيلية (البرلمان خصوصا)، ولذلك فالقوانين الانتخابية يجب أن تخدم هذا الهدف، ونحن في حاجة  كذلك إلى تعزيز تجاربنا بالنسبة لتمثيلية النساء، والكفاءات الوطنية، وفي حاجة إلى توضيح اختصاصات غرفتي البرلمان، وإلى الحد من الترحال السياسي ومن التغيبات، وفي حاجة أساسا إلى إبراز دور الأحزاب، وإلى التخليق ومحاربة الفساد، وعلى القوانين أن تجيبنا على هذه الأسئلة ..
ضمن هذه الرؤية يجب إدراج الحديث عن إصلاح القوانين الانتخابية، أي في إطار برنامج سياسي شمولي يستجيب لتطلعات شعبنا في ضخ نفس جديد في انتقالنا الديمقراطي.
المطلوب اليوم عدم تضييع الوقت أولا، والمبادرة إلى الإصلاح، ثم الاتفاق على المقاربة الشمولية للإصلاح، وإدراج القوانين الانتخابية ضمن الجيل الجديد من الإصلاحات.

Top