بعد أربعين سنة.. صدور النسخة العربية لكتاب الاقتصادي المغربي عزيز بلال “العوامل غير الاقتصادية للتنمية”

على مدى أربعين سنة، من المحاولات المتواضعة لترجمة بعض من فصول كتاب الاقتصادي المغربي الراحل عبد العزيز بْلال “التنمية والعوامل غير الاقتصادية” إلى اللغة العربية، تم تأثيث مكتبات الرباط بحر الأسبوع الماضي بأولى ترجمات الكتاب الكامل إلى اللغة العربية.
وأشرف على هذه الترجمة مركز الدراسات والأبحاث عبد العزيز بلال، ونقله إلى العربية من اللغة الفرنسية نور الدين سعودي، وراجعه محمد شيكر، بتنسيق من أحمد أوبلة، ومن المرتقب أن يصل هذا المنشور الجديد إلى باقي المكتبات بالبلاد خلال الأسابيع القادمة.
وعزا مركز الدراسات والأبحاث عبد العزيز بلال ترجمة كتاب “التنمية والعوامل غير الاقتصادية “، عقب أربع عقود على نشره، لما أثاره من ردود فعل، خاصة وأن مؤلفه كان يحسب على التيار الذي كان يركز على العوامل الاقتصادية بالأساس، وبالتالي على الجانب المادي، في إحداث الوعي وتكوين الشخصية من خلال التفسير الذي كان يعطى لمقولة ماركس الشهيرة: “ليس وعي الناس هو الذي يحدد وجودهم، إنما وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم”.
واعتبر المركز في مقدمة الكتاب، أن مثل هذا العمل كان من المفروض ترجمته في حينه، بالنظر إلى ما تم الإشارة إليه من أسباب الترجمة، مبرزا أنه في ظل غياب مؤسسة للترجمة على شاكلة تلك التي توجد بمصر، وبالنظر للحالة التي توجد عليها دور النشر المغربية، ولمحدودية انتشار كل ما ينشر في المغرب، كان ولا يزال من الصعب نقل الأعمال الجادة والمبدعة من لغة إلى أخرى.
وأضاف المركز في المقدمة ذاتها، أن كل ما يترجم في المغرب هو نتيجة مبادرات شخصية تتحكم فيها في الغالب عوامل ذاتية، مؤكدا على أن الكتاب المترجم لعبد العزيز بلال، يظل كتابا مرجعيا في تاريخ الفكر المغربي ومعلمة فكرية لم يعط لها ما تستحقه من أهمية.
وتابع أن ذلك قد يعود إلى كون الكتاب كتب باللغة الفرنسية، مردفا “لهذا أردنا في المركز تدارك الأمر وأملنا كبير في أن الكتاب هذا سيكون له وقع إيجابي على القارئ العربي في مرحلة تاريخية فاصلة تتسم ببروز لافت لكل ما هو لا مادي وبالانتقال من مجتمع صناعي إلى مجتمع ما بعد الصناعي وبتعميق مقلق للفوارق الاجتماعية والمجالية وتكريس للتخلف على مستوى القارة الافريقية والمنطقة العربية”.
وفي سياق متصل، قال محمد شيكر، رئيس مركز الدراسات والأبحاث “عبد العزيز بلال”، في تصريح خص به بيان اليوم، إن الكتاب في الوقت الذي كان صدر فيه أواخر السبعينيات، كان له وقع كبير على مستوى الأطروحة التي جاء بها.
وأوضح شيكر في التصريح ذاته، أنه في ذلك الوقت كان الاقتصاديون يربطون الاقتصاد بما هو مادي، والكتاب كسر هذه النظرة السائدة التي تعتبر أن “التطور والتنمية لا يمكن أن يكونا إلا على أساس توفير ما هو مادي”.
وأضاف شيكر أنه شيء طبيعي أن المادي ضروري للتنمية، إلا أن هناك عوامل أخرى غير اقتصادية أي غير مادية –حيث أن المفهوم كان غائبا في تلك الفترة وبالتالي قال غير اقتصادية بدل مادية-.
وأشار شيكر إلى أن كتاب عبد العزيز بلال “العوامل غير الاقتصادية للتنمية”، هو امتداد لأطروحته عن الاستثمار في المغرب من سنة 1912 إلى سنة 1964، التي كان أشار فيها لما يعرف حاليا برأس المال اللامادي، وسماه في تلك الفترة “الرأسمال الثقافي”، يضيف شيكر.
وشدد شيكر على أن الكتاب له قيمة مضافة كبيرة لأنه خرج عن التوجه العام الذي كان آنذاك والذي كان يعتبر أن الاقتصاد أو الجانب المادي وحده الذي يمكنه تنمية البلاد، مشيرا إلى أن بلال في كتابه أوضح أن العوامل غير الاقتصادية تلعب دورا كبيرا في التنمية.
واعتبر شيكر أن المشكل الذي كان مطروحا أن بلال كتب الكتاب بالفرنسية، وبقي محصورا بين القراء بالفرنسية، بالخصوص الاقتصاديين، مستطردا “ومع الأسف الشديد كانت هناك محاولات لترجمة بعض فصوله، وشخصيا كنت ترجمت بعضها ونشرتها، في هذه الأربعين سنة القارئ بالعربية لم تكن له الإمكانية للوصول إلى فكر عبد العزيز بلال لهذا في المركز قررنا نترجم الكتاب”.
وأكد شيكر على أن الكتاب لا زالت له راهنيته، لأنه ركز على دراسة الهياكل المجتمعية، ليس في المغرب فقط بل على مستوى المغرب العربي، مشددا على أن غير موجه للاقتصادين فقط، لأن بالنسبة لهم (الاقتصاديين) اطلعوا على الكتاب في نسخته الفرنسية، ويعرفون فكر بلال وأطروحته، بل موجه لكافة القراء والباحثين.
وأضاف شيكر أن هدفهم من الترجمة هو تقريب الفكر البلالي للقراء بالعربية، باعتبار أنه “كتاب موجه لكافة الشرائح المتقفة سواء في علم الاجتماع أو العلوم الإنسانية أو التاريخ وغير ذلك، لأن الكتاب اهتم بتحليل الهياكل المجتمعية للمغرب والجزائر وتونس، وهذا له راهنية في معرفة الفوارق بين المجتمعات الثلاث”.

< عبد الصمد ادنيدن

Related posts

Top