الليبيون سئموا المواجهات المسلحة المتكررة واستمرار الأزمة السياسية

بين “الصدمة” و”الخوف” عاشت العاصمة الليبية مدى ليلتين بعدما تحولت مسرحا لاقتتال عنيف بين جماعات مسلحة أسفر عن مقتل 32 شخصا وجرح 159، وتسبب في حالة من اليأس العميق لدى السكان الذين سئموا عدم الاستقرار المزمن وأزمة سياسية لا تنتهي.
وبدأ الهدوء سائدا الاثنين في طرابلس لليوم الثاني تواليا. أعيد فتح المتاجر، وأجرت الخدمات البلدية عمليات إزالة الأنقاض، وتمت تعبئة فنيين من شركة الكهرباء لإعادة الطاقة إلى المناطق المتضررة.
لكن السكان ما زالوا في حالة صدمة بعد الاشتباكات العنيفة بين الميليشيات المتناحرة وسط المدنيين، والتي اندلعت من فجر الجمعة حتى مساء السبت، في مؤشر إلى الفوضى التي لا تزال تسود ليبيا.
عشرات المباني المدمرة تحمل آثار نهاية الأسبوع الدامي، عندما ضج دوي الإنفجارات وتبادل النيران الكثيفة بلا هوادة في أركان المدينة.
تقول منال (اسم مستعار) “لقد كانت حربا حقيقية. كنت خائفة على عائلتي (…) قفز طفلي من نومه واستيقظ عدة مرات بسبب القصف (…) لم أكن أعرف متى سينتهي”.
وتضيف “أغلقت الأبواب وقضيت الليل في قاعة بلا نوافذ، حيث لجأنا لحماية أنفسنا من الانفجارات المحتملة”.
فاطمة محمود، صيدلانية (37 عاما) استيقظت الأحد وهي تتنفس الصعداء بعد سماعها أن القتال انتهى. وتقول: “انتهى الأمر، حتى يقرر أحدهما (الجماعات المسلحة) التعدي مرة أخرى على مواقع الآخر”.
نتيجة الصراع على السلطة بين حكومتين متنافستين، قتل 32 شخصا وأصيب 159 آخرون، من بينهم عدد غير معروف من المدنيين، بحسب أرقام وزارة الصحة.
مقر الحكومة التي جاءت وفق اتفاق سياسي برعاية أممية يقع في طرابلس (غربا) ويقودها عبد الحميد الدبيبة منذ بداية عام 2021، والحكومة الأخرى بقيادة فتحي باشاغا عينها البرلمان في مارس الماضي ويدعمها المشير خليفة حفتر رجل الشرق القوي.
ورفض الخصمان، الأحد، تحميلهما المسؤولية عن القتال في قلب العاصمة.
ويقول محمد النايلي، وهو مصرفي ( 33 عاما) يريد أخيرا أن يرى مدينته هادئة، “طرابلس عاصمة كل الليبيين، ونأمل أن يتم تجنيبها الاقتتال وتكون عاصمة للعمل وللحب والسلم، بعيدا عن أي نزاعات وصراعات مسلحة”.

ويضيف “ندعو الحكومة لفرض السيطرة على الكتائب المسلحة، وأن تدرجهم تحت القوات النظامية”.
بعد 11 عاما على مقتل معمر القذافي في ثورة دعمها تدخل دولي مثير للجدل تحت رعاية حلف شمال الأطلسي، لا تزال البلاد تجهد لاستكمال انتقالها إلى الديموقراطية، بسبب عدم وجود حكومة مقبولة من جميع الأطراف.
وبعيدا عن الاستجابة لتطلعات المتظاهرين، أغرقت ثورة 2011 الدولة الواقعة في شمال إفريقيا في دوامة من العنف والانقسامات بين الشرق والغرب، والتي أججها التدخل الأجنبي، على حساب السكان.
تستنكر فاطمة محمود الوضع الذي “يتجه إلى تكرار نفسه حتى لو كان هذه المرة أكثرعنفا”.
قبل شهر، خلف قتال مماثل في طرابلس 16 قتيلا.
لكن الاشتباكات الأخيرة كانت على نطاق غير مسبوق منذ فشل محاولة المشير حفتر غزو العاصمة عسكريا في يونيو 2020، في ذروة الصراع.
وتضيف محمود: “فقد البعض أحباءهم (في المعارك الأخيرة)، وآخرون يلتقطون الطوب لما كان في السابق منازلهم، ناهيك عن الصدمات، والأطفال يحتمون في الأقبية في انتظار انتهاء ذلك”.
وانتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لم يتسن التأكد من صحته، يظهر فيه طفلان مذعوران وهما يفران من أحد الشوارع التي شهدت قتالا عنيفا ويغطيان آذانهما لشدة صوت القذائف والرصاص.
وقالت ميشيل سيرفادي، ممثلة اليونيسف في ليبيا على تويتر: “قتل طفل يبلغ من العمر 17 عاما وأصيب أربعة آخرون، بينهم طفل في الخامسة من العمر(…)، يجب إنهاء الانتهاكات ضد الأطفال”.
حكومة عبد الحميد الدبيبة هي نتيجة لعملية سلام برعاية الأمم المتحدة لتوحيد البلاد. وكانت مهمتها الرئيسية تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية كان من المقرر إجراؤها نهاية دجنبر الماضي لكنها تأجلت لعقبات أمنية وقانونية وسياسية.
وأصيب الليبيون بخيبة أمل جديدة من التأجيل غير المحدود لهذا الموعد النهائي، على خلفية الخلافات المستمرة بين القادة الليبيين المتنافسين في شرق وغرب البلاد.
وبالنظر إلى انتهاء ولاية حكومة الدبيبة في يونيو وفقا  لخارطة الطريق، عين البرلمان فتحي باشاغا رئيسا للوزراء في فبراير. ومع ذلك، فإن الدبيبة يصر على تسليم السلطة لحكومة تأتي عبر الانتخابات.
وحتى اليوم، يبدو أن لا اتفاق سياسيا متينا يلوح في الأفق لإجراء الانتخابات وإنهاء المرحلة الانتقالية منذ 11 عاما، الأمر الذي يزيد من

أ.ف.ب

Related posts

Top