بن الصديق يغادرنا

برحيل المحجوب بن الصديق، يفقد المغرب علامة بارزة في جيل وحركة النضال النقابي في بلادنا، وقد كان للراحل تأثير واضح على أجيال من النقابيين، وعلى المشهد العمالي المغربي طيلة عقود. المحجوب بن الصديق قيل وكتب عنه الكثير، وربما سيقال عنه أكثر اليوم، لكن المؤكد أن الكثيرين أحبوه، وفي نفس الوقت غضب منه الكثيرون، كما التف وتحلق حوله الكثيرون، وفي نفس الآن انفض من حوله الكثيرون، لكن ابن مكناس بقي، بقامته الطويلة، ممسكا بكل التفاصيل وبكل الحكاية، ومن هنا كان ينسج زعامته وكاريزميته وسط كل الآخرين…
إن وفاة المحجوب بن الصديق، وبالرغم من الانشغال الذي ستتركه وسط مناضلي وأجهزة الاتحاد المغربي للشغل بخصوص اختيار خلف للزعيم، وهو الانشغال الذي سيسود وسائل الإعلام أيضا  في الفترة القادمة، فمع ذلك هي مناسبة لتجديد طرح الأسئلة الجوهرية ذات الصلة بواقع العمل النقابي وبمستقبله.
الكل يتفق اليوم على ضعف مستوى التنقيب وسط الأجراء، والكل يعرف الكثير من الاختلالات والأعطاب التي تنخر العمل النقابي وهياكل المركزيات النقابية، والكل ينتقد التشتت النقابي، الذي صار اليوم يكتسي أشكال هي أقرب إلى الخطورة، من قبيل التشتت العبثي وسط قطاع النقل الطرقي اليوم، وأيضا تشكل هيئات وتنظيمات خارج النقابات…
وإلى جانب ما سلف، فإن العمل الوحدوي بين النقابات الموجودة لا زال هو الآخر يعيش المد والجزر، وكثير من المركزيات النقابية تعاني من ضعف تجديد أطرها ومسؤوليها، ومن تسرب ممارسات تحريفية وانتهازية لصفوفها، وهذا يقود اليوم إلى ضرورة الانكباب على جذب أجيال جديدة من الأجراء إلى النقابات، وإلى تعزيز تأطير الشباب، وإشعاع الديمقراطية الداخلية، علاوة على تقوية المواكبة الفكرية والتنظيرية والرؤية السياسية في مرجعية النقابات، وتقوية حضور الأطر السياسية التقدمية في العمل النقابي…
المهمة اليوم، إذن، هي إعادة الاعتبار للعمل النقابي وللنقابات الجدية، وأيضا القيام بمراجعة نقدية حقيقية للتجارب النقابية، على غرار ما يحصل في بلدان ديمقراطية عريقة.
مات الزعيم، وآخر عباراته جسدت الوداع الأبدي، وآخر مشوار في حياته مثله هذا الرحيل إلى دار البقاء..
لكن الأسئلة الأخرى، أسئلة المستقبل، ستبقى منتصبة بعد انتهاء مراسيم الدفن والعزاء، وتتفحص وجوهنا جميعا…
الرحمة والغفران للفقيد…

Top