بعد الجولة الملكية الإفريقية

الجولة التي قادت جلالة الملك إلى ثلاث دول إفريقية هي: السينغال، كوت ديفوار والغابون، خلفت لدى المتابعين ومشاهدي التغطيات التلفزيونية صورة عامرة بالدلالات يمكن أن تلخص لوحدها الجولة الملكية برمتها، إنها مشاهد الاستقبالات الشعبية للعاهل المغربي، بالإضافة إلى تلك التحركات الملكية التلقائية تجاه الأمكنة والناس في البلدان الثلاثة. صحيح أن علاقات المغرب مع الدول التي شملتها الزيارة الملكية الأخيرة تعتبر أصلا ممتازة ومتجذرة في التاريخ، ويختلط فيها السياسي والاقتصادي بالروحي والديني والاجتماعي والثقافي، لكن ظرفية الزيارة، وما تشهده المنطقة اليوم من تحولات وأحداث، جعلها حدثا أساسيا أعاد تأكيد موقع المملكة في معادلات الشأن الإفريقي، كما جسد اختراقا ديبلوماسيا لا يخلو من أهمية في الفترة الحالية.
في السياق نفسه، فقد أبرزت الجولة الإفريقية للملك الحضور الاقتصادي والاستثماري المغربي في عدد من بلدان القارة، والتواجد النشيط لشركات مغربية وفاعلين اقتصاديين مغاربة داخل القارة الإفريقية، فضلا عن تدشينات واتفاقيات جديدة ترأس جلالة الملك مراسيم توقيعها أو انطلاقها، وهذه الدينامية نجحت في التذكير بأهمية توجه المملكة نحو عمقها الإفريقي، ونحو تطوير الشراكة «جنوب- جنوب»، وبالتالي تمتين التموقع الاقتصادي والاستثماري المغربي داخل إفريقيا التي تعتبر اليوم منطقة صراع ساخن بين قوى كبرى متعددة.
إن الجولة الإفريقية الملكية تفرض اليوم الانكباب على تعزيز البعد الإفريقي في السياسة الخارجية المغربية، وتقوية توجه ديبلوماسية الرباط نحو بلدان إفريقية أخرى، وخصوصا الأنكلوساكسونية منها، والسعي لإيجاد امتداد مساند للمواقف المغربية وسط القارة، وأيضا من خلال منظماتها الإقليمية، اقتصادية كانت أو سياسية أو غيرها، ذلك أن هذا الامتداد «الأفقي» سيكون الأكثر نجاعة وأهمية، وسيجعل العضوية التنظيمية في الاتحاد الإفريقي حينها ثانوية، أو أقل أهمية.
اليوم، لا يخفى على أحد حجم الضغط الذي تمارسه دولة مثل جنوب إفريقيا، أو نيجيريا، وإلى جانبهما طبعا الجزائر، وذلك من أجل إفشال التحرك المغربي نحو إفريقيا، وأيضا ضد المصالح الوطنية للمملكة، ولهذا يقتضي الأمر تقوية التوجه الهجومي لديبلوماسية الرباط في هذا الاتجاه بالذات لمواجهة هذا اللوبي المعادي للمغرب، وتكسير مخططاته.
وكما تمت الإشارة إلى ذلك أعلاه، فإن التقدير الذي استقبل به جلالة الملك في السينغال وكوت ديفوار والغابون، بالإضافة إلى الحضور الاقتصادي والاستثماري للمملكة في هذه البلدان وفي أخرى غيرها داخل القارة، بالإضافة إلى التميز الديمقراطي والسياسي للمملكة، وتمتعها باستقرار مجتمعي عام، فضلا عن حضورها الديبلوماسي والسياسي الدولي والإقليمي في السنوات الأخيرة، كلها أوراق قوة يمكن استثمارها اليوم لتمتين الفعل المغربي داخل إفريقيا، ومن أجل تشكيل امتداد واسع وقوي بين دولها لصالح المغرب وقضاياه الوطنية.

[email protected]

Top