المغرب وفلسطين تاريخ مشترك وتضامن ضارب في عمق العلاقات

في ظل الأوضاع التي تعرفها فلسطين، سواء بالضفة الغربية أو قطاع غزة من عدوان شامل للاحتلال ومحاولة لإبادة جماعية لشعب فلسطين الأبي، كان للمغرب دائما حضور وازن، لا من حيث التضامن الشعبي أو الرسمي من خلال المساعدات الإنسانية وغيرها أو من خلال دعم جهود الإعمار، وكذا دعم خاص للقدس الشريف.
ومنذ 7 أكتوبر 2023 الذي أطلق فيه الاحتلال الإسرائيلي حربه المدمرة على قطاع غزة واستمراره في مسلسل الاستيطان خاض المغاربة من شمال المغرب إلى جنوبه، ومن غربه إلى شرقه سلسلة من الاحتجاجات والأشكال التضامنية مع القضية الفلسطينية.
ووفق التقديرات فإن المغاربة خاضوا أزيد من 6000 مظاهرة وأزيد من 730 مسيرة شعبية، في أكثر من 60 مدينة مغربية، إضافة إلى وقفات مركزية عديدة وبشكل دوري أمام البرلمان، بالإضافة إلى ما يزيد عن 25 موكبا تضامنيا للسيارات والدراجات، وما يفوق 120 ندوة ومحاضرة لتنوير الرأي العام وتوعيته في ما يهم معركة “طوفان الأقصى” والقضية الفلسطينية وتطوراتها.
هذا الغنى في التضامن مع القضية الفلسطينية يجعل المغرب في مقدمة الدول الأكثر تضامنا مع القضية الفلسطينية بالشارع العربي والمغربي، وهو ما يدفعنا في هذه السلسلة الرمضانية إلى العودة إلى تاريخ العلاقات المغربية – الفلسطينية، وكيف تضامن المغاربة مع القضية الفلسطينية وجعلوها قضية أولى إلى جانب قضية الصحراء المغربية.
وتستند هذه الحلقات إلى قراءة في كتاب “المغرب والقضية الفلسطينية من عهد صلاح الدين إلى إعلان الدولة الفلسطينية” للراحل أبو بكر القادري الذي شغل أول رئيس للجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني، وأيضا كتاب “فلسطين قضية وطنية” للكاتب عبد الصمد بلكبير، وأيضا إلى مراجع وكتب أخرى تناولت القضية

علاقات وطيدة بين الحركة الوطنية المغربية والمقاومة الفلسطينية

شكلت العلاقات الثنائية بين الفلسطينيين والمغاربة على الدوام علاقات وطيدة، وزادت قوتها من خلال التواصل بين رجال الحركة الوطنية المغربية التي كانت تواجه الاحتلال الفرنسي وبين المقاومة الفلسطينية التي كانت تواجه الاحتلال الإنجليزي.
وهكذا تبادلت الحركتان الوطنيتان بكل من المغرب وفلسطين رسائل التضامن ضد الاحتلالين الفرنسي والإنجليزي، وأسنتدت كل واحدة فيهما الأخرى في مواجهة المد الاستعماري ومخططات التقسيم والتخريب.
ويروي الراحل أبو بكر القادري أحد رجالات الحركة الوطنية والرئيس المؤسس للجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني أنه عندما دعا الحاج أمين الحسيني لعقد مؤتمر إسلامي بالقدس ينظر في قضية المشكل الفلسطيني الذي خلقه الإنجليز بإعطائهم وعدا لليهود كي يؤسسوا وطنا قوميا لليهود في فلسطين قرر رجال الحركة الوطنية أن يساهموا فيه، مبرزا أن هذا المؤتمر حضره ثلاثة شخصيات مرموقة من رجال الوطنية والعلم ليعبروا عن تضامن الشعب المغربي مع الشعب الفلسطيني وكان ذلك في سنة 1931.
كما يكشف الراحل القادري أن المغاربة أدوا صلاة الغائب على المجاهد والمقاوم الراحل أحمد السنوسي في 1933، وذلك تلبية للنداء الذي وجهه رئيس مكتب المؤتمر الإسلامي الدائم بالقدس من أجل ذلك، حيث قال في كتابه “فأدينا صلاة الغائب بالمسجد الأعظم بمدينة «سلا» رغم العراقيل والتهديدات التي لاقينا من السلطة الاستعمارية”.
وعند عزم السلطات الإنجليزية على تقسيم البلاد الفلسطينية سنة 1937 بينهم وبين اليهود والعرب تنفيذا لقرار اللجنة الملكية البريطانية. يقول القادري “قمنا بواجبنا التضامني مع إخواننا عرب فلسطين، رافضين فكرة التقسيم من الأساس ومعبرين عن تضامنا مع إخواننا بكتابة العرائض الإحتجاجية إلى السلطات الإنجليزية، ملبين النداء الذي بلغنا من إخواننا عرب فلسطين، ونظمنا اجتماعات بالمساجد، خطبنا فيها منددين بما تقوم به سلطات الإستعمار الأنجليزي، وتآمرها مع اليهود، ومؤكدين لإخواننا برسائل بعثناها لهم تضامننا المطلق معهم، واستنكارنا الشديد للمخططات الأنكليزية الصهيونية”.
ويستمر مسلسل التضامن من خلال محطات عديدة، حينها، وقبل حتى قيام الاحتلال الإسرائيلي بدخول الأراضي الفلسطينية واحتلالها، فبعد الحرب العالمية الثانية (1939) واتخاذ المنتظم الدولي قرارا بتقسيم فلسطين سنة 1947، يؤكد القادري أن الحركة الوطنية المغربية حسمت أمرها التضامني وقامت بالواجب التضامني مع الشعب الفلسطيني واعتبرذلك القرار جائرا ومرفوضا.
ويشير القادري إلى أن رجالات الحركة الوطنية عقدوا الاجتماعات التظاهرية والقوا الخطب وكتبوا المناشير، واهتمت الحركة الوطنية على اختلاف اتجاهاتها أيما اهتمام بهذا الموضوع الخطير، مشددا على أن زاد موقف الحركة الوطنية صلابة وتأييدا ما قام به الملك الراحل محمد الخامس من احتجاج ضد قرار التقسيم ورفضه.
وهكذا تظهر مراجع التاريخ وشهادات كثيرة أن التضامن المغربي – الفلسطيني على المستويين الرسمي والشعبي كان دائما متجذرا في التاريخ وفي عمق العلاقات الثنائية الاستثنائية التي جمعت الشعبين المغربي والفلسطيني، اللذين سطرا معا تاريخا نضاليا حافلا في مواجهة الاحتلال وفي التعبير والتضامن المتبادل والإسناد في مواجهة الاحتلالين الفرنسي بالنسبة للمغرب والإنجليزي بالنسبة لفلسطين، مع استمرار هذا الزخم بالرغم من المتغيرات التي تطرأ في القضية، إذ ظل التقارب بين الشعبين قائما واستمرت أشكال التضامن المختلفة التي سنأتي على ذكرها في قادم الحلقات.

Top