انتظارات رمضان

ليست الظرفية المناخية الحارة وحدها ما يميز شهر رمضان الكريم لهذه السنة، ولا الأوضاع الاجتماعية لفئات واسعة من شعبنا فقط، وإنما هناك أجواء التوتر السياسي والتجاذبات الكلامية بين فرقاء حزبيين، وداخل المؤسسة البرلمانية وحواليها، وهذا سيجعل الشهر الفضيل هذا العام شهر السياسة بامتياز، خصوصا إذا أضفنا ما تحمله وسائل الإعلام من جغرافيات عربية مختلفة، وأساسا من مصر وسوريا وغيرهما.
في بلادنا، بقدر ما يتطلع المغاربة إلى أن تساهم حرمة الصيام والشهر الكريم في لجم أفواه بعض القادة السياسيين عن التقيؤ في كل لحظة وحين بالساقط من الكلام في حق قوى وفاعلين منافسين، وبالتالي إنقاذنا من متابعة كل هذه العبثيات التي سادتنا طيلة شهور، فهم أيضا يتمنون صادقين أن يكون رمضان فرصة لهؤلاء السياسيين كي يستدعوا عقلهم، ويستحضروا حاجة البلاد ومستقبلها إلى الالتحام والتعبئة من أجل رفع الجمود عنها، والانكباب الفوري على الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
كل هؤلاء السياسيين يحرصون خلال الشهر الفضيل على إبراز طبائعهم الإيمانية، ولهذا فالاحتساب إلى الله يجب أن يكون أيضا من خلال التجرد من الحسابات الذاتية والأنانية الحزبية، واستحضار مصلحة البلاد أولا وقبل كل شيء.
لا يتمنى المغاربة حقا أن يتابعوا مسلسل تبادل الشتائم وأرذل الكلام خلال رمضان بين بعض سياسيينا، فحتى إن لم يستطيعوا تحكيم عقولهم وانتهاز فرصة الأجواء الروحية والإيمانية لإيجاد الحلول لمشاكل البلاد، فعلى الأقل ليلتزموا بنوع من (الراحة البيولوجية) في اقتراف فواحش الكلام والسلوك تقربا إلى الله، ورحمة ببلادنا وشعبنا.
هل ينجح إذن سياسيونا في هذا التمرين على تهذيب النفوس وترويض اللسان على الابتعاد عن أرذل الكلام؟
من جهة أخرى، إن أوضاع عديد أسر فقيرة ومتوسطة لم تعد تحتمل مضاربات السماسرة والتجار خلال أيام رمضان، أو الإقدام على الزيادة في أسعار المواد الغذائية، ولهذا، فان واجب السلطات المختصة، مركزيا ومحليا، هو أن ترفع هذه السنة من منسوب انتباهها ويقظتها لمراقبة الأسواق وسيرها العام، تموينا ومن حيث توفير العرض الكافي، وأيضا من حيث استقرار الأسعار.
هما إذن مطلبان شعبيان ملحان في رمضاننا هذا، أي أن يكف بعض سياسيينا عن خبيث الكلام وأرذله، وعن جر البلاد إلى المنغلق، ثم محاربة غلاء الأسعار والمضاربات في الأسواق، وان النجاح في هاتين المهمتين من شأنه أن يساعد المواطنات والمواطنين على  أن يعيشوا رمضانهم في هدوء واستقرار، ولو نسبيا بالنظر للمشاكل الأخرى المحيطة بهم مع المصاريف وشح الموارد وحرارة الجو.
والتطلع الأكبر لشعبنا، هو أن يكون رمضان مناسبة كي يعلن المسؤولون عن تفعيل مبادرات كبرى وبرامج من شأنها استعادة ثقة الناس في المستقبل، أي انجاز الإصلاحات الكبرى بشكل ملموس في التشغيل والسكن والصحة والتعليم وغيرها.
رمضان كريم.

Top