انطلاق أشغال المناظرة الوطنية حول “حماية الأطفال في تماس مع القانون” بالصخيرات

أكد الرئيس الأول لمحكمة النقض، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، محمد عبد النباوي، أول أمس الإثنين بالصخيرات، حرص السلطة القضائية على اتخاذ كل المبادرات الكفيلة بالارتقاء بنجاعة منظومة العدالة في سبيل حماية حقوق الطفل.
وقال عبد النباوي، في كلمة ألقاها بالنيابة عنه الأمين العام للمجلس الأعلى للسلطة القضائية مصطفى الأبزار خلال الجلسة الافتتاحية للمناظرة الوطنية حول “حماية الأطفال في تماس مع القانون، الواقع والآفاق” ، إن “السلطة القضائية، اضطلاعا منها بمهامها الدستورية، وفي إطار تنزيل الأهداف المسطرة في المخطط الاستراتيجي للمجلس 2021-2026، لتحرص أشد الحرص على اتخاذ كل المبادرات الكفيلة بالارتقاء بنجاعة منظومة العدالة في سبيل حماية الحقوق، وعلى رأسها حقوق الطفل”.
 وسجل أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية يسعى باستمرار إلى الرفع من عدد القضاة المختصين بمجال الطفولة والأسرة لمواجهة الأعباء المتزايدة في سبيل تكريس حماية هذه الفئة، مراعيا في ذلك معايير خاصة تقوم على الكفاءة والتخصص لضمان التعامل الإيجابي مع قضايا هذه الفئات الهشة.
 وتابع أن المجلس انخرط في هذا الصدد ، بكل دينامية في البرنامج المتعلق بتعزيز قدرات القضاة في مجال حقوق الإنسان، والذي يتم تنفيذه بشراكة مع رئاسة النيابة العامة. كما أطلق، في إطار الشراكة مع منظمة اليونيسف، وبالتنسيق مع رئاسة النيابة العامة، سلسلة من الدورات التكوينية في موضوع “الحماية الجنائية للأطفال بين الآفاق القانونية والإكراهات البنيوية”، وهو برنامج طموح للتكوين الجهوي التخصصي لقضاة الأحداث، يهدف إلى تعزيز قدراتهم، وتعميق معارفهم في مجال الحماية الدولية الجنائية للأطفال والضمانات المخولة لهم في التشريع المغربي، وذلك سواء تعلق الأمر بأطفال في نزاع مع القانون، أو في وضعية صعبة، أو بصفتهم ضحايا الأفعال الجرمية.
 وشدد عبد النباوي على أن الاهتمام بأوضاع الأطفال وصون حقوقهم، باعتبارهم مستقبل الأمة، يعد بمثابة انخراط في سياسة المغرب في مجال حماية الطفولة، التي رسمها جلالة الملك محمد السادس، الذي ما فتئ يؤكد في خطبه ورسائله السامية على أن الاستثمار في الأطفال، ومن أجل الأطفال، هو استثمار في المستقبل وفي التنمية، والمنطلق الحقيقي لبناء مغرب الغد. وذكر السيد عبد النباوي بالمناسبة ، بكون دستور المملكة ارتقى بحق الطفل في الحماية القانونية والاعتبار الاجتماعي والمعنوي إلى حق دستوري، فضلا عن إقراره مبدأ سمو الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب على التشريعات الوطنية، مع ما يستتبع ذلك من ضرورة ملاءمة هذه التشريعات مع المعايير الدولية.
أما الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة، الحسن الداكي، فأشارإلى أن السياسة الجنائية للمملكة المغربية تولي أهمية بالغة لقضايا الطفولة وتجعلها ضمن أولوياتها الاستراتيجية تكريسا للبعد الحمائي للأطفال بغض النظر عن وضعياتهم.
وأوضح الداكي، خلال الجلسة الافتتاحية لهذه المناظرة الوطنية، أن رئاسة النيابة العامة لم تدخر جهدا، منذ تأسيسها في أكتوبر 2017 كسلطة مستقلة وباعتبارها الجهة القائمة على تنفيذ مضامين السياسة الجنائية الوطنية، في حماية الطفولة من كل المخاطر التي تتهددها، مبرزا أنها جعلت في مقدمة أهدافها تحقيق الحماية القانونية اللازمة للأطفال في سعي دائم لتكريس مفهوم العدالة الصديقة.
 وأضاف أن رئاسة النيابة العامة بادرت،في هذا الإطار، إلى اتخاذ عدة إجراءات على مستوى البناء المؤسساتي وعلى مستوى تنفيذ السياسة الجنائية الخاصة بحماية حقوق الطفل، من أجل ضمان التفعيل السليم للمقتضيات القانونية الحمائية الواردة في التشريع الوطني، وتكريس المعايير الدولية المتعارف عليها في هذا الشأن ، مشيرا إلى أنها خصصت ضمن هياكلها التدبيرية قطبا يختص بتتبع قضايا الأسرة وقضايا الطفولة، لا سيما فيما يتعلق بتعزيز الولوج للحماية القضائية وفق المعايير النموذجية والرصد وتجميع الإحصائيات والمعطيات ذات الصلة.
 وأفاد بأن خلايا التكفل بالأطفال والنساء بمختلف النيابات العامة بمحاكم المملكة، التي تشرف عليها رئاسة النيابة العامة، تعتبر آلية فعالة لتيسير ولوج الأطفال إلى العدالة، وتعكس رقيا في تعاطي المؤسسة القضائية مع هذه الفئة، مشيرا إلى أن أعضاء النيابات العامة يسهرون، إلى جانب باقي مكونات هذه الخلايا، على استقبال الأطفال الوافدين عليها، في حرص شديد على تقديم ما تتطلبه أوضاعهم من دعم ومساعدة ومرافقة ، وذلك في استحضار كامل للبعد الاجتماعي والإنساني.
 وأكد أن النيابة العامة تعمل على تفعيل دورها التنسيقي مع مختلف المتدخلين من قطاعات حكومية وغير حكومية، عبر اللجن المحلية والجهوية للتكفل بالنساء والأطفال، بما يضمن تكفلا فعالا وناجعا يتلاءم وخصوصية وضعية الطفل في تماس مع القانون واحتياجاته، مبرزا أن رئاسة النيابة العامة، ومن أجل تحقيق أكبر قدر من النجاعة في تطبيق القوانين ذات الصلة بحقوق الأطفال، بادرت إلى توجيه العديد من الدوريات إلى النيابات العامة بمختلف محاكم المملكة تحث فيها على تعزيز الحماية القانونية للأطفال من كل أنواع العنف والاستغلال وإساءة المعاملة.
 وتابع أن رئاسة النيابة العامة، وعيا منها بأهمية الالتقائية بين تدخلات الفاعلين في مجال حماية الطفولة وضرورة تظافر جهود الجميع لتحقيق حماية ناجعة وفعالة للأطفال، تعتمد نهج الانفتاح على مختلف الأوراش الوطنية الداعمة لحقوق الأطفال، مسجلا في هذا الصدد انخراط رئاسة النيابة العامة في عدة مبادرات منها الحملة الإفريقية من “أجل مدن بدون أطفال في وضعية الشارع” التي تم الإعلان عنها بمدينة مراكش في 24 نونبر 2018. والتي من خلالها تعبأ مختلف الفاعلين لانتشال الأطفال من الشارع، فضلا عن الانخراط في”الخطة الوطنية لحماية الأطفال من الاستغلال في التسول” منذ 04 دجنبر 2019، بشراكة مع وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة.
 وفي معرض استحضاره للعناية السامية التي يوليها صاحب الجلالة الملك محمد السادس للحفاظ على حقوق الأطفال، ذكر الداكي بالرسالة السامية التي وجهها جلالته للمشاركين في أشغال الدورة الخامسة للمؤتمر الإسلامي للوزراء المكلفين بالطفولة، الذي انعقد في 21 فبراير 2018 بالرباط.
 وسجل أن المغرب، تنفيذا لالتزاماته الوطنية والدولية، حرص على تعزيز الحماية التشريعية للأطفال مرورا بعدة محطات تاريخية، إذ انخرط في تفعيل مقتضيات خطة العمل الدولية “عالم جدير بأطفاله”، من خلال خطة العمل الوطنية للطفولة (2006-2015)، التي مكنت من تحقيق مجموعة من المكتسبات المهمة على مستوى ملاءمة التشريعات الوطنية والنهوض بحقوق الطفل الأساسية.  وأضاف أن المغرب عمل أيضا على وضع السياسة العمومية المندمجة للطفولة بالمغرب 2015-2025 التي تعتبر بمثابة ميثاق وطني انخرط فيه الجميع، من أجل إدراج بعد حماية الطفولة في مختلف السياسات والبرامج العمومية مركزيا ومحليا ولرفع تحدي إعمال المبادئ والحقوق المضمنة في الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، والتحديات المرتبطة بأهداف التنمية المستدامة في أفق سنة 2030.
 ومن جهته، أكد وزير العدل عبد اللطيف وهبي، أن وضعية الطفل وحمايته الجنائية في حاجة إلى مزيد من الجهود الإصلاحية، مبرزا أهمية مساهمة مختلف الفاعلين في مسار معالجة قضايا هذه الفئة .
وأوضح وهبي، في كلمة ألقاها خلال الجلسة الافتتاحية لهذه المناظرة الوطنية، أنه من خلال استطلاع الترسانة التشريعية المغربية يمكن القول بأن “وضعية الطفل وحمايته الجنائية مازالت تحتاج إلى جهود إصلاحية أخرى، وهو ما تأخذه وزارة العدل ضمن اهتماماتها الأساسية سواء على مستوى أوراشها التشريعية الكبرى كمشروع مراجعة القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية ومشروع قانون العقوبات البديلة ومشروع إعداد مدونة الطفل أو عبر أوراش أخرى”.

 وأشار إلى أن الوزارة عملت في السنوات القليلة الماضية، على مجموعة من الإصلاحات التشريعية ، من خلال وضع آليات قانونية ملائمة تكفل حماية الطفل من أي انتهاك، سواء كان الطفل في وضعية مخالفة للقانون أو ضحية جريمة أو طفلا في وضعية صعبة، احتراما للمبادئ الأساسية المتعارف عليها دوليا لحماية الطفل على رأسها اتفاقية حقوق الطفل.
 وتابع وهبي أنه بالموازاة مع الإجراءات والتدابير المتخذة في هذا الإطار، تعمل الوزارة على رصد الظواهر الإجرامية عموما والمرتكبة في حق الأطفال على وجه الخصوص وملاحظة التطور الحاصل فيها، وتحليل الأسباب المؤدية لها واستخلاص النتائج لاستغلالها في السياسة الجنائية المتعلقة بالموضوع وهو ما سيعمل عليه المرصد الوطني للإجرام. وبعد إبرازه مختلف الجهود التي تبذلها الوزارة في هذا السياق، أكد الوزير أن المبادرات التشريعية بقدر أهميتها تبقى عاجزة ما لم تتم مواكبتها بتطبيق أمثل على مستوى الممارسة، وهو ما يحتاج إلى تكثيف الجهود لضمان التنزيل السليم، مسجلا أن ذلك لا يمكن أن يتحقق بجهود أجهزة إنفاذ القانون لوحدها وإنما يحتاج إلى العمل الجماعي والتنسيق المحكم خاصة بين السياسة الجنائية وباقي السياسات العمومية للدولة.
 وبخصوص المسار القضائي للأحداث، أشار الوزير إلى أن عدد القضايا المسجلة خلال سنة 2022 ، بلغ 24 ألف و592 قضية ، وعدد المتابعين (29 ألفا و412 متابعا)، وعدد الأطفال في وضعية صعبة (1076) وعدد المعتقلين احتياطيا (355 معتقلا احتياطيا عند متم ماي 2023) ، معتبرا أن هذه الأرقام تسائل الجميع من أجل إعادة تقييم وضعية الأطفال في تماس مع القانون وبلورة خطة عمل وطنية يساهم فيها كل الشركاء والفاعلين لتحقيق الغايات المنشودة.  وتنظم هذه المناظرة الوطنية، التي ستتواصل أشغالها إلى غاية 21 يونيو الجاري، من طرف رئاسة النيابة العامة بشراكة مع وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، وبتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة -اليونيسيف- وبدعم من الاتحاد الأوروبي، وذلك تحت شعار “من أجل تكفل ناجع ومندمج بالأطفال في تماس مع القانون”.
وتهدف هذه التظاهرة، التي تعرف مشاركة مختلف الفاعلين المعنيين بالموضوع من قضاة وممثلين للقطاعات الحكومية والمؤسسات الوطنية وممثلين للمجتمع المدني، إلى تعزيز المكتسبات التي راكمها المغرب في مجال حماية الأطفال في تماس مع القانون، بعد مرور 30 سنة على مصادقته على الاتفاقية الأممية لحقوق الطفل لتحقيق الحماية الشاملة لهذه الفئة.
 وعرفت الجلسة الافتتاحية لهذه المناظرة، المنظمة على مدى ثلاثة أيام من قبل رئاسة النيابة العامة بشراكة مع وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، بتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة -اليونيسيف- وبدعم من الاتحاد الأوروبي، مشاركة ممثلي قطاعات حكومية ومؤسسات وطنية وقضاة وفاعلين في المجتمع المدني .
 وعلى إثر الجلسة الافتتاحية للمناظرة، جرى توقيع اتفاقية إطار بين رئاسة النيابة العامة، ووزارة الشباب والثقافة والتواصل، ووزارة التضامن والإدماج الإجتماعي والأسرة، تروم تعزيز حماية الأطفال، والنهوض بالخدمات المسخرة لحمايتهم، والتنسيق الوثيق من أجل تقصي مصلحتهم، والحرص على تخصيص آليات الحماية المناسبة للأطفال حسب وضعياتهم القانونية واحتياجاتهم الخاصة، والعمل من أجل مواكبتهم.
 ويتضمن برنامج هذه التظاهرة ، التي تستمر أشغالها إلى غاية 21 يونيو الجاري، تنظيم جلسات عامة تخصص لتدارس الوضعيات المختلفة للأطفال ، فضلا عن ورشات موضوعاتية متوازية تتناول محاور أساسية منها “نجاعة أداء خلايا التكفل بالنساء والأطفال بالمحاكم بشأن الأطفال في تماس مع القانون (المكتسبات والإكراهات)” و”نجاعة آليات الحماية: مراكز حماية الطفولة ونظام الحرية المحروسة، آفاق التأهيل”، و”آليات التنسيق لحماية الأطفال في تماس مع القانون: اللجن المحلية والجهوية بالمحاكم / والأجهزة الترابية المندمجة لحماية الطفولة وإكراهات تحديد الأدوار”. كما تقارب الورشات مواضيع “متطلبات احترام التخصص كضرورة حتمية لمعالجة قضايا الأطفال في تماس مع القانون” و”العمل الاجتماعي رافعة لتطوير حماية الأطفال في تماس مع القانون – الواقع والإكراهات”، وكذا “المواكبة والرعاية اللاحقة لضمان إدماج حقيقي للأطفال في تماس مع القانون، الواقع والآفاق”.

Related posts

Top