دفعت الأخطار الطبيعية دولا عديدة نحو تبني برامج تنموية طموحة، من خلال ضخ حزم استثمارية لتقوية البنية التحتية والحفاظ على جاذبيتها الاستثمارية.
وشهد عدد كبير من دول المنطقة أخطارا طبيعية بشكل غير مسبوق بسبب تغير المناخ، ما يحتاج إلى بنى تحتية تناسب التقلبات التي تباغت دول المنطقة.
ورصدت مؤشرات تقرير الكوارث الطبيعية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأعده البنك الدولي، أن الكوارث الطبيعية تضاعفت ثلاث مرات في دول المنطقة خلال الثلاثة عقود الماضية، مقارنة بنحو مرتين فقط عالميا، الأمر الذي دفع الدول لوضع الاستثمار في البنية الأساسية في مقدمة الأولويات.
ورغم الفورة الاستثمارية التي هبت الدول لتدشينها، إلا أن التحديات الطبيعية لا تزال قائمة، لكنها تختلف من بلد لآخر وفق الإجراءات التي تعزز درجة استعداده.
وتختلف التحديات من بلد عربي لآخر، حيث تتنوع بين شح المياه وزيادة التغيرات المناخية والنمو السريع في عدد السكان وتركزهم في المناطق الحضرية، لاسيما في تجمعات سكنية غير آمنة وعشوائية.
ويشكل سكان الحضر 62 في المئة من مجموع عدد سكان المنطقة العربية، فيما يتوقع تضاعف هذا العدد بحلول عام 2040، وتسبب هذا الخلل في زيادة غضب الطبيعة، فنحو ثلاثة في المئة من مساحة المنطقة يقطنها 92 في المئة من السكان.
ويواجه المواطنون في مناطق عدة فيضانات بشكل دوري في ظل بنية حمائية محدودة، وأنظمة غير ملائمة لصرف المياه على مستوى المدن، وإجراءات ضعيفة لتخفيف وطأة الفيضانات على الناس.
ورغم هذه العقبات، هناك دول في المنطقة أحرزت تقدما في مجال إدارة مخاطر الكوارث والتحول من الإجراءات القائمة على رد الفعل إلى التدابير الاستباقية لدرء آثار الكوارث.
وسبقت دول الإمارات والسعودية والكويت غيرها في تعزيز استثماراتها في البنى الأساسية مبكرا.
وتحسن فهم الحكومات العربية لما تواجهه بلدانها من مخاطر، وتبنت برامج لتنمية الوعي بين مواطنيها بتلك الإشكالية، وظهرت مساع عديدة لإنشاء مؤسسات مخصصة لإدارة مخاطر الكوارث واستثمارها في برامج تتضمن أنظمة الإنذار المبكر وعمليات تقييم للمخاطر على مستوى المدن والبلد ككل.
ورغم وجود قوة دافعة للاهتمام بإدارة مخاطر الكوارث في المنطقة، غير أن الأساليب المتكاملة اللازمة للتعامل مع الكوارث بحاجة لمزيد من التطوير.
وخصصت دول عربية مختلفة أموالا طائلة لدعم مشاريع البنية التحتية بعد أن كشفت مواسم الأمطار في السنوات الأخيرة عدم القدرة على مواجهة تبعات التغير المناخي الذي ظهر في تأثر عدد من المدن العربية.
وضربت عاصفة التنين مؤخرا حيّا من أرقى أحياء القاهرة، وتسببت في غرق المساكن الفارهة في منطقة التجمع الخامس، عقب هطول أكثر من نصف مليار قدم مكعب من الأمطار خلال يومين، وهي تعادل واحدا في المئة من حصتها من مياه النيل.
وأعلن رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي عن حاجة البلاد لاستثمارات تتراوح بين 13 مليار دولار و19 مليار دولار لتهيئة البنية الأساسية للبلاد لمواجهة العواصف، والتي تعد أول اختبار قوى لمرافق البلاد.
وقال فتح الله فوزي رئيس لجنة التشييد والبناء بجمعية رجال الأعمال المصريين، إن الاستثمار في البنية الأساسية هو اللبنة الأولى للتنمية.
وأضاف أن المنطقة العربية حاليا تشهد فورة غير مسبوقة في هذا القطاع، وتتبنى برامج إصلاحية لتعزيز معدلات نمو اقتصادها وزيادة رفاهية الشعوب خلال العقد المقبل.
وخصصت منطقة الخليج العربي وحدها 715 مليار دولار لمشاريع البناء ووسائل النقل الجديدة، بخلاف تخصيص حزمة أخرى قيمتها 393 مليار دولار، جميعها بدأت، أو لا تزال في مرحلة وضع التصميم.
وتستهدف عددا من المشروعات الإضافية بقيمة 322 مليار دولار في مرحلة ما قبل التنفيذ بعد الموافقة على دراسات الجدوى الخاصة بها.
وبلغ إجمالي قيمة العقود الخاصة بمشاريع البناء والنقل في دول مجلس التعاون الخليجي وحدها نحو 63 مليار دولار.
وأكد هشام كمال، رئيس جمعية مستثمري الألف مصنع في القاهرة الجديدة، أن توجيه البلدان العربية نحو تخصيص حزم مالية لتعزيز البنية التحتية، خطوة هامة لتفادي أثر الأخطار الطبيعية، والمتوقع أن تتوحش السنوات المقبلة، لأن البنية التحتية ركيزة أساسية لزيادة الاستثمارات المحلية وجذب رؤوس الأموال الأجنبية.
وأوضح أن العديد من الدول العربية أسست بنيتها التحتية دون الأخذ في الحسبان مخاطر السيول، لذلك تسعى لمعالجة الفجوة لمواجهة تحديات المستقبل.
وتطبق بعض الدول العربية استراتيجيات للاستفادة من الكوارث الطبيعية، منها السيول والفيضانات، من خلال تجميع المياه من مخرات السيول والاستفادة منها في ري الحدائق أو إعادة معالجتها واستخدمها بشكل أمثل.
وذهبت بعض الدول إلى تجميع هذه المياه وإضافتها بطريقة رشيدة لمخزون المياه الجوفية في باطن الأرض.
وترصد السعودية خلال العقود الأربعة المقبلة حزمة استثمارية في مشاريع البنية التحتية بتكلفة تصل لنحو 1.1 تريليون دولار.
وأشار خبير الاستثمار ياسر عمارة إلى أن الكوارث الطبيعية جعلت تطوير البنية الأساسية من أهم محددات جذب الاستثمار، خاصة إذا كانت بنية تتميز بإدارة رقمية تتحكم فيها تقنيات إلكترونية تتميز بسرعة حل مواطن الاختناقات.
ولفت إلى أن بعض الدول الخليجية عززت من بنيتها التحتية خلال الفترة الماضية بعد تعرضها لموجات سيول قوية، بينما الدول الفقيرة مثل السودان واليمن، التي تشهد حالة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، تضررت بشدة جراء سيول وفيضانات شردت العديد من الأُسر ودمرت الآلاف من المنازل، بسبب غياب البنية التحتية الجيدة.
ومنح منتدى بناة الطريق الأفريقي الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي جائزة “باباكار ندياي” الرفيعة لبناء الطرق لعام 2020، نتيجة تطوير وبناء المشروعات وتحسين البنية التحتية الأخرى الخاصة بالنقل.
وعبر حزم الإنفاق الرأسمالي في مشروعات البنية التحتية تحصد دول المنطقة عددا من المكاسب، أهمها تدفق حركة الاستثمارات وتعزيز معدلات نموها، ووفرة السلع في الأسواق بأسعار عادلة، وإيجاد فرص عمل للشباب، ما يعزز الرضاء الشعبي والاستقرار السياسي للحكومات.
المناخ يدفع الدول العربية لزيادة الإنفاق على البنية التحتية
الوسوم