الملف المطلبي للقضاة بين الموجود والمنشود

في الذكرى العاشرة لتأسيس نادي قضاة المغرب

خلد نادي قضاة المغرب مؤخرا الذكرى العاشرة لتأسيسه، فبتاريخ 20 غشت 2011 توافد مئات من القاضيات والقضاة على مدينة الرباط لتنزيل حق دستوري وهو الحق في التعبير والتجمع المكفول للقضاة، بعيد أيام قليلة من المصادقة على دستور الفاتح من يوليوز، ورغم محاولات المنع التي تعرض لها الجمع العام التأسيسي للنادي انتصرت إرادة القضاة، وتم تأسيس النادي في الهواء الطلق، ليولد مع نسمات يوم رمضاني صيفي لا ينسى.
واختار نادي قضاة المغرب في طريقة عمله منهجية جديدة قائمة على تشخيص الوضع القضائي والتواصل قبل صياغة ملف مطلبي شامل وتقديمه للجهات المختصة والتفاوض من أجل تنزيله، من خلال الإعلان عن عدة مبادرات غير مألوفة مثل تقديم وثيقة المطالبة باستقلال النيابة العامة عن وزارة العدل، وتقديم وثيقة أخرى للمطالبة بالاستقلال الفعلي والحقيقي للسلطة القضائية، إلى جانب الإعلان عن مبادرة للمطالبة بتخفيف العمل القضائي وعبء التحرير، دون أن ننسى وثيقة المطالبة بالتحصين الاقتصادي، ودق ناقوس الخطر حول تدهور خدمات الحماية الصحية والاجتماعية للقضاة.
في الذكرى العاشرة لتأسيس النادي، يمكن أن نتساءل حول المكتسبات التي تحققت والنقائص التي ما تزال موجودة والتي تستدعي استمرار الجهود لتحقيقها.

أولا-تذكير بالملف المطلبي للقضاة
تعد توصيات الدورة الأولى للمجلس الوطني للنادي المنعقدة يومي 26 و27 نونبر 2011 بالمعهد العالي للقضاء، أهم وثيقة حديثة منشورة تتطرق للملف المطلبي للقضاة، إذ حددت الخطوط العريضة للإصلاحات المنشودة، والتي يمكن إجمالها فيما يلي:
> تحسين الوضعية المادية والاجتماعية للقضاة:
اعتبر النادي أن تحسين الوضعية المادية للقضاة يبقى مدخلا مهما لإصلاح القضاء، لذا اقترح أن تشمل الزيادات المرتقبة في أجور القضاة كافة درجاتهم دون استثناء الملحقين القضائيين ولا حتى قضاة الدرجة الاستثنائية أو القضاة من خارج الدرجة، على أساس أن يتم احتساب هذه الزيادات بأثر رجعي انطلاقا من تاريخ الخطاب الملكي بتاريخ 20 غشت 2008. كما اقترح وفي نفس السياق تقرير تعويضات عن تحمل المسؤولية وعن المهام والأعمال الإضافية إلى جانب تعويضات مادية تكميلية للقضاة المعينين حديثا لمواجهة التكاليف الأولية للتعيين،مع منح تعويض ملائم للعمل في المناطق النائية،إلى جانب منح أجرة الشهر الثالث عشر والرابع عشر معفاة من الضرائب في إطار التحفيز…،وغني عن البيان، أن هذا المطلب تؤكده عدد من المعايير الدولية ذات الصلة وفي مقدمتها المادة 21 من إعلان موريال المؤرخ بـ 10 يونيو 1983 حول استقلال العدالة، والتي نصت على ما يلي: “تكون رواتب القضاة ومعاشاتهم ملائمة ومناسبة لمركزهم وكرامة ومسؤولية منصبهم”.
> تقوية مؤسسة المجلس الأعلى للسلطة القضائية وتمكينها من ممارسة الصلاحيات المخولة لها بمقتضى الدستور:
اقترح النادي:
> مراجعة طريقة الانتخابات بما يضمن شفافيتها،
> عدم اشتراط أية أقدمية للترشح لعضوية المجلس،
> توفير الدعم اللوجيستيكي والمالي للحملة الانتخابية للمرشحين من مالية الدولة وتمكين الأعضاء المرشحين من تقديم برامجهم الانتخابية عبر وسائل الاعلام المختلفة؛
> إقرار مبدأ التفرغ لأعضاء المجلس؛
> أن تكون هيئة التفتيش القضائي كهيأة مستقلة ينتخب أعضاؤها من طرف القضاة لمدة معينة للعمل بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية إضافة الى هيئة المقررين الموكولة لهم مهام التقرير في المساطر التأديبية باستقلال عن هيئة التفتيش.
من جهة أخرى، طالب النادي بضرورة إشراف المجلس الأعلى للسلطة القضائية على الحياة المهنية للقاضي ابتداء من الإعلان عن مباراة الالتحاق بسلك القضاء إلى غاية التقاعد، ومراجعة ضوابط وشكليات التعيين بما يضمن تكافؤ الفرص، ومراعاة الوضعية الاجتماعية للقضاة، وإلغاء العمل بالتكليف والتمديد لما نتج عنهما من الإخلال بمبدأ تكافؤ الفرص .
وأكد على ضرورة وضع ضوابط شفافة للمسطرة التأديبية تراعي شروط المحاكمة العادلة من خلال ضمان حق الدفاع، حق الاطلاع على التقارير وكل الوثائق وأخذ نسخ منها، حق الطعن …) كما أكد على ضرورة تفعيل حصانة القضاة من التنقيل المكرسة دستوريا من خلال إلزامية تقيد المجلس بالمحاكم المطلوبة في طلبات الإنتقال مع ضرورة بلورة تفسير واضح وبين لمصطلح” المصلحة القضائية”.
وبخصوص الإدارة القضائية، اقترح النادي وضع معايير موضوعية تحدد الشروط التي يجب أن تتوفر في القضاة المرشحين للمسؤولية وأن يتم الإعلان من قبل المجلس عن المناصب الشاغرة وإحداث معهد عالي للإدارة القضائية مع تحديد مدة المسؤولية في أربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، على أن ينقل المسؤول الذي يرغب في الاستمرار في مسؤوليته لمدة أكبر لدائرة استينافية أخرى.
> تحسين ظروف العمل بالمحاكم والرفع من مستوى النجاعة القضائية:
وضع نادي قضاة المغرب تصورا واضحا بخصوص ما يتعين توفيره في هذا الجانب، وذلك من خلال العناصر التالية:
> إعادة النظر في الخريطة القضائية وتوزيع القضاة على المحاكم حسب الحاجيات ووفق إحصائيات علمية مضبوطة.
> إسناد التدبير المالي للمحاكم للمسؤولين القضائيين.
> توفير جميع التجهيزات والوسائل اللوجيستية والموارد البشرية الكافية داخل المحكمة.
> تحديد معايير معينة لفتح المراكز أو إغلاقها مع ضرورة فصل بناياتها عن بنايات الإدارة المحلية.
أما بخصوص آليات الرفع من النجاعة القضائية، فقد اقترح النادي ضرورة إعادة النظر في اختصاصات وكيفية اشتغال الجمعية العمومية بشكل يضمن فعاليتها.
في نفس السياق، أطلق نادي القضاة مبادرة تروم تخفيف عبء العمل القضائي على القضاة للتفرغ للقيام بمهامهم المتمثلة أساسا في البت في الخصومات والبحث والاجتهاد في النوازل وصياغة الحيثيات وأسباب الأحكام، حيث دعا إلى ضرورة الاستعانة بما توفره تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من حلول مبتكرة قصد تسهيل الحق في الولوج إلى العدالة واحترام الأجل المعقول في صدور الأحكام، والتغلب على عبء التحرير وهي توصية تلتقي مع ما دعت إليه مؤخرا المقررة المعنية باستقلال القضاء.
من جهة أخرى، طالب النادي بإعادة النظر في نظام التكوين الأساسي والمستمر للقضاة ومعادلة شهادة نهاية التدريب بالمعهد العالي للقضاء مع شهادة الماستر وجعل التكوين المستمر جهويا مع اقتراح إمكانية التكوين عن بعد نظرا للإمكانيات الهامة التي تتيحها هذه التقنية وبأقل تكلفة.
> إصلاح القضاء يمر عبر الانفتاح على كافة مكونات المجتمع والانخراط الفعلي في مسلسل التخليق
وضع نادي قضاة المغرب برنامجا وطنيا لتخليق منظومة العدالة، كما قام بعدة خطوات مهمة في دعم التشبيك مع منظمات المجتمع المدني عموما والجمعيات المهنية القضائية على وجه الخصوص وهو ما تبلور في عدة فضاءات مشتركة من قبيل النسيج المدني وائتلاف الجمعيات المهنية القضائية.

ثانيا-الملف المطلبي لنادي قضاة المغرب بعد عشر سنوات أوراش تستدعي مواصلة العمل
بمراجعة مضامين الملف المطلبي للنادي، يتبين أن كثيرا من المطالب تم الاستجابة إليها وهو ما ترجم في شكل قوانين صدرت على رأسها النظام الأساسي للقضاة وقانون المجلس الأعلى للسلطة القضائية وقانون التفتيش القضائي، حيث تحققت عدة مكتسبات على مستوى إقرار الاستقلال الفردي والمؤسساتي للقضاة، لكن وبالرغم من هذه الإنجازات تبقى عدة أوراش أخرى تستدعي استمرار الترافع من اجل تحقيقها، من قبيل ما يلي:
> مراجعة القانون المنظم للمعهد العالي للقضاء، بضمان إشراف المجلس الأعلى للسلطة القضائية على الولوج إلى المهنة وعلى التكوين والتكوين المستمر ومعادلة شهادة نهاية التدريب مع شهادة الماستر؛
> مراجعة منظومة أجور القضاة من خلال إقرار مبدأ المراجعة الدورية لهذه الأجورويجد هذا المطلب سنده فيما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 21 من إعلان موريال التي جاء بها: “تعاد تسوية رواتب ومعاشات القضاة نظاميا بشكل يجعلها مواكبة تماما لارتفاع معدل الأسعار”، كما نص البند 18-ب من إعلان “سينغفي” على أنه: “يجب أن تكون رواتب القضاة ومعاشاتهم التقاعدية كافية ومتناسبة مع المركز الوظيفي والكرامة ومسؤوليات المنصب القضائي، على أن تخضع للمراجعة بصفة دورية لمواجهة أثر التضخم المالي أو التقليل من آثاره”.
> مراجعة المرسوم المتعلق بالتعويضات من اجل ملاءمته مع واقع العمل القضائي، من خلال إقرار تعويضات منصفة للقضاة المكلفين بمهام، وللأعمال الإضافية التي يقوم بها القضاة، بما في ذلك إقرار التعويض عن الشهر الثالث عشر والرابع عشر؛
> تتبع أشغال المجلس الأعلى للسلطة القضائية انطلاقا من دور الجمعيات المهنية المكفول دستوريا وبموجب المعايير الدولية، من خلال الإلحاح على ضرورة احترام حصانة القضاة ضد النقل بدون طلب، والتفسير الضيق والواضح لمفهوم المصلحة القضائية واعتماد مفهوم مرن لتطبيق القانون بحيث تعطى الأولوية لروح النص عوض التفسير الحرفي للنص على سبيل المثال عند معالجة طلبات التبادل والتي تستوجب مراعاة التخصص؛ وتمتيع القضاة بضمانات المحاكمة العادلة والتي تبدأ مند لحظة المثول أمام جهاز المفتشية العامة بما في ذلك الحق في المؤازرة والاطلاع على أي وشاية أو نظرية سلبية واردة في ملف القاضي ومنحه فرصة الدفاع عن نفسه، بما في ذلك المطالبة بإعداد تقارير وأبحاث إضافية؛
> إعادة فتح ورش التغطية الصحية للقضاة وعائلاتهم ونطاق الخدمات التي تقدمها مؤسسة الأعمال الاجتماعية والتي يؤكد الواقع أنها أصبحت غير كافية وغير مناسبة.
> الاهتمام بالتواصل مع القضاة للإنصات إلى مطالبهم.
وأخيرا فان تنزيل الملف المطلبي للقضاة هو مسار متواصل يستدعي بالضرورة تضافر جهود كل الفاعلين والمتدخلين بمن فيهم القضاة أنفسهم باعتبارهم شريكا أساسية في أي إصلاح مرتقب.

بقلم: ذ.عبد اللطيف طهار

عضو مؤسس لنادي قضاة المغرب

Related posts

Top