المجتمع المغربي والسينما خلال الحماية الفرنسية

 احتضنت قاعة المحاضرات بكلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس بفاس، صباح الإثنين 19 يونيو الماضي، ابتداء من العاشرة والنصف، وعلى امتداد ثلاث ساعات، جلسة علمية لمناقشة أطروحة حضرها الباحث بوشتى المشروح في موضوع “المجتمع المغربي والسينما خلال الحماية الفرنسية” لنيل الدكتوراه في الآداب والعلوم الإنسانية، من مركز الدراسات في الدكتوراه: الآداب والعلوم الإنسانية والفنون وعلوم التربية، تكوين “التاريخ والتراث والعلوم الدينية والاجتماعية (محور الدراسات التاريخية). وقد تكونت لجنة المناقشة من السادة الأساتذة: الدكتور سمير بوزويتة (عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس- فاس) رئيسا، الدكتور الصديق رداد (من كلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز- فاس) عضوا، الدكتور عمر صوصي علوي (من المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاس) عضوا، الدكتور سيدي محمد الكتاني (من كلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس- فاس) مشرفا.

وبعد كلمة تقديمية لرئيس اللجنة والاستماع إلى تقرير ملخص لمضمون الأطروحة والأهداف المتوخاة من إنجازها تقدم به الباحث بوشتى المشروح أمام أعضائها الأربعة وأمام الحاضرين، الذين غصت بهم قاعة المحاضرات عن آخرها، تناول كل واحد من أعضاء اللجنة المحترمة جوانب مختلفة من الأطروحة للتنويه بنقط قوتها وإبداء الرأي والملاحظة فيما اعتبره كل منهم في حاجة إلى تصحيح أو تصويب أو تعديل سواء على مستوى الشكل أو المضمون، وفي الأخير أعطيت الكلمة للباحث بوشتى، الذي شكر أعضاء اللجنة واحدا واحدا وبالخصوص الأستاذ المشرف والسيد عميد الكلية اللذين لم يبخلا عليه بالنصائح والإرشادات والتوجيه المحكم طيلة سنوات البحث. كما شكر الحاضرين ومن بينهم أفراد أسرته وزوجته وأصدقائه وزملائه وأهدى هذه الأطروحة إلى والديه رحمهما الله.

وفي الأخير اختلت اللجنة العلمية  للتداول، لتعلن بعد ذلك عن منح الباحث بوشتى المشروح شهادة الدكتوراه بميزة مشرف جدا مع  توصية بضرورة التعجيل بطبعها.

وفي انتظار طبع هذه الأطروحة القيمة، قصد الاطلاع على مضامينها والاستفادة مما تزخر به من معطيات جديدة حول البدايات الأولى للسينما بالمغرب وحول علاقة المغاربة بالصورة السينمائية إنتاجا واستهلاكا وإبداعا وغير ذلك، لا يسعنا إلا تعميم ملخصها، الذي توصلنا به من الصديق الدكتور بوشتى المشروح مشكورا، تعميما للفائدة.

                                                                                                                                                                                                *****

تعتبر السينما أحد الفنون الحديثة الذي استطاع الإنسان بواسطته اقتطاع جزء من الزمن والاحتفاظ به، وقد أحدثت أولى العروض السينمائية دهشة كبيرة لدى مشاهديها، بعدما رأوا صورا متحركة أمامهم، وتفاعلوا معها ظانين أنها حقيقية. فخلال عرض فيلم “وصول قطار إلى محطة سيوطة”، شاهد المتفرجون على الشاشة وصول القطار فظنوا أنه حقيقي، وسارعوا إلى الهروب مندفعين إلى خارج قاعة العرض، إذ كانت أول مرة يشاهدون مثل هذا المشهد. وقد ربط الأخوان لوميير ميلاد السينما بتسويقها تجاريا من خلال فرض أداء ثمن تذاكر مقابل مشاهدة عروضهم، فقدموا أفلاما متنوعة سجلت مشاهد يومية تم عرضها على الجمهور، وأرسلوا مساعديهم إلى جميع القارات لتصوير بعض المشاهد فيها، فكانت وسيلة أتاحت لجمهورهم التعرف لأول مرة على جوانب من الحياة في عوالم أخرى غير عالمهم.

استطاع رواد السينما في مناطق عديدة من العالم، أن يجعلوا لها جمهورا شغوفا بإنتاجاتها ومتطلعا إلى جديدها. وقد شهد قصر السلطان مولاي عبد العزيز أولى العروض السينمائية الخاصة سنة 1901، وشاهد بعض المغاربة أولى العروض السينمائية العمومية بطنجة سنة 1910، وبعد تطبيق نظام الحماية انتشرت قاعات العروض السينمائية في مناطق من المغرب، وأعقب ذلك توظيف سلطات الحماية السينما لأغراض استعمارية. وفي المقابل، حاول أعضاء من الحركة الوطنية المغربية استخدام السينما لأغراض سياسية وحزبية خلال فترة مطالبتهم باستعادة المغرب لاستقلاله. كما كانت السينما وسيلة إعلامية وطدت علاقة السلطان بالشعب من خلال ترسيخ صورته الوطنية لدى جماعات من أفراد شعبه، قبل إلغاء نظام الحماية.

وإسهاما منا في الكشف عن جوانب من تاريخ السينما بالمغرب، اخترنا لموضوع هذه الأطروحة: “المجتمع المغربي والسينما خلال الحماية الفرنسية”، وتتجلى أهمية موضوع بحثنا في كونه يتناول دراسة تاريخية واجتماعية لعلاقة المجتمع المغربي بالسينما خلال الحماية الفرنسية، واهتمام السلاطين بالسينما، ونظرة المجتمع لها. كما يتناول توظيف السينما كأداة للاختراق الاستعماري، ووسيلة للدعاية داخل مجتمع ولدت الأفلام السينمائية لدى جمهوره الدهشة والانبهار، فتماهى مع مضامينها، وعاش فن الحلم والخيال الذي كانت تقدمه. وأسهم في توفير موارد مالية مهمة لميزانية سلطات الحماية، من خلال الضرائب المختلفة التي كانت مفروضة على القطاع. وتتجلى أهمية البحث كذلك، في تناوله للسينما باعتبارها واجهة للصراع بين أفراد من الحركة الوطنية المغربية وسلطات الحماية، وفي توثيق الأفلام السينمائية لأحداث ووقائع من التاريخ السياسي لفترة الحماية بالمغرب.

شكلت آراء وقراءات وتشجيعات مجموعة من النقاد والمهتمين بالمجال السينمائي بعد مشاهدتهم لفيلمنا “ورثة لوميير” الذي أخرجناه سنة 2015، حافزا لنا لمواصلة البحث والتنقيب حول تاريخ بدايات السينما بالمغرب، واعتبرنا تاريخ السينما بالمغرب مشروعا بحثيا، بدأناه ببحث الماستر الذي تناول موضوع: “الصورة والسينما في التاريخ – حالة المغرب من 1900 إلى 1912″، والذي تضمن أجزاء مهمة متعلقة بتاريخ بدايات الصورة والسينما بالمغرب. ونظرا لعدم وجود دراسات تاريخية أكاديمية تناولت موضوع المجتمع المغربي والسينما خلال فترة الحماية الفرنسية، ولعدم عثورنا على وثائق أو أرشيف مهم بالمغرب يمكن أن يشكل مادة بحثية في الموضوع، لذلك اعتبرنا أن استكمال مشروعنا البحثي يقتضي تناول ودراسة موضوع هذه الأطروحة، والبحث عن الوثائق والأرشفيات خارج المغرب، بغية إنتاج بحث يتسم بالجدة والأصالة، الأمر الذي ولد لدينا حماسا ومتعة في البحث. كما قمنا خلال فترة تهيئ الأطروحة بنشر مجموعة من المقالات المحكمة المرتبطة بالمشروع البحثي.

تناولت بعض الدراسات جوانب محدودة من موضوع بحثنا، كتركيزها على الإطار النظري، أو تناولها لفترة قصيرة، أو سردها الكرونولوجي لمحطات من تطور السينما بالمغرب خلال الحماية الفرنسية، أو نقدها للأفلام السينمائية التي صورت خلال المرحلة الكولونيالية. وتنتمي جل هذه الدراسات إلى حقول معرفية عديدة كالآداب، والسيميولوجيا، والإعلام، واللسانيات، وغيرها، وتميزت أغلبها بتناولها الموضوع بلغات أجنبية.

لكننا نسجل عدم عثورنا على أية دراسة تاريخية أكاديمية مغربية منشورة باللغة العربية، تناولت موضوع بحثنا، ما يجعل أطروحتنا تتسم بالجدة والأصالة، إذ أن مجموعة من المحاور والمعطيات والمعلومات التي تضمنها بحثنا، تعتبر جديدة وغير مسبوقة بالنسبة للدراسات التي تناولت تاريخ السينما المغربية. كما تناولنا بالدراسة والنقد مجموعة من المعطيات التي كانت تقدم كمسلمات في تاريخ بداية السينما بالمغرب، والتي أوردها بعض الباحثين في مؤلفاتهم دون تمحيص أو نقد، بل وظل يعتمدها كل من الموقع الرسمي لوزارة الثقافة المغربية، والموقع الرسمي للمركز السينمائي، خلال تناولهما الحديث عن بدايات السينما بالمغرب.

احتاج موضوع: “المجتمع المغربي والسينما خلال الحماية الفرنسية”، إلى تفكيك وتفسير العلاقة التي ربطت المجتمع المغربي بالسينما خلال تلك الفترة، والإشكالية التي نطرحها ترتبط بهذه العلاقة، وهي: رصد تطور وعي المجتمع المغربي بأهمية السينما خلال الحماية الفرنسية. وتطرح هذه الإشكالية بدورها تساؤلات عديدة، منها:

–      كيف كانت البدايات الأولى للسينما بالمغرب؟

–      وما مكانة السينما في مخططات سياسة سلطات الحماية؟

–      وما موقف فئات المجتمع المغربي منها؟

–      وكيف أثرت السينما على شرائح من المجتمع المغربي خلال الحرب العالمية الثانية؟

–      وكيف أصبحت السينما واجهة للصراع بين أعضاء من الحركة الوطنية وسلطات الحماية؟

–      وما هي الوضعية التي آلت إليها السينما بالمغرب خلال أواخر الحماية الفرنسية؟

اقتضى اعتمادنا على وثائق الأرشيف الدبلوماسي، ومضامين الأفلام، الانفتاح على حقول معرفية كثيرة، ما جعلنا نعتمد أكثر من منهج في مقاربة وتحليل موضوع البحث، وتفكيك وشرح إشكاليته. ومن خلال المادة المتوفرة، وضعنا للأطروحة تصميما يتضمن إلى جانب المقدمة، بابين يتكونان من ثمانية فصول، ضمنها فصل نظري يهم تقاطعات السينما والتاريخ. وخاتمة، وملحق، ومعجم.

الباب الأول: دهشة البدايات وتكريس الفعل السينمائي

الفصل الأول، تناولنا فيه تقاطعات السينما والتاريخ، خصوصا الزمن التاريخي والزمن السينمائي، والسرد التاريخي في مقابل الحكي السينمائي، والسينما التاريخية سواء في شقها الوثائقي أو التخييلي.

الفصل الثاني، خصصناه للسينما بالمغرب قبل توقيع عقد الحماية الفرنسية، وتناولنا فيه الحديث عن الأشكال ما قبل السينما بالمغرب، وأولى الأفلام التي صورت بالمغرب، والسينما في العهدين العزيزي والحفيظي.

الفصل الثالث، تناولنا فيه السينما باعتبارها أداة للاختراق الاستعماري وآلية لضبط المجتمع المغربي، مع تحديد الإطار العام للسينما الكولونيالية، والمكانة التي كانت تحتلها في سياسة سلطات الحماية. كما رصدنا خلاله اتجاهات شرائح مجتمعية مغربية تجاه السينما، بدءا من السلطانين مولاي يوسف، وسيدي محمد بن يوسف وبعض حاشيتهما، ثم موقف بعض الفقهاء من السينما، علاوة على الدهشة والانبهار اللذين أحدثتهما السينما في نفوس بعض الجماهير المغربية.

الفصل الرابع، تناولنا فيه الآثار السياسية والاجتماعية للحرب العالمية الثانية على القطاع السينمائي بالمغرب، وعلى فئات من الطائفة اليهودية، ومدى تجاوب فئات من الجمهور المغربي مع بروباغاندا الأفلام السينمائية لدول الحلفاء ودول المحور، إضافة إلى سعي سلطات الحماية لخلق صناعة سينمائية، من خلال إنشاء بنيات تحتية مهمة، تجلت في المركز السينمائي المغربي، واستوديوهات السويسي.

الباب الثاني: الفعل السينمائي بين الحركة الوطنية وسلطات الحماية

الفصل الخامس، تناولنا فيه الفعل السينمائي ما بين الضبط وانفتاح النخبة المغربية، من خلال تنظيم المهن السينمائية، وتعزيز الرقابة على الأفلام السينمائية، ورصد الفعل السينمائي في كتابات بعض النقاد، وبعض الأفراد من الحركة الوطنية. وختمنا الفصل بالتركيز على سياق وتأسيس الشركات السينمائية المختلطة المغربية الفرنسية.

الفصل السادس، تحدثنا فيه عن السينما باعتبارها مجالا للمواجهة بين الحركة الوطنية والإقامة العامة، من خلال اقتحام أفراد من الحركة الوطنية للمجال السينمائي، وتأسيسهم لشركات الإنتاج السينمائي، وتصويرهم لأفلام سينمائية، نال أحدها جائزة دولية في مهرجان سينمائي عالمي.

الفصل السابع، تناولنا فيه السينما باعتبارها واجهة للصراع بين الحركة الوطنية المغربية وسلطات الحماية، من خلال رصد أهداف وحملات مقاطعة القاعات السينمائية وانعكاس ذلك على المشهد السينمائي العام بالمغرب. كما خصصناه للحديث عن قاعة سينما بوجلود التي كانت في معترك الصراع بين أعضاء من الحركة الوطنية وسلطات الحماية، وتدخل المقيم العام الفرنسي في الموضوع، ومتابعة السلطان وولي عهده وأعضاء من الحركة الوطنية لنتائج العملية، والمكاسب المالية والتنظيمية التي جناها قياديون حزبيون من قضية سينما بوجلود. 

الفصل الثامن، رصدنا فيه تراجع الفعل الوطني السينمائي خلال السنوات الخمس التي سبقت الإعلان عن إلغاء نظام الحماية بالمغرب، والمبادرات الفردية لبعض المغاربة الذين حاولوا خلق سينما مغربية. كما تناولنا فيه الأعمال التي قامت سلطات الحماية بها لتعزيز حضورها في المشهد السينمائي.

خاتمة

اشتملت على مضامين وخلاصات واستنتاجات البحث، وإبراز امتداداته واستشرافاته.

وعززنا البحث بملحق تضمن جردا لجميع الظهائر والمراسيم والقرارات المتعلقة بالسينما، التي نشرت بالجريدة الرسمية للدولة المغربية الشريفة المحمية، في نسختيها العربية والفرنسية، كما تضمن جردا للأفلام المغربية التي صورها بعض المخرجين المغاربة خلال الحماية الفرنسية، علاوة على قائمة للأفلام الفرنسية والألمانية والإسبانية والأمريكية والإنجليزية التي صورت بالمغرب خلال الحماية الفرنسية، وكذا، الأفلام التي أنتجها المركز السينمائي المغربي خلال الحماية الفرنسية، وختمنا الملحق ببعض الوثائق من الأرشيف الدبلوماسي لمدينة نانط الفرنسية، تتضمن نسخا لبعض المراسلات والملفات المتعلقة بالسينما خلال فترة الحماية الفرنسية بالمغرب. كما أضفنا معجما يتضمن قسمين: الأول خاص ببعض المصطلحات التقنية السينمائية، والثاني يخص المصطلحات السينمائية التي كانت تتداولها مجموعة من الجماهير المغربية خلال الحماية، سواء باللغة العربية أو بالدراجة المغربية.

تقديم: أحمد سيجلماسي

Related posts

Top