يحتاج جسم الإنسان للنوم، للشعور بالراحة، تحسين التركيز والتحفيز، وتعزيز الإنتاجية، وتختلف عدد ساعات النوم المثالي، إما بزيادتها أو نقصانها، حسب الفئة العمرية، وهو أمر عادي، لكن غير العادي هو النوم المفاجئ، أثناء قضاء الأنشطة اليومية، فبدل أن ينام الشخص البالغ بين 7 إلى 8 ساعات، تزداد عدد ساعات نومه في اليوم الواحد، ما سينعكس سلبا على صحة وسلامة جسمه، وهو ما يسمى بالنوم القهري.
ما هو النوم القهري؟
النوم القهري، داء التغفيق أو الخدار، هو حالة دماغية نادرة، تجعل الشخص ينام فجأة في أوقات غير مناسبة، تحدث نتيجة وجود خلل في المخ، ويكون فيها هذا الأخير غير قادر على تنظيم أنماط النوم والاستيقاظ بشكل طبيعي. يمكن لمرض النوم القهري أن يصيب كلا الجنسين، وتكمن خطورته في احتمالية تعرض المريض لمواقف محرجة أو خطرة، من الممكن أن تكون مهددة لحياته.
أسباب الإصابة بالمرض
يعد سبب الإصابة بمرض النوم القهري، مجهولاً وغير واضح إلى حد ما، لكن أثبتت الأبحاث أن الإصابة ناجمة عن نقص مادة في الجهاز العصبي تدعى “هيبوكريتين”، هو موصل عصبي كيميائي مهم في الدماغ، يساعد على ضبط الاستيقاظ ونوم حركة العين السريعة، ويمكن أن يكون السبب الرئيسي لفقدان الخلايا المنتجة للهيبوكريتين في الدماغ بسبب مهاجمة الجهاز المناعي للخلايا المنتجة أو المستقبلة للهيبوكريتين، إضافة إلى التغيرات الهرمونية، والتي يمكن أن تحدث أثناء البلوغ، انقطاع الطمث، أو بسبب الضغوط النفسية، كما أفضت الأبحاث إلى وجود علاقة محتملة بين مرض النوم القهري والإصابة بفيروس “أنفلونزا الخنازير”، أو اللقاح المستخدم ضده، زد على ذلك احتمالية حدوث إصابة في الرأس، أو سكتة دماغية.
علامات وأعراض الإصابة
من العلامات البارزة التي تؤكد الإصابة بالمرض:
– نوبات نوم مفاجئة، فيمكن للأشخاص المصابين بالمرض أن يناموا في أي وقت ومكان، فمثلا يمكن للمريض وهو يتحدث لأصدقائه، أن ينام فجأة لبعض دقائق، وقد تطول لأكثر، والأخطر من ذلك النوم أثناء قيادة السيارة.
– الجمود (نوبة خمود)، وهو ضعف وفقدان التحكم في العضلات، وتحدث هذه النوبات عند الإثارة، أو الضحك، أو الغضب، أو المفاجأة.
– إضافة إلى شلل النوم، أو العجز المؤقت عن الحركة والكلام أثناء الاستيقاظ، أو خلال النوم.
هذه النوبات عادةً ما تستمر لبضع ثوانٍ أو بضع دقائق، ومن الإعراض الأخرى مثلا كثرة الأحلام، والاستيقاظ في الليل، الهلوسة، صداع والاكتئاب.
في حوار مع الطبيب والباحث في العلوم العصبية والسلوك البيولوجي وجراحة الدماغ الوظيفي، ياسين يشو، أفاد بأن اكتشاف الضوء، سبب في عدم قدرة العقل على التمييز بين الليل والنهار، وبالتالي أصبح عقل الإنسان يعتمد على أشياء أخرى لإنتاج هرمون ميلاتونين، هذا الأخير مسؤول على دورة النمو، وأكثر من ذلك، تحديد أي نوع من النوم، والذي ينقسم إلى المرحلة الأولى والثانية، يكون فيها النوم خلالهما خفيفا ويبدأن مع بداية النوم، بعد ذلك تبدأ المرحلة الثالثة والرابعة، أو ما يعرف بالنوم العميق، وهاتان المرحلتان مهمتان لاستعادة الجسم نشاطه.
وأشار الطبيب في حديثه إلى المسؤول عن دورة الحياة، هو التوازن بين “الميلاتونين”، أي هرمون النوم، وبين الهرمونات الأخرى التي تساعد الإنسان على الاستيقاظ، وبالتالي فان إفراز هذا الهرمون، مرهون بعدة عوامل خارجية، كالمحفزات المرئية والحسية والسمعية مثل الضوء والضوضاء، إضافة إلى عوامل داخلية، المرتبطة أساسا بنسبة هرمون التوتر، مثل “كورتيزون” و”الأدرينالين”.
وفي سؤال علاقة السن بالإصابة، نفى الدكتور ياسين يشو، ارتباط الإصابة بمرض داء التغفيق، بسن المريض، نظرا لأن المرض وراثي، وفي خضم إجابته على السؤال أشار في حديثه إلى أن الأمراض المرتبطة إصابتها بالسن، هي أمراض الشيخوخة، الناجمة عن موت بعض الخلايا بشكل تدريجي، فأعراض الإصابة بالمرض يمكن أن تظهر لكبار السن، مثل ما يمكن أن تظهر للشباب أو الأطفال.
وأجاب الطبيب عن سؤال المدة الزمنية التي يمكن أن ينام فيها المريض فجأة، بأنها مرتبطة أساسا بحد المرض عند كل مريض، فكل ما كانت حدة المرض كبيرة، بالتالي درجة الخطورة أكبر، كلما كان إفراز هرمون الميلاتونين أكبر، ما سيتمخض عنه مدة نوم أكبر.
وفي نهاية الحوار، قال الباحث في العلوم العصبية، ياسين يشو أنه لا يوجد علاج نهائي للمرض، واصفا إياه بأنه علاج معقد، لكنه قد وصف بعض الأدوية التي تساعد تعطيل الخلايا المسؤولة عن إفراز هرمون “الميلاتونين” الذي يؤدي دورا في عملية النوم، كما نصح بتناول الأدوية المنشطة التي تساعد على البقاء مستيقظا أثناء النهار، مع ضرورة ممارسة التمارين الرياضية بانتظام كل يوم؛ حيث تساعد على النوم ليلاً، مع الحرص على ممارستها قبل النوم بساعات عدة. وحث على ضرورة جعل غرفة النوم مظلمة وفي درجة حرارة مريحة، وأكد الطبيب في نهاية الحوار على ضرورة تتبع نصائح الطبيب.
وفي حوار آخر مع جريدة بيان اليوم، تحدث محمد، البالغ من العمر 60 سنة، عن معاناته مع مرض النوم القهري، مشيرا إلى أنه مصاب بالمرض قرابة 20 سنة. وتحدث محمد في سؤال إمكانية انتقال المرض إليه من أفراد عائلته، أجاب بأن والده كانت تظهر عليه أعراض المرض، لكنه لم يولي أي اهتمام له، باعتقاده أن هذا النعاس المفاجئ ناجم عن التعب ولإرهاق.
وأشار محمد إلى هذا النوم المفاجئ يشعر بيه، في المساء، مبررا ذلك بأنه طيلة النهار يكون منهمكا في قضاء نشاطاته اليومية، وأضاف المريض بأنه إصابته بهذا المرض، سببت له مخاطر عدة.
أميمة حدري (صحافية متدربة)