بعد الانتخابات يأتي موسم تأسيس الجمعيات والمقاولات

مع إطلالة مجلس كل مقاطعة أو جماعة ترابية. و بعد تشكيل المكاتب المسيرة الجديدة. تنشط عمليات إحداث الجمعيات والمقاولات من طرف المقربين والموالين للمنتخبين الجدد. إحداث جمعيات على الورق، يخطط أعضاؤها من أجل الحصول على المنح المالية السنوية وعقد الشراكات التي تفرض على تلك المجالس ضخ أموال غير مستحقة من ميزانية الشعب، سنويا في أرصدة الجمعيات. حيث يتم توزيعها بين الأعضاء، وتبرير صرفها بفواتير وهمية. إحداث مقاولات مقراتها هواتف أصحابها. بهدف الاستفادة بـ(بونات) الجماعات، وبعض صفقاتها المشبوهة. من أجل تنفيذ مشاريع واقتناء مشتريات بطرق وأساليب ملتوية. مقاولات يتم تصفيتها وحلها كلما استنفذت الأهداف المحدثة من أجلها. ليتم تأسيس مقاولات أخرى. والهدف واحد متمثل في نهب المال العام.
ويمكن لوزارة الداخلية أن تجري إحصاء لعدد الجمعيات والمقاولات المحدثة مع كل ولاية انتخابية جديدة. كما يمكنها جرد أنشطتها ونوعية الأموال المستخلصة لديها. كما يمكنها أن تكشف علاقات القرابة والمصاحبة والولاءات التي تربط رؤساء تلك الجمعيات وأصحاب تلك المقاولات المستحدثة، بأعضاء المجالس المنتخبة التي تتواجد في تراب نفوذها.
استفحلت ظاهرة تناسل المقاولات والجمعيات بالمغرب، واختلفت وتنوعت مكاتبها المسيرة بين الصالح والطالح.. وأصبحت صفة (مقاول) يحملها من هب ودب، بدون أدنى أنشطة استثمارية أو مقرات. كما أصبحت صفة (فاعل جمعوي)، لدى البعض مهنة من لا مهنة له. وإذا كانت هناك مكاتب جمعيات جادة، تتوفر على الموارد البشرية اللازمة لتطبيق برامجها، وتحمل مشاريع قابلة للتنفيذ الأحادي أو بشراكة مع جهات معنية عمومية أو خاصة.. فإن باقي الجمعيات لا تتوفر على الموارد البشرية المؤهلة، وليس لمكاتبها المسيرة نية العمل في إطار المصلحة العامة.. بل إنها لا برامج لها ولا مخططات، تلهت فقط وراء المال العام وأموال الخواص، باعتماد أساليب النصب والاحتيال والابتزاز والارتشاء و.. فقد بات بعض منتحلي صفة (فاعل جمعوي)، يقضون معظم أوقاتهم في طرق أبواب مسؤولي المرافق العمومية والخاصة، من أجل طلب الدعم المالي والمعنوي، لدعم إنجاز أنشطة وهمية.. بل إنهم يحشرون أنوفهم في كل صغيرة وكبيرة تخص تدبير الشأن المحلي والسياسي والتعليمي والصحي.. يدعون معرفة كل القوانين والقدرة على المشاركة والاقتراح والإبداع.. كل هذا بغية الحصول على المال والتموقع داخل دائرة النافذين والموالين لهم.. يجتهدون من أجل لفت الانتباه إليهم، ومن أجل استعراض عضلاتهم الجمعوية أمام ممثلي السلطات والمنتخبين والأجهزة الأمنية والقضائية.. وفرض الامتثال لرغباتهم ونزواتهم، التي لا علاقة لها بأهداف تلك الجمعيات التي يمثلونها.. هؤلاء الذين لا شغل لهم، سوى تمثيل تلك الجمعيات في كل المناسبات الرسمية وغير الرسمية.. وعرض خدماتهم على الراغبين في تلميع صورهم.. وابتزاز كل من أغلق بابه في وجوههم.. بعضهم بمستويات ثقافية محدودة، والبعض الآخر بدون أدنى مستوى تعليمي أو ثقافي. بل إن هناك آخرون لا يترددون في لعب أدوار ممثلي النقابات والأحزاب السياسية.. احترفوا إصدار البيانات والدعوة إلى الوقفات والمسيرات والاعتصامات الاحتجاجية.. جمعيات بيئية تديرها مكاتب مسيرة متعفنة العقل والروح، وجمعيات ثقافية بمسيرين أميين ومنحرفين ولصوص، وجمعيات رياضية بأعضاء سماسرة ومحترفي النصب والاحتيال، .. وآلاف الجمعيات أحدثت كأذرع لدعم أحزاب ونقابات. أعضاءها يدسون رؤوسهم في الرمال والوحل كلما تعلق الأمر بالمواجهة السياسية والنقابية، ويعتلون المنصات وخشبات المسرح، كلما حضروا أنشطة جمعوية، حيث الفرص السانحة لكسب ود المواطنين. جرت العادة أن يكون موسم توالد الجمعيات، خلال الأشهر الأولى من كل ولاية انتخابية على مستوى الجماعات المحلية ومجالس العمالات والجهات. حيث يتم إحداث مئات الجمعيات، من وراءها رؤساء مجالس منتخبة، ومستشارين جماعيين وبرلمانيين بالغرفتين، يسعون من وراء إحداث تلك الجمعيات، إلى رد الجميل لفئة الناخبين الذين صوتوا لفائدتهم، ومنحوهم صفة منتخبين، أو من أجل الحصول بطرق غير مشروعة على أموال عمومية، وذلك بفرض التوقيع على اتفاقيات وشراكات وصرف منح مالية لمكاتب تلك الجمعيات. لقد بات من الواجب إعادة النظر في القوانين المنظمة لإحداث الجمعيات، لكي لا يبادر من هب ودب إلى تأسيس جمعية ذات أهداف لا يفقهها، وبات من الواجب فرض شروط الكفاءة والقدرة والمستويات العلمية والتقنية والثقافية اللازمة لتسيير تلك الجمعيات، وتطبيق برامجها.. كما بات من الواجب تكثيف التدقيق في حسابات كل الجمعيات سنويا من طرف المجالس الجهوية للحسابات، وكذا من طرف الجهات الداعمة لها.. وحصر مهام مكاتب الجمعيات في الأهداف والمرامي المسطرة في قوانينها الأساسية وأنظمتها الداخلية. ومنعها من التطاول على مهام أخرى.. لقد أصبح للسلطة الخامسة، دور كبير في رسم الملامح المستقبلية للمغرب، وأصبحت لديها آليات التواصل والمطالبة حتى بفرض تغيير قوانين وإلغاء مساطر.. وعليها أن تطهر جسمها من الدواخل والمندسين، الذين وجدوا في الانضمام إليها ملاذا آمنا، بعد أن لوثوا باقي السلط التنفيذية والتشريعية والقضائي والإعلامية..
جمعيات ومقاولات وتم التدقيق في هويتها الحقيقة، لاتضح للكل أنها ستائر وفيترينات تعود في الأصل لمجموعة من المنتخبين. الذين يستغلونها إما لرد الجميل لمن صوتوا عليهم، أو من أجل تقاسم الغنائم مع روادها. بعد صرف المنح المالية السنوية أو تمرير البونات والصفقات.

بقلم: بوشعيب حمراوي

[email protected]

Related posts

Top