المخرجة فاطمة علي بوبكدي لبيان اليوم:  مشكل السينما الأمازيغية هو مشكل السينما المغربية ككل..

نسبة كبيرة من المغاربة شاهدت أعمال مثل “الدويبة” و”سوق النسا” و”رمانة وبرطال” و”حديدان”.. لكن، من كان وراء هاته الأعمال التي ظلت عالقة بالأذهان؟ شخصيا، هاته الأعمال ظلت راسخة في ذاكرتي منذ طفولتي، لدرجة أنها استفزتني لاحقا لأبحث عن من كان وراء إخراج هاته التحف الفنية التي كنت أراها في كل مرحلة عمرية بصورة أخرى. فوجدتها امرأة، لم تكن سوى فاطمة علي بوبكدي، التي كرمت الأسبوع الماضي من طرف مهرجان تافسوت للسينما الأمازيغية المغاربية بتافراوت في دورته السادسة. استغلت جريدة “بيان اليوم” حضورها لتغطية فعاليات المهرجان من أجل التعرف أكثر على بوبكدي المخرجة والإنسانة العاشقة للتاريخ والأصالة والهوية. في هذا الحوار تعطينا بوبكدي رأيها في السينما الأمازيغية والإكراهات التي تواجهها، كما تحدثنا عن بداياتها بأعمال أخرجتها بالعربية الفصحى مثل “تيغالين” و”أمود”، قبل أن توسع قاعدتها الجماهيرية في أعمال تراثية لكن بالدارجة بطلب من الراحل نور الدين الصايل.

* بداية، ماذا يمكنكم أن تقولوا لنا عن تكريمكم في مهرجان تافسوت للسينما الأمازيغية المغاربية بتافراوت؟

** أولا، التكريم، بالنسبة لي، هو اعتراف بمسيرتي الفنية، وهو بمثابة تقدير يسعدني ويفرحني وقيمة مضافة لي، ثانيا، التكريم هو تحفيز للفنان حتى يبقى دائما حاضرا في الساحة الفنية ولكي يشعر أن تكريمه مستحقا ولا يصاب بالركود. تكريمي بتافراوت في مهرجان أمازيغي يكتسي نكهة خاصة بالنسبة لي، أولا لأن جذوري أمازيغية وبالضبط من تارودانت، وثانيا، لأن المهرجان لديه أهداف ثقافية إلى جانب أهدافه الفنية والسينمائية.

* ماذا يمكنكم أن تقولوا لنا عن مهرجان تافسوت وما يخلفه من انطباعات لدى المهتمين..

ملصق فيلم أنطو

** أرى أنه من الجميل أن نرى مثل هاته المهرجانات تنظم في ساحة عمومية، ويحضرها جمهور غفير ومتنوع، لأن ذلك يشعرنا بأن هناك نوعا من الإصرار على إثبات هويتنا من خلال الأعمال الناطقة بالأمازيغية، ونحن في أمس الحاجة لهاته الأعمال في وقتنا الراهن، لأن ملامح هوية جميع الشعوب الأصلية صارت باهتة بسبب الاستعمار الفكري والثقافي، وحينما تصبح هوية البلد غير واضحة، يصبح من السهل أن نضع أي ملامح أردنا على الجيل الجديد من الشباب، وبالتالي إبعادهم عن جذورهم، وهكذا تصبح الهوية هشة ويمكن التلاعب بها بأي طريقة. بالنسبة لي، يجب دعم مثل هاته المهرجانات، بل وإحداث أخرى جديدة، لأنها توطد العلاقة بين الشباب وتاريخه وهويته وجذوره. الثقافة الأصلية للمغاربة هي ثقافة غنية، بل أغنى من الثقافات الدخيلة.. هناك شعوب ليس لديها تاريخ وتصنعه، نحن لدينا تاريخ لكننا نهمشه.

* بصفتكم مخرجة، كيف تقيمون وضعية السينما الأمازيغية اليوم؟

** أعتقد أن المشكل القائم حاليا، هو أن حضور الأعمال الأمازيغية في الساحة الفنية هو حديث بالرغم من أنه كان يجب من البداية أن تكون لدينا أعمال ناطقة بالأمازيغية. إذ يجب أن نبدأ من نفس المستوى أو النقطة التي وصلت لها الدراما المغربية الناطقة بالدارجة، والسبب راجع إلى أن بعض الأشخاص الذين دخلوا إلى الدراما الأمازيغية، لم تكن لديهم غيرة عليها، ولا على تاريخهم وهويتهم، وقد حاولوا استغلال الأمازيغية من منظور مالي فقط في مجال الدراما، لكنهم لم يخدموها بالطريقة الصحيحة. ومع ذلك، لاحظنا مؤخرا دخول بعض الناس إلى الميدان لهم غيرة على الأمازيغية. من جهة أخرى، لدينا القناة الأمازيغية وهي الوحيدة التي بدأت توفر لنا مجموعة من الأعمال الدرامية، ولكن للأسف الشديد لا يتعامل مع السينما بنفس الجرأة التي يتعامل بها مع الدراما. لدينا أمل في المستقبل، وعلى الأشخاص الذين اشتغلوا في الدراما التلفزية أن يتشجعوا ولا يهابوا السينما، ويجب تغيير نظرتهم الخاطئة التي تعتقد أن الجمهور الأمازيغي هو جمهور محافظ، في حين أنه لدينا أمازيغ يدرسون في الجامعات ويقطنون في المدن الكبرى.. ولديهم غيرة على الأمازيغية… أعتقد أننا يجب أن نخوض التجربة بحب وبهدف.

* في نظركم، ما هي الإكراهات التي تواجه السينما الأمازيغية، هل هناك فقر في السيناريو أم ماذا؟

** فقر السيناريو هو مشكل الدراما المغربية ككل (تضحك) أي أن مشكل السينما الأمازيغية هو مشكل السينما المغربية، واليوم الذي ستنهض فيه السينما الناطقة بالدارجة، ستنهض حتى السينما الأمازيغية. والسيناريست المغربي يجب أن يطور نفسه كيفما كانت جذوره، لكي ترقى السينما المغربية إلى مستوى المشاركة في المهرجانات الأجنبية.

لحظة تكريم المخرجة فاطمة علي بوبكدي بمهرجان تافسوت بتافراوت

هناك مسألة الجرأة التي تحدثت عنها للتو. أحب أن أقول لك في هذا الصدد، إنه تقدم لي العديد من الأشخاص بأعمال مكتوبة، وكنت أنصحهم بأنها تصلح كأعمال ناطقة بالأمازيغية، وبالرغم من أنهم أمازيغ، إلا أنهم كانوا يرفضون ذلك، ويريدون الاشتغال عليها بالدارجة لأن لديها قاعدة جماهيرية أكبر. بالنسبة لي الأمر مؤسف ومؤلم. لماذا الأمازيغي يحقر لغته؟

لا يمكن أن نعبر إلى السينما دون المرور من بوابة التلفزيون، لأن التلفزة هي التي تصل لأكبر قاعدة جماهيرية، وإذا قدمت لنا أعمالا ذات جودة سنكسب ثقة المتلقي، وهو ما سيدفعه لمتابعتنا في السينما أيضا.

* الجميع يعرف أعمال المخرجة فاطمة علي بوبكدي. “رمانة وبرطال”، “حديدان”، “الدويبة”، “سوق النسا”.. وهي أعمال كلها تحمل في طياتها ملامح تراثية. أريد أن أعرف ما سر اهتمامكم بإخراج هاته النوعية من الأعمال؟

** هو أولا حب، حينما كنت طفلة صغيرة كنت أحب كل ما هو قديم، وقد كنت أحتفظ بأحزمة جدتي المصنوعة من العقيق، والتي لم تكن لها أية أهمية عند أفراد العائلة إلا أنا، كنت أرى فيها جمالية وفنا لأن جدتي صنعتها بنفسها. في مرحلة الإعدادي بدأت أرتدي هاته الأحزمة، وكانت صديقاتي تسألنني لماذا أرتديها ولو أنها لم تكن موضة آنذاك، وكنت أقول لهم بأننا يوما ما سنرجع لها.

كان الجو العائلي الذي ترعرعت فيه عاملا من العوامل التي جذبتني للتراث، إذ كان أخي مهتما بالفن، وعاش مع جيل يعرف معنى “الحلقة”، وقد كان كاتبا مسرحيا ويكتب الزجل أيضا. كبرت وأنا أرى والدي كذلك يهتم بالنقش والنحت، وكانت تلك هواياته التي يمارسها في المنزل. أيضا، كنت مدمنة كبيرة على مشاهدة الأفلام التاريخية الأجنبية، قبل أن تأتي الدراما السورية وتحفزني أكثر.

أحد مشاهد سلسلة حديدان

 

في دراستي، اخترت الآداب الإنجليزية لسبب واحد، لأنني كنت أريد قراءة المسرحيات المكتوبة بالعربية بلغتها الأصلية (الإنجليزية)، وهكذا أعجبت بالمسرح الإنجليزي. وكخلاصة، يمكنني القول إن سنوات الدراسة بالكلية أنعشت لدي هذا التعطش إلى كل ما هو قديم.

فيما بعد، وقع اتفاق بيني وبين أخي لنشتغل في عمل “تيغالين” الذي أنجزناه بالعربية الفصحى بهدف التسويق، لكن الأسماء كلها كانت أمازيغية: توناروز، أمنار، تيليلا.. جاء بعده مسلسل “أمود”، أيضا بالعربية الفصحى والمبني على الأسطورة الأمازيغية حمو أونامير، أي أنه بالرغم من أنه كانت العربية الفصحى حاضرة، إلا أن القصة والأسماء والمناطق واللباس كلها أمازيغية.. كنت أريد أن أفرض أعمالا بهوية أمازيغية ولو أنها لم تكن ناطقة بالأمازيغية.

مزجت بين أبحاث أخي وأبحاثي، وبالرغم من أنني كنت أشاركه في الكتابة منذ البداية، إلا أنني لم أكن أكتب اسمي دائما في الجينيريك، لكن أبحاثي جعلتني أحقق ذاتي من خلال حب كل ما هو قديم والخوف على ضياعه.

* كيف مرت بوبكدي من إخراج أعمال بالعربية الفصحى إلى الدارجة.. وما سر استخدام الحيل والذكاء في شخصيات أعمالكم؟

** في البداية، كانت الغيرة على التراث، والرغبة في التعريف بتاريخنا. توجهت إلى الدارجة بنصيحة من القناة الثانية في شخص الراحل نور الدين الصايل وعبد الرحمان التازي ونجيب رفايف، وقد اقترحوا علي حينذاك تحويل اهتماماتي إلى الدارجة، وقالوا لي بأنه ستكون لي قاعدة جماهيرية أكبر لو أن أعمالي كانت بالدارجة، وفعلا كذلك كان..

اشتغلت أنا وأخي على فيلم “الدويبة” وهو الذي أعطى الانطلاقة، وقد لاقت هاته الأعمال نجاحا عند الأطفال أيضا، وهو ما أسعدني لأن الناشئة في أمس الحاجة للرجوع إلى الأصل والهوية. وهو ما جعلني أشعر أنني أؤدي رسالة، وكان علي البحث أكثر في هذا اللون.

بالنسبة للحكايات، فأخي كان يختزن كما هائلا منها عن طريق “الحلقة”، بالإضافة إلى الأمثال.. وأحيانا كنا نبحث في الكتب، وفي أحيان أخرى نحن من يبتكر الأمثال لكي تتناسب وسياق المشهد. وعموما التعامل مع الحكايات الشعبية يجب أن يكون بذكاء لأنها حكايات تتناقل شفهيا، وكل راو أو “حلايقي” يضيف ذاتيته فيها، لهذا كنت أنا وأخي نقوم بعملية أسميها أنا “تشذيب الحكايات التراثية”، كنا نحن “حلايقية” عصرنا بأدواتنا السينمائية، وعملنا على تطوير هاته الحكايات حتى تصبح قابلة للدخول إلى المنازل.

                       حاورتها: سارة صبري 

Top