أكد السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، أول أمس الثلاثاء في نيويورك، أن مبادرة الحكم الذاتي، في إطار الوحدة الترابية للمملكة المغربية وسيادتها الوطنية، تظل “الحل الوحيد والأوحد” للنزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء المغربية. وأبرز هلال، في كلمة ألقاها باسم المغرب، خلال النقاش العام للدورة الـ78 للجمعية العامة للأمم المتحدة، أن المبادرة المغربية للحكم الذاتي تحظى بدعم أكثر من مائة دولة من كل جهات العالم، كما افتتحت قرابة 30 دولة ومنظمة إقليمية قنصليات عامة لها في مدينتي العيون والداخلة، مؤكدة بذلك دعمها التام لمغربية الصحراء. وأشار، من جانب آخر، إلى أن المملكة تظل متشبثة بحل سياسي نهائي للنزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء المغربية، مما سيمك ن من تعزيز التنمية والاستقرار في المنطقة والقارة الإفريقية. وسجل السفير أن المغرب يواصل دعمه لجهود الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي إلى الصحراء، ستافان دي ميستورا، الهادفة إلى إعادة إطلاق مسلسل الموائد المستديرة، بالصيغة ذاتها والمشاركين أنفسهم، وخاصة الجزائر، الطرف الأساسي في النزاع، وذلك طبقا للقرار 2654 لمجلس الأمن، مجددا التأكيد على أن الحل النهائي لهذا النزاع الإقليمي لن يكون إلا سياسيا وواقعيا وعمليا، ومبنيا على التوافق. وتطرق إلى الدينامية السوسيو-اقتصادية التي تشهدها الأقاليم الجنوبية، موضحا أنه تم، وفي إطار النموذج الجديد لتنمية هذه الأقاليم الذي رصدت له المملكة المغربية ميزانية فاقت إلى حدود اليوم 10 ملايير دولار وتم إنجازه بنسبة 81 في المائة، إطلاق عدة مشاريع للتنمية السوسيو-اقتصادية، جعلتها قطبا جهويا للمبادلات التجارية بين إفريقيا وبقية دول العالم. ولاحظ هلال أن المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، ستافان دي ميستورا، عاين شخصيا هذه الإنجازات خلال زيارته لمدينتي العيون والداخلة في الصحراء المغربية في بداية هذا الشهر. وذكر بأن هذا المجهود الكبير يندرج في إطار تنزيل التوجيهات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، والتي تضمنها خطاب جلالته بمناسبة الذكرى الـ47 للمسيرة الخضراء في 6 نونبر 2022. وكان جلالته أكد في هذا الخطاب أن “توجهنا في الدفاع عن مغربية الصحراء، يرتكز على منظور متكامل، يجمع بين العمل السياسي والدبلوماسي، والنهوض بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية للمنطقة”. من جانب آخر، جدد السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة التعبير عن قلق المملكة البالغ بخصوص الوضع الإنساني الكارثي الذي تعرفه مخيمات تندوف، حيث فوضت الجزائر، الدولة المضيفة، سلطتها بشكل غير قانوني لجماعة مسلحة انفصالية ذات ارتباطات مؤكدة وموثقة مع شبكات إرهابية وإجرامية. ولاحظ هلال أن هذا الوضع يستدعي لفت انتباه المجتمع الدولي بخصوص رفض الجزائر السماح بتسجيل وإحصاء السكان المحتجزين بالمخيمات، في انتهاك واضح وصارخ للقانون الدولي وللنداءات المتكررة لمجلس الأمن منذ سنة 2011، كما أدان اختلاس المساعدات الإنسانية الموجهة للمحتجزين في مخيمات تندوف كما شهدت على ذلك تقارير المنظمات الدولية والإقليمية وغير الحكومية، وآخرها برنامج الأغذية العالمي في تقريره الصادر في يناير 2023.
التنديد بأي اعتداء على الرموز الدينية والكتب المقدسة
وجدد عمر هلال، تأكيد تنديد المملكة الشديد بتدنيس وإحراق المصحف الشريف، “الذي يمس مشاعر أكثر من مليار مسلم حول العالم” ويعتبر خرقا لأبسط قواعد حقوق الإنسان. واعتبر الدبلوماسي أنه يتوجب على الدول المعنية اتخاذ كل التدابير اللازمة لمنع هاته الخروقات. كما أعرب عن “قلق المملكة العميق” من عواقب التمادي في إشاعة خطاب الكراهية، خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مبرزا أن هذا الخطاب يساهم في بث الانقسامات داخل المجتمعات وبين الثقافات والدول واستشراء التطرف العنيف. وذكر بالرسالة السامية التي وجهها جلالة الملك محمد السادس إلى المشاركين في الدورة التاسعة للمنتدى العالمي لتحالف الحضارات الذي احتضنته مدينة فاس يومي 22 و23 نونبر 2022. وفي هذه الرسالة، قال جلالة الملك “فلم يسبق لحضارتنا أن كانت معرضة لمثل هذا الكم الهائل من المخاطر، ولم يسبق للعيش المشترك أن واجه مثل ما يواجهه اليوم من تهديدات بشكل يومي، ونادرا ما كان الآخر مثار ارتياب وشك مثلما هو اليوم، بل نادرا ما كان يستخدم كل سبب مفتعل لإثارة مشاعر الخوف والكراهية وتأجيجها كما هو الشأن اليوم”. ولمواجهة خطاب الكراهية، يتابع السيد هلال، قدم المغرب في يوليوز الماضي قرارا تم اعتماده بالإجماع من قبل الدول الأعضاء بالجمعية العامة للأمم المتحدة، يدين تدنيس الكتب المقدسة، ويصنف لأول مرة هذه الأعمال ضمن انتهاكات القانون الدولي، مضيفا أن القرار دعا كذلك الأمين العام للأمم المتحدة إلى تنظيم أول مؤتمر حول خطاب الكراهية في سنة 2025. وفي السياق ذاته، أشار السفير إلى أن المغرب، ووعيا منه بأهمية الدور الذي تلعبه الرياضة في التقارب بين الأمم وإشاعة ثقافة السلام والتسامح، قدم ملف ترشيح مشترك، مع كل من إسبانيا والبرتغال، لاحتضان نهائيات كأس العالم لكرة القدم 2030. وذكر بأن جلالة الملك محمد السادس يعتبر أن هذا الترشيح “غير مسبوق، يجمع بين قارتين وحضارتين، إفريقيا وأوروبا، ويوحد ضفتي البحر الأبيض المتوسط، ويحمل طموحات وتطلعات شعوب المنطقة، للمزيد من التعاون والتواصل والتفاهم”.
القضية الفلسطينية أولوية وطنية
وذكر هلال بأن جلالة الملك محمد السادس، بصفته رئيسا للجنة القدس التابعة لمنظمة التعاون الإسلامي، عبر عن الأهمية التي يوليها المغرب للقضية الفلسطينية، مؤكدا جلالته “وبنفس الجدية والحزم، نؤكد موقف المغرب الراسخ، بخصوص عدالة القضية الفلسطينية، والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني الشقيق، في إقامة دولته المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية، بما يضمن الأمن والاستقرار لجميع شعوب المنطقة”. من جانب آخر، جدد السفير رفض المغرب لكل الإجراءات الأحادية التي تقوض الوضع القانوني والتاريخي لمدينة القدس الشريف، ودعمه للسلطة الوطنية الفلسطينية، بقيادة فخامة الرئيس محمود عباس، ولكل قراراتها الرامية إلى الحفاظ على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني الشقيق في تحقيق تطلعاته وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، على حدود سنة 1967، وفقا لحل الدولتين المتوافق عليه دوليا، وفي احترام لمبادئ الشرعية الدولية والقرارات ذات الصلة. وأشار هلال إلى أن المغرب دعا إلى تجنب التصعيد والعنف، وتجنيب منطقة الشرق الأوسط مزيدا من الاحتقان والتوتر الذي يعرقل إحياء عملية السلام.
تعامل حازم وجدي مع تبعات زلزال الحوز
وقال عمر هلال إن المغرب واجه، تحت قيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، تبعات الزلزال الذي ضرب بعض مناطق المملكة بحزم وجدية وتضامن وإرادة. وأبرزهلال، في كلمة ألقاها باسم المغرب، خلال النقاش العام للدورة الـ78 للجمعية العامة للأمم المتحدة، أنه “ومنذ اللحظات الأولى التي أعقبت الزلزال، أعطى جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، تعليماته السامية لتعبئة كل أجهزة الدولة، من قوات مسلحة ملكية، وقطاعات حكومية وسلطات محلية، وقوات عمومية وفرق الوقاية المدنية، لاتخاذ جميع الإجراءات الاستعجالية اللازمة لتسريع عمليات الإنقاذ وإجلاء الجرحى وتقديم المساعدة للأسر المتضررة والإحداث الفوري للجنة بين-وزارية مكلفة بوضع برنامج استعجالي لإعادة تأهيل وبناء المناطق المتضررة”. وسجل أن المملكة المغربية مرت، تحت القيادة الفعلية والإشراف المباشر لجلالة الملك، من مرحلة الإنقاذ والإغاثة العاجلة إلى مرحلة إعادة التأهيل والتعمير للمناطق المتضررة، مضيفا أن جلالة الملك أعطى توجيهاته السامية لتفعيل برنامج مدروس، ومندمج وطموح بهدف تقديم جواب قوي ومنسجم وسريع وإرادي لكل تداعيات هذه الكارثة الطبيعية، بميزانية توقعية إجمالية تقدر بـ12 مليار دولار على مدى خمس سنوات، تغطي الصيغة الأولى منه كل المناطق المتأثرة وتستهدف ساكنة تبلغ 4,2 مليون نسمة. وأوضح أن هذا البرنامج، الذي تم وضعه بعد تشخيص محدد وتقييم مفصل للحاجيات، يضم مشاريع تهدف إلى إعادة بناء المساكن وتأهيل البنيات التحتية المتضررة وتعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية في المناطق المعنية، مضيفا أنه سيتم تمويل هذا البرنامج متعدد الأبعاد، انطلاقا من الاعتمادات المرصودة من الميزانية العامة للدولة ومساهمات الجماعات الترابية والحساب الخاص للتضامن المخصص لتدبير ا ثار الزلزال، وكذا من خلال الدعم والتعاون الدولي. ولاحظ هلال، من جانب آخر، أن جلالة الملك أكد على ضرورة انسجام عملية إعادة الإعمار مع تراث المنطقة وخصائصها المعمارية المتفردة واحترام كرامة الساكنة وعاداتها وأعرافها. وموازاة مع هذه الإجراءات، يتابع هلال، انخرطت جميع مكونات المجتمع المغربي، داخل الوطن وخارجه، في المجهود الوطني لمساعدة الساكنة المتضررة، إذ أبانت على اللحمة الوطنية القوية والتضامن المترسخ. وعبر السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة عن شكر وامتنان المملكة المغربية لكافة أصحاب الجلالة والسمو والفخامة ملوك وأمراء ورؤساء الدول والحكومات والوزراء الذين عبروا عن مشاعر تضامنهم ودعمهم بعد الزلزال الذي ضرب المغرب، واستعدادهم للوقوف مع المملكة لمواجهة مخلفات هذه الكارثة الطبيعية.