بداية السير نحو الوضوح

مرت مسيرات السبت والأحد الأخيرين من دون عنف قوات الأمن، وانتصر بذلك كل المغرب لذاته ولصورته ولأفقه الديمقراطي…
وإن المغرب الذي ينخرط اليوم في مسلسل إصلاحي قوي من أجل مراجعة دستوره، والذي أقدم على تدابير وإجراءات شجاعة بغاية تعزيز الثقة، ليس من الطبيعي أن يكون هو المغرب الذي يشهر الهراوات في وجه المحتجين من أبنائه، ولذلك فمن مصلحة حلمنا الجماعي ومن أجل ثبات سيرنا كلنا نحو أفقنا الديمقراطي الحداثي، لابد أن يتحول أسلوب التعامل مع الاحتجاجات الذي اعتمد يومي السبت والأحد الماضيين، وأيضا في بدايات حراك «20 فبراير» إلى ثابت في تعاطي السلطات مع حق التظاهر.
وحيث أن في المعادلة يوجد طرف ثان، فإن الموضوعية تقتضي أيضا تقييم سلوكات منظمي الاحتجاجات، ولقد سبق أن طالبنا شباب «20 فبراير» بشجاعة الوضوح، وتمنينا لو اعتلوا منصة الكلام والجرأة، وأعلنوا استقلاليتهم عن تطرف الظلاميين والمتياسرين معا، لكننا رأينا كيف صارت المطالب تنزلق على جنبات الطريق، ورأينا كيف غزا الظلام أشكال المسيرات ولافتاتها وشعاراتها ومنظومة الكلام والمواقف داخلها، وكان واضحا أن غربانا سرقت الشباب وحلقت بهم بعيدا في …التكلس والشرود.
لسنا وحدنا اليوم من يطالب الشباب بهذا الوضوح، بل إن المطلب بات يرفع في أوساط الحراك نفسه، وبدا اليوم أن هناك دينامية تتأسس بهدف إعمال خطط ومنظومات تفاعل وتحرك تستحضر تحولات الساحة، وما جرى في المغرب منذ تاسع مارس إلى اليوم، وهذه بداية إيجابية لا بد من السير فيها إلى الأخير، بهدف توضيح الأفق النضالي لحركات الشباب وتحديد الداعمين الحقيقيين لهذا الأفق، وأساسا الواقفين على الخط المعاكس، ومن ثم الحسم مع الارتباط الميداني وغير الميداني بهم، حتى تستعيد  «20 فبراير» استقلاليتها الكاملة، وتبني شخصيتها التنظيمية والمطلبية ضمن منطق نضالي وسياسي واضح، وليس فقط على ظهر التصعيد والتعجيز والوقوف في الشارع.
إن المخاض الذي تحياه المجموعات الشبابية داخليا يستحق فعلا الإسناد، وأيضا الوعي من طرف الشباب أنفسهم كي يسيروا في معركة الوضوح إلى مداها، تنظيميا وسياسيا وثقافيا، وآنذاك سيكونون قد ساعدوا «شارعهم» ليوضح منظومته المطلبية وأفقه النضالي.
إذا كانت السلطات العمومية وأجهزة الأمن مدعوة اليوم إلى تمثل مواصفات مغرب الدستور الجديد، والانتقال، سلوكا وعقلية، إلى الانتظام داخل الأسس القانونية والحقوقية المتعارف عليها في العالم الديمقراطي لزمننا هذا، فإن النسيج الاحتجاجي المرابط اليوم في الشارع مطالب هو أيضا بالعمل على ذاته بجهد كبير يروم تثبيت الوضوح السياسي والتنظيمي والمطلبي، والمسؤولية ذاتها مطروحة على الأحزاب الديمقراطية الحقيقية التي من الواجب عليها اليوم الاستعداد لممارسة سياسية وانتخابية وتنظيمية مغايرة، والبداية هي تفعيل فضاءات استقبال للأجيال الجديدة واحتضان طموحاتهم وأيضا احتجاجاتهم وغضبهم وأحلامهم.
فقط بالسياسة سنحيد المتطرفين بمختلف مللهم، حتى ولو تحالفوا فيما بينهم في الشارع وفي العدمية وفي التيه…
[email protected]

Top