دعوة ملكية لتحقيق ملاءمة أفضل وخبراء يدقون ناقوس الخطر
تعتبر القوى العاملة أهم عنصر من عناصر الإنتاج، والدعامة الأساسية لتحقيق أهداف التنمية الشاملة والتقدم والرفاهية الاجتماعية وتوفير الحياة الكريمة للشعوب في أي مجتمع، بغض النظر عن توجهاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية…
وتوفر المغرب على ثروة هائلة في مجال الموارد البشرية وبوجه خاص نسبة عالية من الشباب، إذا ما تم تحويلهم من عبء ضاغط على الموارد إلى طاقة منتجة وذلك من خلال تنمية قدراتهم وكفاءاتهم الإنتاجية وتزويدهم بالمهارات والخبرات والمعارف المتجددة.
وعلى الرغم من ذلك يواجه خريجو منظومة التعليم والتدريب التقني ظاهرة البطالة، وبدأ الخريجون ينضمون إلى صفوف الباحثين عن عمل، وتعود هذه الظاهرة لأسباب عدة، من بينها تراجع دور الدولة في توظيف الخريجين، وعدم قدرة سوق العمل في القطاع الخاص على خلق فرص عمل جديدة كافية لسد الخصاص، وتدنى أو غياب المواءمة بين نوعية مخرجات التعليم والتدريب المهني والتقني والمتطلبات المهارية لسوق العمل، وقلة الاهتمام وضعف الوعي لدى الخريجين بالتشغيل الذاتي عن طريق تأسيس المنشآت الصغرى نظرا لغياب التوجيه والإرشاد، وضعف مستوياتهم المهاراتية، وعدم توافر التمويل اللازم.
وسنركز في هذا الملف على جانب المواءمة بين التكوين والتشغيل، حيث دق الملك محمد السادس في خطابه السامي الموجه إلى الأمة بمناسبة الذكرى 65 لثورة الملك والشعب ناقوس الخطر حول أوجه القصور في “نظام تعليمي يستمر في تخريج أفواج من العاطلين”، مشددا على ضرورة ضمان ملاءمة أفضل بين التكوين والتشغيل.
وفي الصدد ذاته رصدت جريدة بيان اليوم، جملة من الإحصائيات التي تهم ملاءمة التكوينات المتاحة بالنظام التعليمي بمختلف مشاربه وسوق الشغل، كما تم التواصل مع خبراء في المجال، حيث شدد علي أعوين، خبير في قضايا تشغيل الشباب، ورئيس جمعية الجانب الأخضر للتنمية وعضو الشبكة المغربية للتحالف المدني للشباب، على أن إدخال الشباب إلى سوق العمل هو أحد القضايا الرئيسية التي يتعين معالجتها في جميع أنحاء العالم، مبرزا في حوار مع جريدة بيان اليوم، أنه رغم انتقال معدل البطالة من 10.5 في المائة إلى 10 في المائة على المستوى الوطني إلا أنها تظل نسبة مرتفعة وتعد بمثابة قنبلة موقوتة ومسألة يجب أن تؤخذ على محمل الجد. واعتبر أعوين في الحوار نفسه أن الشباب يعد الأكثر عرضة للمخاطر في أوقات الأزمات الاقتصادية، مؤكدا أنهم محرومون في سوق العمل لأن خبراتهم المهنية لا تلائم سوق الشغل..
وفي السياق ذاته أكد عبد الرحيم الشناوي، رئيس المركز المهني لتنمية السلامة الطرقية والنقل بالدار البيضاء، على أن التكوين المهني ركيزة أساسية للتنمية الاقتصادية، موضحا أنه لذلك اهتم المغرب ما بعد الاستقلال بوضع مخطط كفايات يروم إلى تأهيل العنصر البشري وتوفير يد عاملة مؤهلة لكافة القطاعات الإنتاجية الصناعية منها والتجارية وحتى المهنية، مبرزا أن سنة 1974 كانت مفصلية بحيث وضعت الدولة إستراتيجية للدفع بهذا النمط ليتبوأ المكانة التي تسمح له بالمساهمة في الإقلاع الاقتصادي للمغرب عبر إنشاء مكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل OFPPT وذلك من أجل ضمان الحصول على المعرفة والمهارات بطريقة أكاديمية وبيداغوجية ببرامج تتوج بتسليم شهادات تخصصية أو تأهيلية.
خطاب ملكي يشدد على ضرورة ضمان ملاءمة أفضل
بين التكوين والتشغيل
دق جلالة الملك محمد السادس في خطابه السامي الموجه إلى الأمة، السنة الماضية، بمناسبة الذكرى 65 لثورة الملك والشعب، ناقوس الخطر حول أوجه القصور في “نظام تعليمي يستمر في تخريج أفواج من العاطلين”.
وقد وضع الخطاب الملكي الأصبع على مكامن الخلل، من خلال التشديد على ضرورة ضمان ملاءمة أفضل بين التكوين والتشغيل، لأن النظام التعليمي المغربي في صيغته الحالية فشل في مهمته الأساسية، المتمثلة في تمكين الشباب من تكوين ذي جودة موجه لفتح أبواب سوق الشغل أمامهم وتشجيع إدماجهم السوسيو- مهني. ولعل أفواج العاطلين عن العمل التي يخلفها هذا النظام التعليمي في نهاية كل موسم جامعي أكبر دليل على ذلك. في المقابل فإن الحاصلين على شهادات هم أكثر عرضة للبطالة مقارنة بغير الحاصلين على أي شهادات (17.9 بالمائة مقابل 3.8 بالمائة)، حسب أرقام كشفت عنها المندوبية السامية للتخطيط.
ولتصحيح هذا الوضع أكد الخطاب الملكي لـ 20 غشت 2018 على ضرورة إعطاء الأولوية للتخصصات التي تمكن من الحصول على شغل، وإرساء نظام ناجع للتوجيه المبكر خلال السنة الثانية أو الثالثة التي تسبق شهادة الباكالوريا.
من جهة أخرى، دعا جلالة الملك الحكومة إلى إعادة النظر بشكل شامل في تخصصات التكوين المهني لجعلها تستجيب لحاجيات المقاولات والقطاع العام، وكذا وضع برنامج إجباري على مستوى كل مؤسسة، لتأهيل الطلبة والمتدربين في اللغات الأجنبية.
الصمدي: ملاءمة التكوين مع حاجيات سوق الشغل
تعد ورشا ذا أولوية
قال كاتب الدولة المكلف بالتعليم العالي والبحث العلمي، خالد الصمدي، إن ملاءمة التكوين مع حاجيات سوق الشغل تعد ورشا ذا أولوية بالنسبة لهذا القطاع.
وأبرز الصمدي، في تصريح صحافي، أنه تم اتخاذ مجموعة من التدابير في هذا الصدد، منها على الخصوص تثمين شعب الطب، والهندسة والتجارة والتدبير “المؤسسات ذات الولوج المحدود”، التي سترتفع المقاعد البيداغوجية المخصصة لها إلى 30 بالمائة انطلاقا من الدخول الجامعي 2018-2019، بعد أن كانت لا تتجاوز 20 بالمائة في ما قبل.
وأضاف الصمدي أن هذا الدخول الجامعي سيتميز أيضا بإطلاق إجازة جديدة في علوم التربية، على مستوى كافة المؤسسات الجامعية، والتي من شأنها أن تسهل الإدماج المهني لخريجي المؤسسات ذات الولوج المفتوح، والذي تزيد نسبة البطالة في صفوفهم.
ولتعزيز التمكن من اللغات، طبقا للتعليمات الملكية السامية، أشار كاتب الدولة إلى أن المؤسسات الجامعية أصبحت ملزمة بتمكين الطلبة من دروس للدعم اللغوي تبلغ مدتها 6 أشهر.
تباين واضح بين التكوين المهني والتعليم العام
في دراسة للمندوبية السامية للتخطيط
كشفت دراسة أعدتها المندوبية السامية للتخطيط تناولت موضوع “الملائمة بين التكوين والتشغيل بالمغرب”، عرضت نتائجها، بداية ماي من سنة 2018، أن نسبة البطالة في صفوف خريجي التكوين المهني تفوق مثيلتها بين حاملي شواهد التعليم العام.
واستنادا إلى المعطيات التي قدمها المندوب السامي للتخطيط، أحمد الحليمي علمي، فإن معدل بطالة حاملي شهادات التعليم العام بلغ في المتوسط نحو 20 في المائة، في مقابل ما يقارب من 26 في المائة بالنسبة لحاملي شهادات التكوين المهني.
ويظهر التباين الواضح بين التكوين المهني والتعليم العام من خلال المعطيات، التي تظهر انخفاض معدلات البطالة مع ارتفاع مستوى الشهادة المحصل عليها في التعليم العام، في حين العكس هو الحاصل في التكوين المهني، الذي يشهد ارتفاعا في معدلات البطالة كلما ارتفع مستوى الشهادة المحصل عليها.
في السياق ذاته، فإن معدلات البطالة “تنخفض مع شهادات التعليم العام من مستوى الثانوي والإعدادي حتى دبلوم الدراسات الجامعية العامة (DEUG)، حيث تنتقل على التوالي من 22 في المائة إلى 15 في المائة تقريبا”، في حين “تنتقل بعد الإجازة إلى حوالي 19 في المائة من بين المجازين، إلى 16 في المائة من بين حاملي دبلوم الدراسات المعمقة/دبلوم الدراسات العليا/الماستر، لتنخفض إلى 7.7 في المائة بالنسبة للمهندسين/الأطر العليا وإلى 4 في المائة بالنسبة للدكاترة”.
في المقابل، يقول الحليمي “لا تبقى هذه الفكرة صحيحة فيما يتعلق بالتكوين المهني”، الذي يشهد منحى معاكسا لمعدلات البطالة علاقة بطبيعة الشهادات المحصل عليها، إذ أن نسبة البطالة تبلغ حوالي 21 في المائة لدى الحاصلين على شهادة الاستئناس المهني، لترتفع إلى 26 في المائة بالنسبة لحاملي شهادة التخصص المهني، و29 في المائة بالنسبة لحاملي شهادة التأهيل المهني، وحوالي 27 في المائة بالنسبة للتقنيين المتخصصين.
من ثمة، وانطلاقا من المعطيات السالفة، يضيف لحليمي، فالمردودية الخارجية للتكوين المهني” أبانت، بدون التباس، أداء متواضعا، سواء من حيث الكم أو النوع مقارنة مع مثيلتها بالنسبة للتعليم العام”.
التباين بين التعليم العام والتكوين المهني يظهر أيضا على مستوى طبيعة المناصب، بحيث تشير المعطيات إلى أن “حاملي شهادات التكوين المهني يسجلون معدلا إجماليا على مستوى دونية المناصب بالنسبة للدبلوم يفوق بثلاثة أضعاف ذلك الخاص بحاملي شهادات التعليم العام مسجلين على التوالي 33.6 في المائة و11.6 في المائة”.
ويخلص المصدر إلى أن “التكوين المهني وبالنظر للضعف البين لملامته مع سوق الشغل، لا يمكن تقييمه دون وضعه في إطار الهياكل الاقتصادية الوطنية”.
ويتابع موضحا أن “المناصب التي توفرها هذه الأخيرة (أي الهياكل الاقتصادية الوطنية) والتي لا تتطلب في معظمها أي تأهيل وضعيفة الحماية والأجر، تبخس في الواقع التكوين ولا تشجع الأفراد و الأسر على الاستثمار من أجل الحصول على أكثرها كفاءة”.
“ممكن”
برنامج لإحداث فرص العمل
على المديين القصير والمتوسط
أطلقت الحكومة، نهاية شهر أبريل من سنة 2018، بشراكة مع الاتحاد العام لمقاولات المغرب، وجمعية مجالس الجهات، برنامج “التعبئة الوطنية لتمكين الشباب”، الذي يحمل اسم ”ممكن”، معلنين أنه سيوفر مليون و200 ألف منصب وفرصة شغل، في الفترة الممتدة ما بين 2017 و2021.
وأوضح رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، في تدوينة له على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أن “ممكن”، برنامج مبدع على عدة مستويات.
هذا الإبداع، يقول العثماني، يتجسد في كون إعداده تم بمقاربة تشاركية شاملة ومندمجة، وبمساهمة فاعلة لأكثر من 70 طرفا في إطار برنامج عمل دام ستة أشهر، تحت إشراف رئاسة الحكومة وبتنسيق من وزارة الشغل والإدماج المهني.
وتابع العثماني أن “ممكن” يحل محل “البرنامج الوطني للنهوض بالتشغيل”، ويقترح عددا من الإجراءات التي تهدف تسريع وتيرة إحداث فرص العمل على المديين القصير والمتوسط.
وأكد العثماني أن “ممكن” يهدف إلى خلق تعبئة شاملة بين القوى الحية للبلد (منظمات حكومية، مجتمع مدني، شركات….) وأيضا إلى خلق تعبئة في صفوف الشباب بأنفسهم لإطلاق ديناميكية مجتمعية في أفق بعث روح لتغيير عقليات وسلوكيات مختلف مكونات المجتمع بكل أجياله، من منطلق أن التشغيل والإدماج الاقتصادي والمهني يحتاج بشكل عام إلى عمل تشاركي وإلى مساهمة الجميع.
واعتبر العثماني أن “ممكن”، اسم يحمل رسالة إيجابية للشباب بهدف توجيههم وتكوينهم وأيضا تأطيرهم وتمكينهم من عدد من آليات ووسائل الاشتغال.
وشدد العثماني على أنه بفضل “ممكن”، سيصبح بإمكان الشباب إحداث عملهم الذاتي، أو إقامة مشاريعهم المقاولاتية، إذا كانوا مبدعين واعتمدوا النهج المناسب، مبرزا أنه سيكون متاحا إيجاد تدريب أو شغل، شريطة التوفر على روح المثابرة وتقديم التضحيات والشروع في العمل. فكل شاب قادر على إنجاح مشروعه، مسؤول على مستقبله، ويمكنه المضي قدما وبإصرار عبر الاستفادة من الآليات والبرامج التي توفرها له الحكومة.
وقال العثماني إن “ممكن” يرتكز خلال الفترة ما بين 2018 و2019 على 5 إجراءات:
1. جوازات مهنية (اللغة، الرقمنة، تطوير المهارات السلوكية، البحث عن عمل، الحس التجاري، روح المقاولة). وهي تكوينات قصيرة المدى تهدف إلى تعزيز فرص الشغل وفق حاجيات المقاولات.
2. الرفع من القدرة على تقديم تدريبات على الصعيد الوطني، عبر هيكلة التدريب الداخلي، وإنشاء صيغ قانونية جديدة تهم التدريب في القطاع الخاص، وإنشاء الخدمة المدنية بجمعيات المجتمع المدني وفي الجماعات المحلية، وإحداث تداريب خاصة لفائدة الطلبة الجامعيين وإمكانية مرافقة الحرفيين للشباب في إطار مقاربة متدرجة.
3. دعم وتقوية محيط المقاولة من خلال المرافقة القبلية والبعدية، وضمان التمويل، ومنح قروض الشرف، وإحداث مسابقات جهوية وإقليمية…
4. إنشاء آلية للتوجيه الوطني للشباب من قبل كبار السن من ذوي الخبرة يسمى “ميثاق الأجيال من أجل العمل”.
5. إعداد برامج ومخططات جهوية للنهوض بالتشغيل في إطار الجهوية المتقدمة.
شبكة التحالف المدني للشباب تطالب بالكشف عن مآل مشروع الإستراتجية الوطنية للشباب
في مراسلة موجهة لسعد الدين العثماني
راسلت الشبكة المغربية للتحالف المدني للشباب رئيس الحكومة سعد الدين العثماني مطالبة بالكشف عن المعلومات ذات الصلة بالإستراتجية الوطنية المندمجة للشباب والتي تشرف عليها وزارة الشباب والرياضة .
ويأتي تذكير الشبكة للحكومة في إطار الاحتفاء باليوم الدولي للشباب الذي يصادف 12 غشت من كل سنة والعيد الوطني للشباب الذي يصادف 21 غشت.
وسبق أن وجهت شبكة التحالف المدني للشباب مراسلة لمدير الطفولة والشباب والشؤون النسوية بوزارة الشباب والرياضة بتاريخ 16 يونيو 2019، وراسلت أيضا وزير الشباب والرياضة حول ذات الموضوع دون تفاعل.
ويستند طلب شبكة التحالف المدني للشباب إلى مرتكزات الدستور المغربي وعلى القانون رقم 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات.
وتتساءل الشبكة عن مصير هذا المشروع الاستراتيجي الذي لم ير النور بعد. حيث أخذ زمنا طويلا في إعداده دون مراعاة حجم التكلفة الكبيرة التي تتجلى في إهدار الزمن السياسي، وغياب الوضوح حول الصيغة النهائية للمشروع، وعدم الكشف عن رؤيته وتفاصيله بالكامل، وكذا الإجراءات العملية للتنفيذ والتكلفة المالية وتفعيل مبدأ أن المسؤولية تقتضي المحاسبة.
وتؤكد الشبكة على أنه كان من المفروض الانتقال إلى مرحلة التنفيذ لأن الشباب لم يعد قادرا على تحمل الكثير من الانتظار، خاصة وأن الحكومة لها من الوسائل والإمكانات ما يكفي للانتقال إلى مرحلة الإنجاز.
وترى الشبكة أن التقارير المقلقة عن وضعية الشباب المغربي مؤشر كاف لتسريع إخراج هذا المشروع من قبل الجهة المشرفة على إعداده ومن جانب رئاسة الحكومة.
وتستغرب شبكة التحالف المدني للشباب من حجم البطء الذي يعرفه المشروع، خاصة أن خطاب ثورة الملك والشعب في 20 غشت 2018 أكد فيه صاحب الجلالة على وضع قضايا الشباب في صلب النموذج التنموي الجديد، ودعا لإعداد إستراتيجية مندمجة للشباب، والتفكير في أنجع السبل للنهوض بأحواله، فضلا على خطب ملكية كثيرة دعت إلى النهوض بأوضاع الشباب المغربي.
> عبدالصمد ادنيدن