الوحدة تدمر صحة الرجال وتعرضهم لخطر الموت المبكر

أظهرت دراسة حديثة نشرتها مجلة “علم الأوبئة وصحة المجتمع”، أن الرجال الذين يعيشون بمفردهم لفترة تتعدى سبع سنوات، يكونون أكثر عرضة للإصابة بالتهاب ضار بالصحة. 
وأجريت هذه الدراسة على أكثر من 4800 رجل وامرأة تتراوح أعمارهم بين 48 و62 عاما. 
وكشف المشاركون في إطار هذه الدراسة عن عدد السنوات التي أمضوها في العيش بمفردهم عقب الانفصال ما بين عام 1986 و2011، وعدد الزيجات التي انتهت بالطلاق وحالات الانفصال التي مروا بها. 
وتم مقارنة نتائج الدراسة مع وضعية الرجال الذين استطاعوا الحفاظ على زواجهم، أو استمروا في علاقة واحدة طيلة 26 عاما.
وتوصلت الدراسة إلى أن الرجال الذين ترملوا في تلك الفترة أو يعيشون وحيدين، غالبا ما يتبعون أسلوب حياة غير صحي، وكان مستوى مادتي الإنترلوكين 6 والبروتين المتفاعل سي في الدم مرتفعا لديهم بنسبة 17 بالمئة، وهو ما يشير إلى حدوث التهاب. وبشكل عام، يعتبر ارتفاع هاتين المادتين الكيميائيتين استجابة بيولوجية للإجهاد.
كما أظهرت الدراسة أن هذه المواد ارتفعت بنسبة 12 بالمئة لدى الرجال الذين قضوا سبع سنوات أو أكثر في العيش بمفردهم عقب الانفصال، مقارنة بأولئك الذين عاشوا بمفردهم لمدة لا تزيد عن عام واحد. 
تأثر الرجال أكثر من النساء

وبحسب البروفيسور ريكي لوند، كبير مؤلفي الدراسة من جامعة كوبنهاغن، فإن الرجال أكثر اعتمادا على شريكاتهم، لذلك هم أكثر عرضة لمخاطر الوحدة مقارنة بالنساء.
وأضاف البروفيسور أن الرجال الذين ينتمون إلى هذه الشريحة العمرية التي شملتها الدراسة، يكون لديهم شبكة علاقات اجتماعية أصغر مقارنة بالنساء، لذلك يكونون أكثر عرضة للشعور بالوحدة.
وأوضح البروفيسور أن الرجال الذين يعيشون بمفردهم لا يعتنون بأنفسهم جيدا، ويكونون أقل من النساء إقبالا على استشارة الطبيب عند التعرض لمشاكل صحية، ما يفسر زيادة خطر الإصابة بالالتهابات والأمراض.
بالمقابل، لاحظ الباحثون في هذه الدراسة، أن مستويات الالتهاب لم تشهد تغيرا ملحوظا لدى النساء اللواتي واجهن انهيار العلاقات والطلاق، وقضين وقتا طويلا في العيش بمفردهن.
وقد لوحظ الارتباط بين الانفصال والعيش وحيدا والالتهاب عند الرجال حتى عند مراعاة العوامل الأخرى التي تؤثر على الصحة، بما في ذلك انخفاض مستوى التعليم والسمنة والأدوية والأمراض الموجودة.
وقد يكون لدى الرجال من الناحية البيولوجية التهاب أكبر في رد الفعل تجاه الإجهاد مقارنة بالنساء، لكن مؤلفي الدراسة يقولون أيضا إنهم أكثر عرضة للتوتر من خلال سلوكيات مثل الإفراط في تناول الكحوليات، والتي يمكن أن تسبب الالتهاب، بينما «تستوعب» النساء مشاعرهن السلبية، مما يؤدي إلى احتمال أن تكون أقل ضررا على صحتهن.
وقد يرجع الأمر أيضا إلى حقيقة أن النساء في منتصف العمر يكون لديهن عدد أكبر من الأصدقاء، وعليه يتمتعن أكثر بالدعم العاطفي، وبذلك لا يكون للوحدة تأثير على صحتهن.
الوحدة تضاعف خطر الوفاة المبكرة

وكانت دراسة سابقة قد توصلت إلى أن الوحدة قد تضاعف من خطر الوفاة بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية.
ووفقا للدراسة التي تم عرض نتائجها في هو المؤتمر السنوي للجمعية الأوروبية لأمراض القلب المنظم في سنة 2018 بمدينة دبلن الايرلندية، فإن الشعور بالوحدة هو مؤشر قوي على حدوث الموت المبكر.
ووجد فريق البحث الدنماركي المسؤول عن الدراسة، أن الوحدة مرتبطة بمضاعفة خطر الوفاة عند النساء والرجال.
وقالت الكاتبة الرئيسية للبحث، “آن فينغجارد كريستنسن”، طالبة دكتوراه في مستشفى جامعة كوبنهاغن في الدنمارك: “إن الشعور بالوحدة أصبح شائعا جدا أكثر من أي وقت مضى، والعديد من الأفراد يعيشون بمفردهم”.
وتابعت: “أظهرت الأبحاث السابقة أن الوحدة والعزلة الاجتماعية ترتبطان بمرض القلب التاجي والسكتة الدماغية، ولكن هذا الأمر لم يتم التحقق عنه في المرضى الذين يعانون من أنواع مختلفة من أمراض القلب والأوعية الدموية”.
وكشفت الدراسة أيضا عن أن الأشخاص الذين يشعرون بالوحدة معرضون لأعراض القلق والاكتئاب أكثر بثلاثة أضعاف من الأشخاص النشيطين اجتماعيا، وهذا ينطبق على كل من الرجال والنساء، ونجد أن نوعية حياة هؤلاء الأشخاص ليست بجيدة بشكل عام، بحسب الدراسة.
وتضمنت الدراسة بيانات أخذت من 13463 مريضا يعانون إما من مرض نقص تروية القلب أو عدم انتظام ضربات القلب -عدم انتظام ضربات القلب بشكل غير طبيعي- أو قصور القلب أو مرض صمام القلب.
وتم تصنيف شبكتهم الاجتماعية من خلال ربط بياناتهم من السجلات الوطنية، وتم إعطاء استبيان لجميع المرضى الذين تم جمعهم من خمسة مراكز للقلب في الدنمارك بين أبريل 2013 وأبريل 2014.
وطُلب في الاستبيان من المرضى الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بصحتهم الجسدية والعقلية، بالإضافة إلى تحديد مستويات الدعم الاجتماعي.
وتم فحص مقاييس الشعور بالوحدة عبر سؤالين: “هل لديك شخص لتتحدث معه عندما تحتاج إليه؟” و”هل تشعر أنك وحيد في بعض الأحيان رغم أنك تكون مع شخص ما؟”.
وأشارت الباحثة “آن فينغجارد كريستنسن” إلى أنه من الضروري جمع البيانات عن المرضى الذين يعيشون بمفردهم، والذين يعيشون مع أشخاص آخرين، وذلك لأن العيش بمفردهم قد لا يؤدي بهم دائما للشعور بالوحدة، ولا يعني أن العيش مع الآخرين يحمي الشخص بالضرورة من العزلة الاجتماعية.
وقالت: “إن الشعور بالوحدة هو مؤشر قوي على الوفاة المبكرة، وتراجع الصحة العقلية، ونوعية حياة أقل لدى مرضى القلب والأوعية الدموية، ومؤشر أقوى بكثير على العيش وحيدا، في كل من الرجال والنساء”.
وختمت حديثها بالقول: “نحن نعيش في وقت أصبحت فيه الوحدة أمرا شائعا، ويجب على مقدمي الرعاية الصحية أخذ ذلك في الحسبان عند تقييم المخاطر، حيث توضح دراستنا أن طرح سؤالين حول الدعم الاجتماعي يوفر الكثير من المعلومات حول احتمال وجود نتائج صحية سيئة”.
الشعور بالوحدة مؤشر للإصابة بالزهايمر

وكشفت دراسة ثالثة أن الشعور بالوحدة لدى الأشخاص المسنين قد يكون مقدمة لإصابة وشيكة بمرض الزهايمر.
وقالت الدراسة التي نشرتها مجلة “JAMA Psychiatry”، إن المسنين الأصحاء الذين لديهم مستويات مرتفعة من مادة الأميلويد (amyloid) في الدماغ، وهو نوع من أجزاء بروتينية مرتبطة بمرض الزهايمر، من المرجح أن يشعروا بالوحدة مقارنة بمن يتوفرون على نسبة منخفضة من المادة.
وكانت دراسات سابقة أشارت إلى أن الخرف لا يصيب الأشخاص النشيطين اجتماعيا، لكن الباحثين توصلوا إلى أن المراحل الأولى من مرض الزهايمر هي من تجعل الأشخاص يميلون للشعور بالوحدة وينعزلون اجتماعيا.
وكشفت الدراسة أن تراكم الأميلويد في الدماغ يسبب مشاكل في الإدراك والفهم والتفاعل مع المؤثرات الاجتماعية، ما يجعل تشخيص مرض الزهايمر مبكرا ممكنا عن طريق الالتفات بشكل أدق للصحة النفسية لكبار السن.
واعتمد الباحثون في الدراسة على عينة من 43 امرأة و36 رجلا، متوسط أعمارهم 76 عاما، وكانوا جميعا بصحة جيدة، ولم يكن لديهم علامات لمرض الزهايمر أو الخرف.
وأخضع الباحثون الرجال والنساء لاختبارات نفسية معيارية لقياس درجة شعور كل فرد بالوحدة، وتم التصوير بالأشعة للكشف عن كمية بروتين الأميلويد في أدمغتهم. وركز الباحثون بشكل خاص على مستويات الأميلويد في قشرة الدماغ.

Related posts

Top