بحثا عن المعنى

صار السؤال ملحا اليوم عن معنى الإصرار على التظاهر في الشارع ورفع ذات المطالب والشعارات المحمولة منذ (20 فبراير).
ليس القصد هنا الحق المبدئي لكافة المواطنين في التظاهر والاحتجاج…، رجاء بلا مزايدة. السؤال يطرحه الكثيرون، ويستهدف بالخصوص بعض التنظيمات التي نجحت في جر حراك الشباب إلى خيمتها وإلى الدوران على النفس..
الأفكار هي ذات أهمية محورية في السياسة وفي المنظومات النضالية والمطلبية وفي الشعار، تماما كما الأفق ووضوح الرؤية..
في شارع الرباط وفي أزقة الدار البيضاء وفي غيرهما تجمعت الصفوف ورفعت الشعارات، لكن الألوان كانت متعددة، واللحي كثيفة، وفي الأعالي كنا نسمع:
الشعب يريد..
لمن الكلام اليوم؟ من يتكلم باسم من؟ من صوت لفائدة من؟ من تحالف مع من؟
النضال محطات ومراحل ومراكمة مكاسب و…»صراع طبقي»، نعم لم ننس الأصول وأيضا الفهم الصحيح للأدبيات، وحتى المصابين بالمرض الطفولي…، هل تذكرون كل هذا أيها الرفاق؟ نحن لم ننس  من جهتنا، ولم ننس تلك المعارك والسجالات، ولهذا نرفض اليوم جرنا إلى بوليميك البدايات.
إن رفع الصوت وإعلاء الصراخ لم يصنع يوما فكرة، كما أن المزايدات لا تقدم نضال شعبنا، ولهذا على المتيمين بالشارع اليوم أن يجيبونا على السؤال:
ماذا تريدون؟
إلغاء تصويت المغاربة على الدستور الجديد؟
إسقاط كل شيء في هذه البلاد؟
وبعدين؟
نحزم حقائبنا ونتوجه نحو الحدود لاجئين وفارين كما يحصل اليوم للسوريين؟ نشرع الأبواب والنوافذ للدماء والاقتتال كما يحصل في ليبيا وفي اليمن؟ نلج التيه ولا نغادره كما يتواصل في تونس ومصر؟
إن للصراع السياسي سقوفه، وللنضال الديمقراطي ثوابته، وللوضوح قدسيته، وللوطن حقوقه وللمنظومات السياسية والمؤسساتية في البلاد (وفي أي بلد) شرعياتها ورمزياتها، ولا ينجح كل من يحسب الأشياء لوحده في السياسة وفي غيرها.
إن التصويت على الدستور الجديد دشن بالفعل مرحلة تاريخية جديدة في مسيرة بلادنا وشعبنا من أجل الديمقراطية، وإن قول مواطناتنا ومواطنينا (نعم) بكثافة للدستور الجديد كان بمثابة التعبير عن إرادتنا الجماعية من أجل ترسيخ الحداثة والديمقراطية ودولة القانون، وتحقيق العدالة الاجتماعية والتقدم والمساواة، وإعمال جيل جديد من الإصلاحات الشاملة، وكل هذا يمثل اليوم الأولويات المطلبية لشعبنا، وعلى كل الغيورين على مستقبلنا المشترك التعبئة لخوض رهاناتها، وجعل بلادنا تنجح في ذلك.
الشعب المغربي اختار وعبر عن اختياره بوضوح، وعدم إدراك ذلك يعني رفض الإرادة الشعبية، وعدم القبول بأبسط مقتضيات الديمقراطية.
[email protected]

Top