يأتي برنامج تأهيل المدينة العتيقة للرباط، الذي يندرج ضمن ورش هيكلي آخر وازن هو برنامج “الرباط مدينة الأنوار، عاصمة المغرب الثقافية”، ليمنح زخما قويا ونفسا متجددا لعاصمة المملكة ويجعلها تتموقع بقوة في خانة العواصم الأكثر إشعاعا على المستوى الإقليمي والقاري، لتصبح بذلك واجهة مشرقة لمغرب الحداثة والأصالة في مختلف تجلياتها.
والواضح أن هذه الحاضرة العريقة التي تشهد على مراحل مجيدة من تاريخ المملكة، عرفت خلال السنوات الأخيرة، بفضل الاهتمام الملكي السامي، تحولا بنيويا نوعيا تشهد عليه مختلف الإنجازات والأوراش المفتوحة على مختلف الواجهات، لاسيما بالمدينة العتيقة التي رصد لها برنامج للتأهيل بغلاف مالي إجمالي ناهز 625 مليون درهم، وذلك في سياق متابعة تنزيل مختلف مكونات البرنامج المندمج للتنمية الحضرية للمدينة “الرباط مدينة الأنوار، عاصمة المغرب الثقافية”.
ولقد شكل ترؤس جلالة الملك، في 14 ماي الماضي، لحفل تقديم برامج تثمين المدن العتيقة للرباط ومراكش وفاس والدار البيضاء، مناسبة لتسليط الضوء على مختلف التدخلات المبرمجة في إطار برنامج تأهيل المدينة العتيقة للرباط، والذي يشمل ترميم الأسوار والأبواب التاريخية والمساجد والزوايا، وإعادة تأهيل الفنادق التقليدية، وإنشاء ملاعب للقرب وفضاءات عمومية خضراء، فضلا عن معالجة الدور المهددة بالسقوط.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن برنامج تأهيل المدينة العتيقة للرباط يهم، على الخصوص، تهيئة ساحة باب الأحد والساحات المحيطة بالسوق المركزي، وتعزيز نظام التشوير، ووضع شاشات تفاعلية للمعلومات السياحية، وترصيف الأزقة والمسالك على طول 8 كيلومترات، وإحداث مرأبين تحت أرضيين، بباب الأحد وباب شالة بسعة إجمالية تصل إلى 1090 مركنا.
ومما لا شك فيه، أن هذا الورش التأهيلي الكبير سيضفي على مختلف معالم الرباط (شالة، قصبة الأوداية، السور الأندلسي، السور الموحدي … إلخ)، وهجا جديدا وبريقا لا مثيل له، بما يمكن من إعطاء دفعة قوية للقطاع السياحي وتعزيز جاذبية العاصمة الإدارية للمملكة، إلى جانب إيلاء أهمية بالغة لساكنة المدينة ومعيشها اليومي، لاسيما المنتمين لفئة الحرفيين والتجار، الذين سيتمكنون بفضل هذه المنجزات القيمة من تحسين مستوى دخلهم والارتقاء بالإطار العام الذي يزاولون فيه.
والأكيد أن الزيارة التي قام بها جلالة الملك، لعدد من المشاريع المندرجة في إطار برنامج تأهيل المدينة العتيقة للرباط، لهو خير تجسيد لعزم جلالته الراسخ على العناية بالمدن العتيقة وتثمينها والحفاظ على إشعاعها العمراني، وعيا من جلالته بأهمية النهوض بالحواضر الألفية وتحسين معيش ساكنتها، ومن ثم جعلها أقطابا سياحية تنعش الحركة الاقتصادية، وذلك وفق منظور يحرص على المزاوجة بين أصالة المعمار وضرورة التحديث.
والحري بالذكر أن برنامج تأهيل المدينة العتيقة للرباط، ينضاف إلى برامج مماثلة تشمل المدن العتيقة بكل من سلا ومكناس وتطوان والصويرة وفاس ومراكش والدار البيضاء، والتي تأتي لإضفاء نفس جديد على الجهود الجبارة الحريصة على استثمار المؤهلات الاقتصادية لهذه المجالات الحضرية الحيوية، لاسيما المرتبطة منها بقطاعات السياحة والصناعة التقليدية.
ولعل الزائر لهذه المدن العريقة، وعلى رأسها الرباط المصنفة سنة 2012 كتراث عالمي للإنسانية من طرف منظمة “اليونسكو”، يقف على حجم التغيير الذي هم مرافقها، معالمها وبنياتها الأساسية، لتنتقل بذلك إلى مرحلة جديدة عنوانها الأبرز “التجديد في إطار الحفاظ على الطابع الأصيل”، الأمر الذي أضحى محفزا حقيقيا للاقتصاد المحلي الذي يعتمد بشكل أساسي على عائدات السياحة.
إنه إذن تجسيد ملموس وواقعي لرؤية ملكية سديدة ومتبصرة تنهل مقوماتها من الحرص المولوي السامي على النهوض بالرأسمال اللامادي للمملكة في مختلف تجلياته، وبالتالي جعل الموروث الحضاري رافعة أساسية لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة.
برنامج تأهيل المدينة العتيقة للرباط.. ورش بنيوي وازن
الوسوم