المشهد التشكيلي المغربي من خلال إكرام القباج ومريم أمزيان

مريم أمزيان

لم تلج المرأة العالم الأكاديمي للفن التشكيلي في المغرب إلا في سنوات السبعينيات، إذ اختارت المرأة الولوج الفعال ضمن خانة الفن المغربي المعاصر. وإن تعتبر الفنان المغربية مريم امزيان واحدة من كبار رواد فن الرسم التشخيصي الواقعي في المغرب، وهي أول امرأة مغربية تدرس الفنون الجميلة في الخارج. ولدت عام 1930 في فرخانة منطقة من الريف في شمال المغرب.
تلقت تعليمها الأولي التقليدي في العرائش، المدينة التي كان والدها يشغل منصب القائد العام للمنطقة الواقعة تحت الاحتلال الاسباني، قبل أن يصبح بعد حصول المغرب على الاستقلال، المارشال الأول في الجيش المغربي. تعاطت الرسم في بداية مسارها الفني كعصامية، وأقامت أول معرض لها عام 1953 في مالقة، من خلال تصريحاتها، ثم بعد ذلك أقامت عدة معارض في مدن مختلفة من المغرب. بعدها التحقت بالمدرسة العليا للفنون الجميلة سان فرناندو في مدريد. عام 1959 تخرجت حيث حصلت على شهادة الأساتذية في الرسم والتصوير. توفيت في 29 مارس 2009 في منزلها في مدريد.
رسومها الأولى، على الرغم من ارتباطها بالأساليب الأكاديمية، استمدت ألوانها ومواضيعها من جبال الريف الشامخة، حيث مسقط رأسها ومقر عائلة أمزيان الكبرى. من شمس هذه الجبال وألوانها وشخوصها وإرثها الثقافي المعماري والفلكلوري، لوحاتها الأولى أبهرت العديد من النقاد في أوروبا، يخبرنا الأديب المغربي محمد أديب السلاوي، كما احتلت أعمالها التشكيلية موقعا متقدما في سوق التشكيل، خاصة في مدريد وباريس وروما منذ البداية.
أعطت الفنانة أمزيان (1930 – 2009) للوحاتها عمقا، وبحثا واسعا في الهوية التي اهتمت بها، إذ منذ بداياتها، جعلت من الكوسموبوليتات (كونية) الثقافية والاهتمام بالأصل المغربي والأمازيغي منبعا لاشتغالها. تستلهم صباغاتها من نوستالجيا تعكس النظرة المغربية الغنية. تلك النظرة التي لا تكون ثابتة، بل متحركة داخل لوحاتها. اللوحة الغارقة في المشاهد النموذجية، والهندسة المعمارية والمناظر الطبيعية، ونساء وسكان جنوب المغرب. النساء المتبرجات مع الزهور، والمجوهرات التقليدية، والمشاركة في المهرجانات، تزاوج بين الجنوب وفاس. ترسم لوحاتها عبر الاشتغال على اللون الأحادي، أو الكروماتيكية التي يطغى عليها الأحمر أو الأزرق أو الحبري. عملها الفني، سفر في الزمان والمكان، إنه التقاط لافت للحظة ونقل بديع لها، ودقة متأنية في توظيف اللون، واستعمال باهر للخطوط، وحضور صائب للضوء والظل. العمل الفني لديها انتقال من الخيال إلى الواقع، وإن يسكن الواقع ولا يبارحه، فهي نقل لوحشة الطبيعة وسكون المقدس. إنه تلاقي الملموس والروحاني، المادي والصوفي.
أعمال أمزيان لا تقتصر على الرسومات الزيتية على القماش الذي تتعدد أبعاده، والطباعة الحريرية، بل تتجاوز ذلك إلى الاشتغال المائز على المنحوتات البرونزية التي يحضر فيها الجسد كاملا تارة، أو في شقه الأعلى، الشق المفكر لا الشهواني، الجزء الأفلاطوني لا الإيروسي. وتبقى دائما المرأة الحاضر بقوة وبالتكرار في أعمالها، وإن تحضر في غالبية الأحيان مرتدية للزيّ الأمازيغي، من لباس وحلي، المرأة الحاضرة داخل المربع الأيقوني للوحة منفردة أو في جماعة، ما يجعلنا لا نصنفها ضمن خانة الفن الفطري، بل ضمن خانة الفنانين الذي ارتأوا الاشتغال على الواقعية كرؤية اختيارية لا مفروضة أو متأثرة.

إكرام القباج

 النحت والمرأة: في فترة السبعينيات حيث ولجت المرأة عوالم الأكاديمية، انطلت تجربة الفنان المغربية إكرام القباج، التي ولجت مدرسة الفنون الجميلة في الدار البيضاء في فترة امتدت ما بين 1978 إلى 1982، في تلك الفترة التي بدأ فيها الفنان المغربي يطرح أسئلته الكبرى حول الهوية والحداثة وإمكانية تجاوزها إلى ما بعده، عبر البحث عن أسانيد ومفاهيم ومواضيع متجددة، برزت تجربة هذه الفنانة التي اختارت الاشتغال على الخزف/السيراميك، لتكون بالتالي أول فنانة في الساحة التاريخية في الدار البيضاء التي تختار هذا الاتجاه الفني. تَعَدَّدَ الخام الإبداعي الذي تستند إليه الفنانة في منحوتاتها، حسب المراحل المتعددة في حياتها، إذ بعد حصولها على دبلوم البلاستيك في مدرسة الفنون الجميلة، اشتغلت على مادة السيراميك والحجر، لتنتقل في فترة قصيرة من ذلك إلى الاشتغال على الحديد، وأواخر سنوات الثمانينيات وبداية التسعينيات اشتغلت القباج على مادتين جديدتين تنضافان إلى سابقتيهما: الطين والتراب.
فلا تنحت إكرام القباج كائنات بشرية أو حيوانية، لا تشخص موضوعها أو ترمز له أو تحيل إلى أصله، إنها بقول الكاتب المغربي إدريس الخوري- تشتغل بصبر وأناة على أحجار طينية صغيرة فتحيلها إلى مواد تشكيلية جميلة متداخلة في بعضها بعضا إلى درجة يصعب تجزئتها – أحجار رقيقة مسننة وأخرى شبه مكركبة، كل هذا التركيب المتناسق، داخل إطار خشبي مزجج، مستطيل أو عرضي، يعطي لهذه المنحوتات الصغيرة بعدا جماليا وحداثيا في الوقت نفسه. اختارت إكرام القباج التجريدية كمنطلق اشتغال على أعمالها المنحوتة بعناية فنية، إنه اختيار تحوزه الظرفية التي انطلقت منها الفنانة، إذ كانت موجة التجريدية في الدار البيضاء وفي مدرستها للفنون هي منتهى الحداثة ومنطلق الرؤية، إلا أن الفنانة أبدعت لا اتبعت، وأنجزت لا تأثرت. فأعمالها تقترب من التجريد المطلق وتبتعد عن التصوير للكائن- الموضوع، فـ»نساء»/منحوتات إكرام غير مشخصات تشخيصا فيزيقيا، إنهن «كائنات» حجرية- طينية ناطقة بصمتها. فالفنانة منبهرة بقولبة موادها الناضجة لتعيد تركيبها على صورة خالصة لامرأة ممتلئة بالأسئلة. إنه اشتغال إذن بمنطلق تجريدي وبرؤية تشخيصية غير مُشخصة، إن تجربة هذه الفنانة تتحكم في المادة وتروضها لتشخصن بها بشكل تجريدي لتصير نساء من عوالم التجريد.

Related posts

Top