أعرب المجلس الوطني لحقوق الإنسان، في تقريره السنوي حول حالة حقوق الإنسان بالمغرب لسنة 2022، عن انشغاله بمخاطر تحول الأشكال الجديدة لممارسة حرية التعبير إلى مرتع للأخبار الزائفة.
وذكر التقرير أن المجلس يتابع تزايد إقبال المواطنات والمواطنين على استعمال وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن آرائهم في بعض القضايا المرتبطة بتدبير الشأن العام وبث ما يعتبرونه مظالم أو انتهاكات لحقوقهم أو التبليغ عن بعض الممارسات التي يعتبرونها فسادا، معربا انشغاله بمخاطر تحول الأشكال الجديدة لممارسة حرية التعبير إلى مرتع للأخبار الزائفة.
وفي هذا الصدد، دعا إلى العمل على فتح تحقيق في جميع الادعاءات المرتبطة بتدبير الشأن العام، التي يتم التعبير عنها في العالم الافتراضي، ونشر نتائج التحقيقات وهو ما من شأنه أن يساهم في تطوير ممارسة حرية التعبير وتعزيز الثقة في المؤسسات ومكافحة الأخبار الزائفة.
كما ذكر المجلس بالرأي الذي أصدره سنة 2022 بخصوص مشروع القانون رقم 71.17 القاضي بتغيير وتتميم القانون رقم 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر، إلى اعتماد «قانون حرية تداول المعلومات » بدلا من هذه الأخيرة باعتباره مدخلا أساسيا لمعالجة العديد من الإشكاليات التي أصبحت تطرحها الأشكال الجديدة لممارسة حرية التعبير في العالم الافتراضي، مضيفا أن هذا القانون يمكن أن يشكل دعامة جديدة لحرية الصحافة والنشر، و سيساهم في توسيع مجال ممارسة الحريات، خاصة على ضوء تطور التعابير العمومية داخل منصات التواصل الاجتماعي.
ونظرا للدور الحيوي للمعلومات في ضمان السير العادي لآليات النظام الديمقراطي ودعم آليات مكافحة الرشوة وتعزيز مختلف أوجه المشاركة المواطنة وتحسين حكامة المؤسسات وتفعيل آليات المساءلة، يستطرد التقرير، فإن قانون «حرية تداول المعلومات » سيساهم في تزويد الرأي العام بالمعلومات الموضوعية حول تدبير الشأن العام من طرف المؤسسات العمومية.
ويعتبر المجلس أن إقرار «قانون حرية تداول المعلومات » بمثابة إصلاح هيكلي ومقوم أساسي من مقومات التنمية في كل أبعادها وأحد أهم شروط بناء الثقة المتبادلة بين الدولة والمجتمع.
وفي هذا الإطار، يرى المجلس أن معالجة الإشكالات التي يطرحها الدور المتنامي لوسائل التواصل الاجتماعي كقنوات لممارسة الحق في حرية التعبير، تؤكد حتمية الانتقال من تأطير النقاش العمومي بمفهوم حرية الصحافة “press freedom” إلى مفهوم حرية الإعلام “media freedom “.
ولذلك، فإنه يحث السلطات العمومية على الحرص، أثناء تدبيرها للإشكالات المرتبطة ببعض الأشكال الجديدة لممارسة حرية التعبير، على ” الاسترشاد بممارسات الفضلى والاجتهادات المتقدمة التي تبلورت في بعض التجارب المقارنة “.
من جانب آخر، أكد المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أن سنة 2022 تميزت بتراجع تأثير التدابير الاستثنائية المرتبطة بحالة الطوارئ الصحية على ممارسة الحريات العامة.
وذكر المجلس أنه رغم استمرار سريان مفعول حالة الطوارئ الصحية طيلة السنة، ” فإنه لم يسجل حالات دالة لتقييد ممارسة الحريات، خاصة الحق في التظاهر السلمي، بالاستناد إلى مقتضيات مرسوم الطوارئ الصحية “.
وأضاف أنه إذا كان الفضاء العمومي لم يتأثر بالتدابير الاستثنائية لحالة الطوارئ الصحية مقارنة بما كان عليه الأمر خلال سنتي 2020 و 2021 ، فإن المجلس ” يسجل استمرار مجموعة من الإشكالات التي تؤثر في ممارسة الحريات العامة في الفضاء العمومي ، بشقيه الواقعي والافتراضي على حد سواء “.
كما أشار إلى أنه سجل متابعة بعض الأشخاص أو إدانتهم بعقوبات سالبة للحرية على خلفية نشرهم مضامين معينة على منصات التواصل الاجتماعي، مضيفا أن هذا الأمر مؤشر على استمرار الإشكاليات التي يواجهها المجتمع المغربي، مؤسسات ومواطنين، في تدبير إكراهات الانزياح المتسارع للفضاء العمومي من العالم الواقعي إلى العالم الافتراضي.
وعلى مستوى الحريات الجمعوية، ” سجل المجلس استمرار بعض الإشكالات المرتبطة بالحق في التنظيم، كما يتضح ذلك من بعض حالات رفض تسلم الملف القانوني لتأسيس الجمعيات أو تجديد هياكلها، أو رفض تسليم وصل الإيداع القانوني المؤقت أو النهائي، دون مبررات مقبولة من الناحية القانونية “.
وأبرز التقرير، أن المجلس يرى أن ممارسة الحريات العامة تشكل جزءا لا يتجزأ من الاختيار الديمقراطي الذي جعل منه الدستور المغربي في فصله الأول أحد ثوابت الحياة العامة للأمة المغربية، مؤكدا أن تاريخ ومسارات النموذج المغربي للديمقراطية ومخاضات إنضاجه، والانخراط الطوعي والإرادي للمملكة المغربية في آليات النظام الأممي لحقوق الإنسان، كلها مقومات تجعل من تطوير ممارسة الحريات العامة عاملا لتقوية أداء المؤسسات وتعزيز الثقة فيها، وشرطا أساسيا لنجاح الخيارات التنموية للبلاد.
ومن هذا المنطلق، يتابع التقرير، فإن المجلس يحث السلطات العمومية على مواصلة جهودها في توفير الشروط والضمانات القانونية والواقعية الضرورية لتعزيز ممارسة الحريات التي يضمنها الدستور والمواثيق الدولية، مؤكدا أن تعزيز ممارسة الحريات العامة يتطلب تضافر جهود الجميع من أجل رفع التحديات المتعلقة بتوسيع مفهوم حرية التعبير، إضافة الى ضرورة تقوية الضمانات القانونية لحماية المبلغين عن الفساد.
كما أكد المجلس الوطني لحقوق الإنسان على ضرورة تفعيل الآليات المؤسساتية المناط بها تنظيم مراقبة منظومة تسويق السلع والخدمات، ومحاربة جميع أشكال الاحتكار والمضاربة وغيرها من الممارسات المنافية للقانون، وإعمال آليات مناهضة الإفلات من العقاب.
ودعا المجلس إلى الإسراع بإخراج النصوص التنظيمية التي ستمكن مجلس المنافسة من الاضطلاع بمهامه في هذا المجال، مشيرا إلى أن مواجهة الآثار السلبية للتضخم على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ينبغي أن تعتمد مقاربة خاصة.
وفي هذا الإطار، أوضح المجلس أن هذه المقاربة يجب أن تزاوج بين الإجراءات والتدابير الآنية المستعجلة التي تروم إعادة التوازن إلى أسعار المواد الأساسية والخدمات الحيوية للمواطنين من جهة، والتدابير الاستباقية التي تستهدف التأثير في العوامل المؤدية إلى التضخم من جهة ثانية.
وذكر المجلس أنه سبق أن أشار في تقريريه السابقين برسم سنتي 2020 و 2021 إلى أن تداعيات الجائحة على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية قد لا تقتصر على الآثار السلبية المباشرة الناجمة عن الإغلاق الشامل للاقتصاد الوطني خلال فترة الحجر الصحي، بل من المرجح أن تكون لها آثار سلبية على قدرة المواطنات والمواطنين على الولوج لحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية على المديين المتوسط والبعيد.
وسجل المجلس أنه بالإضافة إلى الارتفاع المسجل على مستوى أسعار المواد المحلية، فقد ساهمت أسعار المواد المستوردة في رفع معدل التضخم بحوالي 79.9 في المائة ، وذلك بسبب تظافر مجموعة من العوامل الخارجية والداخلية. فعلى مستوى العوامل الخارجية، أوضح المجلس أن النزاع الأوكراني – الروسي أدت إلى تقلبات كبيرة في أسعار المواد الطاقية والزراعية، معتبرا أنه بالرغم من أن الحكومة تمكنت من ضمان استمرار تزويد السوق الوطنية بالمواد النفطية، فإنها “لم تتمكن مع ذلك من التحكم في أسعارها التي ارتفعت بشكل كبير”.
وبالإضافة إلى ذلك، يضيف التقرير، فقد تأثرت منظومة الأسعار بالمغرب سنة 2022 باستمرار الارتباك على مستوى سلاسل التوريد العالمية، وما نتج عنه من ارتفاع غير مسبوق في كلفة نقل السلع على المستوى العالمي، مشددا على أنه بالنظر إلى أن الاقتصاد الوطني شديد الاندماج في الاقتصاد العالمي ومنفتح بشكل كبير على التجارة الدولية، استيرادا وتصديرا، فإنه يبقى معرضا للتقلبات الجيواقتصادية الدولية بشكل كبير.
أما فيما يتعلق بالعوامل الداخلية، يتابع التقرير، فإن سنة 2022 لم تكن سنة جافة فحسب، بل تميزت كذلك بظهور الأثر التراكمي لسنوات الجفاف المتعاقب تجلى ذلك بالأساس في التراجع الكبير في المواد المائية بكل أصنافها، وهو “ما أثر بشكل كبير على القطاع الفلاحي، سواء فيما يتعلق بتراجع قدرته على التشغيل أو من خلال مساهمته في ارتفاع نسبة التضخم بسبب غلاء أسعار المواد الغذائية ذات الأصل الزراعي المحلي”.
واستطرد المجلس في تقريره أنه بصرف النظر عن طبيعة العوامل التي أدت إليها، فإن موجة التضخم التي عرفتها سنة 2022 كان لها تأثير كبير على التمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية لفئات واسعة من المواطنات والمواطنين، وخاصة الفئات الفقيرة والهشة التي لاتزال لم تتعافى بعد من آثار جائحة كوفيد 19 .
واعتبر المجلس أنه يمكن رصد الآثار السلبية للتضخم على المستوى المعيشي للمغاربة من خلال بعض المؤشرات الدالة، من قبيل مؤشر القدرة على الادخار الذي تراجع بشكل كبير خلال سنة 2022، إذ تراجعت نسبة القادرين على الادخار إلى 32 في المائة ، أي أن أكثر من ثلثي المغاربة كانوا عاجزين عن الادخار في هذه الظرفية.
ولفت إلى أن قراءة تطورات العوامل الداخلية والخارجية للتضخم تبين أن الموجة الحالية قد لا تنتهي في الأمد القريب، ومن المحتمل أن تتحول إلى معطى هيكلي في الاقتصاد العالمي، مؤكدا أنه انسجاما مع التوجهات الاستراتيجية التي سبق أن أكد عليها المجلس في مذكرتيه الموجهتين إلى لجنة النموذج التنموي سنة 2020 وإلى رئيس الحكومة سنة 2021، فإنه يوصي بالاعتماد على الذات عبر توجيه النموذج الفلاحي المعتمد لتحقيق الاكتفاء الذاتي بما يسمح بضمان الأمن الغذائي واستقرار أسعار الغذاء والخدمات الأساسية.
كما يرى المجلس أن الوعي بالتداخل الكبير بين إشكالية التضخم وبين مختلف السياسات الاجتماعية، خاصة التعليم والصحة وضمان خدمات عمومية، سيساهم بشكل كبير في رفع القدرة الشرائية للمواطنين، داعيا إلى استعجال إخراج منظومة الاستهداف إلى حيز الوجود مع العمل على تحيينها بشكل دوري.