“الموسيقى الأندلسية المغربية في تحدي العالمية” شعار تبناه الفنان المغربي محمد العثماني أستاذ التربية الموسيقية ورئيس جوق الموسيقى الأندلسية بالدار البيضاء، وذلك بالاشتغال على عدة مشاريع، منها الكتابة الموسيقية لمختلف نوبات طرب الآلة تعريفا بها للثقافات الأخرى أو التوزيع الأوركسترالي خدمة للتقارب بين شعوب العالم، دون التفريط في أصول وطرق الأداء التقليدية التي تحفظ للمغرب مكانة الأمين على تراث عريق لم تؤثر فيه نوائب الدهر وهجوم الآلات الإلكترونية -رغم أهميتها- على الموسيقات العتيقة.
ذلك أحد أهم الأسباب في اختيار المبدع الكبير نصير شمه لجوق العثماني حتى يمثل المغرب ببرلين في الدورة الخامسة لمهرجان أيام الموسيقى العربية أيام 8-9-10 من الشهر الجاري بمسرح «بيير بولسار» المسرح الألماني الذي جمع ممثلي الدول العربية لتقديم فنها في تبادل إبداعي، سافر بالجمهور الأوروبي نحو عوالم الزمن الجميل والثقافة العربية الأصيلة، فالموسيقى لا تخضع لجغرافيا التقسيم وهي تكتنز كل هذا التاريخ في متنها الحسي.
وقد تنوعت خيارات هذه الأيام العربية وهي تحتفي بالموسيقى في أعمق صورها، عبر أداء مبهر لمجموعات فنية من البلدان العربية التي بقيت على خيارها في التعريف بحضارتها وثقافتها بالموسيقى، عابرة في ذلك الخلاف السياسي والجغرافي.
واليوم تقدَّم هذه المشاركات في أيام الموسيقى العربية بطريقة معاصرة، لكنها لا تغادر صورة الأداء التاريخي، بدءا من العرض الخرافي الذي قدمه الموسيقار نصير شمه مرورا بالغناء الأوبرالي الراقي للفنانة السورية لبانة القنطار القادمة من عمق الشام وبحضور مشرف للفنان اللبناني فادي أبو سعد.
وقد كانت سهرة السفر بين أنغام غرناطة وفاس ممثلة قيادة عازف الكمان المغربي محمد العثماني مع الجوق الذي يحرص أن يحافظ به على الهوية الأندلسية الممثلة بحضور لآلات العود والرباب وغيرهما، مثلما قدم الموسيقى الصوفية التي بقيت أعمق طرق التعبير الروحي عن المناجاة والابتهالات.. الشيء الذي يجعل من هذا الجوق المغربي الأكثر حرصا على الإخلاص لخصوصية الموسيقى المغاربية، ومن أكثر المحافظين على الأندلسيات التي بقي المغرب أميناً عليها، مثلما يجسد جوق العثماني التعريف التاريخي والمعاصر في آن واحد لهذا النمط الأثيل.
كل الجوقات كانت ملهمة ومعبرة عن الفكرة التي تأمل بها أيام الموسيقى العربية على امتداد أماسيها في برلين. مثلما هي فرصة للجمهور المختلف في تنوعه وذائقته وخلفياته الثقافية، لتكوين فكرة جيدة عن الفن العربي، على نفس المستوى من اختبار مشاعر الذائقة السمعية الأوروبية وتفاعلها مع موسيقاه الممثلة بأبرع العازفين المعاصرين الممثلين لخصوصية موسيقى بلدانهم.
ستكون هناك استعادة لدور الموسيقى العربية الذي كانت تستوطن القصور والسرايا في القرون الماضية، قبل أن تنتقل إلى المقاهي والأحياء في الدول العربية، في فلسفة لا تفرق بين الأغنياء والفقراء، كما أن نغماتها لا تتغير أو تصاب بالوهن سواء قُدمت في القصور المدججة بالفخامة أو في المقاهي التي يرتادها عامة الناس.
إن ما قدمه جوق العثماني من صنائع أندلسية وموسيقى صوفية وأنغام من ربرتوار المرحوم عبد الصادق شقارة، اعتبر لدى اللجنة المنظمة وجمهورها دلالة ونهجا للارتقاء بالذائقة السمعية.
استمر العزف والغناء حوالي ساعتين جاب خلالها الجوق مسافات عبرت عن جذور هذه الموسيقى التي تنتمي لبغداد واليمن واصبهان وفروعها التي بلغت الأندلس واستقرت بالمغرب ودول الجوار.
والمغرب اليوم باهتمامه بهذا النوع الموسيقي، كأحد عوامل إبداع الإنسان المغربي الذي يبحث دائما عن كل ما يجمع البشرية لكسر الخلافات والفروقات. سيكون قد حافظ على أحد أشكال الموسيقى المصورة للهوية والثقافة العربيتين، فهناك الكثير ما يجمع العرب من شمال أفريقيا حتى الخليج العربي، لكن الموسيقى كانت وستبقى أكثر ما يجمع الشعوب بعضها مع بعض.
وهذه رسالة الفنان محمد العثماني في كل مشاريعه الفنية داخل الوطن أو خارجه.
الموسيقى الأندلسية المغربية في تحدي العالمية
الوسوم