المسألة الاجتماعية

خلص الحوار الاجتماعي إلى نتائج توافق عليها الفرقاء، وتحققت، بموجبها، مكاسب للطبقة العاملة، سواء على صعيد الزيادة في رواتب موظفي الدولة والجماعات المحلية، أو فيما يتعلق بالزيادة في الحد الأدنى للأجر، وفي رفع حصيص الترقية الداخلية، والرفع من الحد الأدنى للمعاش، بالإضافة إلى التخفيض من تسعيرة فاتورة الكهرباء للاستهلاكات المحدودة، وغيرها من الإجراءات.
ولئن كانت طبيعة الدور الموكول للنقابات توجب المطالبة باستمرار بالمزيد من المكاسب، فمع ذلك، فإن القرارات المتوصل إليها تعتبر ايجابية، وتستجيب لعدد من مطالب الشغيلة في القطاعين العمومي والخصوصي، وتفتح الباب في اتجاه مزيد من التعزيز والتحسين للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لشعبنا.
ومن المهم هنا أيضا استحضار ما ورد كذلك في الرسالة الملكية الموجهة للمناظرة الوطنية الرابعة للفلاحة بمكناس، حيث أمر جلالة الملك باتخاذ إجراءات لتخفيف عبء ديون 200 ألف من صغار الفلاحين المعوزين، مع إمكانية الاستفادة من سلفات جديدة، وإعفاء صغار الفلاحين من تكاليف مياه السقي برسم سنة 2008، والرفع من الحد الأدنى لأجور العمال الفلاحيين، وجعل العالم القروي والفلاح الصغير في طليعة المستفيدين من تعميم نظام التغطية الصحية والمساعدة الطبية…
إن نتائج الحوار الاجتماعي وما تحقق للطبقة العاملة من مكاسب، ثم القرارات التي أعلن عنها جلالة الملك لفائدة صغار الفلاحين، تؤكد إذن، أهمية جعل المسألة الاجتماعية ضمن أبرز عناوين أوراش التنمية في بلادنا.
إن الدينامية السياسية الحالية وما فتحه خطاب تاسع مارس من آفاق، توجب على كافة الأطراف الربط المتين والجدلي للإصلاح السياسي والمؤسساتي بجيل جديد من الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وذلك بما يجعل هذه الدينامية تنعكس بالملموس على الحياة اليومية للمواطنات والمواطنين خصوصا من الفئات المعوزة وفي المناطق الفقيرة والنائية.
وبناء على ما سلف، فإن الوثيقة الدستورية المقبلة يجب أن تأتي مندرجة ضمن هذا الأفق الجديد، وذلك بالحرص على دسترة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ووضع آليات لحمايتها وتطبيقها، وأيضا بالتنصيص على الحق في السكن والتعليم والصحة والشغل والتغطية الصحية والاجتماعية الأساسية، بالإضافة إلى مسؤولية الدولة، في إطار مبدأ التضامن، في تنفيذ السياسات الهادفة إلى محاربة الفقر والهشاشة تجاه الفئات والمناطق الفقيرة، وأيضا القضاء على اقتصاد الريع والامتيازات والاحتكار وتقوية دولة القانون في المجال الاقتصادي، ومحاربة الفساد والرشوة وعدم الإفلات من العقاب، والتأكيد على المسؤولية الاجتماعية والبيئية للمؤسسات الاقتصادية.
بهذا التوجه الجديد للدستور المقبل، ستتحول هذه الدينامية الاجتماعية إلى ركيزة جوهرية في المنظومة السياسية والمؤسساتية للدولة، ما يعزز حمايتها، ويجعل العمال وصغار الفلاحين يثقون في المستقبل، وتكون بلادنا قد فتحت فعلا صفحة جديدة.

Top