هيمنت على الساحة المغربية مؤخرا ظاهرة هجرة الأفارقة إلى المغرب، حيث يعتبر المغرب بوابة للأفارقة الراغبين في الهجرة إلى أوروبا، لكن هناك من اختار المغرب موطنا للعيش فيه.
تتراوح أسباب هجرة الأفارقة للمغرب بين الفقر و البطالة وعدم الاستقرار الاقتصادي و السياسي في بلدانهم، مما جعل المغرب نقطة استقرار لهم، بهدف تحسين حالتهم المعيشية والحصول على فرص عمل أفضل.
ومن ناحية أخرى، تثير هجرة الأفارقة إلى المغرب الكثير من المخاوف والتحديات الأمنية والاجتماعية، حيث يعتبر هذا الأمر تحديا للسلطات المغربية في إدارة هذه الهجرة وتوفير الخدمات الأساسية للمهاجرين.
“هاد الأفارقة راه بغاو يوليو ياكلوا و يشربوا معانا …” بلغة منفعلة يجيبنا السيد يوسف وهو مواطن مغربي عن سؤال ماهو رأيك في هجرة الأفارقة إلى المغرب؟.
وفي هذا الإطار ونحن نستقل حافلة الباص لاحظنا موقفا عدائيا من طرف سيدة إفريقية الأصل، تقوم بشتم مواطن مغربي، وذلك بسبب وطئه على قدمها دون قصد نتيجة الازدحام الذي كان في الحافلة بحيث قامت بنعت المغاربة بالعنصريين
« Les marocains sont des racistes… »
فتدخل أحد الأشخاص لتهدئة الوضع في حين أنه كان هناك بعض الأفارقة في الحافلة لم يصدروا أي رد فعل.
تختلف أسباب اختيار المغرب كبلد للاستقرار باختلاف الفئة التي ينتمي لها المهاجر. يضطر المهاجرون غير الشرعيين غالباً للبقاء بعد فشل محاولات الهجرة نحو إسبانيا عبر الشواطئ شمال المملكة، أو لعدم توفر المبالغ الباهضة التي تتطلبها الهجرة غير القانونية استعانة بالمهربين. في الجهة المقابلة، يتحدث الطلبة أو اليد العاملة المؤهلة عن محفزات واضحة لاختيار المغرب كبلد استقرار.
“أكثر ما حفزني للبقاء والاستقرار في المغرب، هو التشابه الكبير بينه وبين بلدي السنغال، لم أجد فرقاً كبيراً في نمط العيش، ثقافاتنا تتشابه لحد كبير وديننا أيضا، هذا ما ساعدني على التأقلم وعدم الإحساس بالغربة”، يقول ـحد الأفارقة. ملفتا النظر أن سوق العمل أيضا يفتح آفاقاً للمهاجرين المؤهلين.
هناك كفاءات وجدت لنفسها مكاناً، وحول ذلك يقول مهاجر منحدر من السينغال “الدراسة الجامعية في المغرب أقل تعقيداً مقارنة بالسنغال. اندمجت بشكل سلس خلال سنوات الدراسة، طاقم المعهد الإداري والبيداغوجي وزملائي جعلوا مهمة اندماجي أسهل بكثير مما ظننت”.
بالنسبة له كانت المنحة الدراسية التي حصل عليها من المغرب للدراسة بأحد معاهده بالعاصمة الرباط “فرصة لاكتشاف دولة رائعة ذات طبيعة تكاد تكون فريدة في إفريقيا، بالإضافة إلى شعب لديه ثقافات متنوعة”. إضافة إلى ذلك شدد المتحدث أن “العامل المهني إضافة إلى التحفيز المادي، كانا سببين أساسيين في اتخاذ قرار البقاء”، مشيراً إلى أن علاقته ببلده لم تنقطع، بل يستثمر هناك حالياً في مجال الزراعة الرقمية.
ويرى مصطفى تاج، الباحث المغربي في علم الاجتماع السياسي، أن “المغرب يوفر اليوم بيئة حاضنة للمهاجرين الأفارقة. كثيرون منهم تمكنوا من الاندماج بسرعة في مختلف المدن المغربية. منهم من أنهى دراسته واختار الاستقرار هنا كموظف أو افتتح مشروعه الخاص خاصة في المدن الكبرى”.
واعتبر الباحث مصطفى تاج أن تقييم مدى إسهام المهاجرين الأفارقة في الاقتصاد المغربي صعب حالياً في غياب أرقام دقيقة، فأغلبهم مازال يعتبر البلد محطة عبور أو بلد لتحصيل العلم فقط. لكنه شدد على أن “المدارس العليا الخاصة والعمومية إضافة للجامعات المغربية، فتحت أمام الطلبة الأفارقة فرصا كبيرة وجيدة جداً، وصار كثيرون يفضلون متابعة الدراسة بالمملكة عوض أوروبا”.
ويرى عدد من المهاجدرين أن المجتمع المغربي منفتح ومتعدد الثقافات. لكنه أقر أن هناك فرقاً بين الجيل الجديد والقديم من المغاربة، فالشباب اليوم متسامحون أكثر مع المهاجرين، لكن “هناك أقلية من المجتمع تتصرف بغرابة أحيانا”.
ويعمل المغرب على تطوير إستراتيجيات للتعامل مع هذه الهجرة، وذلك من خلال توفير الدعم اللازم للمهاجرين وتحسين ظروفهم المعيشية، إلى جانب تعزيز الشراكات الدولية لمكافحة الإتجار بالبشر والهجرة غير النظامية. كما يسعى المغرب أيضا إلى تعزيز التعاون الإقليمي والدولي لتحقيق التنمية المستدامة.
عثمان مفتاح (صحفي متدرب)