بيان اليوم تزور أبرز معالم العاصمة الروسية وتقترب عن كثب من أجواء “الكرملين” -الحلقة الثالثة –

على الرغم من قساوة الطقس بها والبرد الذي ينطلق مع بداية أكتوبر، إلا أن روسيا الفيدرالية بمدنها المختلفة وخصوصا عاصمتها موسكو، تظل حية لا تهدأ، عبق من التاريخ ومتاحف شيدت لتظل شاهدة على غنى تاريخي متنوع.

خلال رحلة سابقة لـ “بيان اليوم” لعاصمة روسيا في إطار تكوين خاص بالصحفيين من شمال إفريقيا والشرق الأوسط نظمته وكالة الأنباء الروسية “سبوتنيك” بشراكة مع البيت الروسي “روسوترودنيتشيفو الفيدرالية Rossotrudnichestvo” التابعة لوزارة الخارجية الروسية وشركاء آخرين، امتد من آواخر شهر شتنبر إلى أكتوبر الماضي، توقفت الجريدة، عند أبرز معالم الكرملين وإحدى أهم المنشئات الفيدرالية الروسية التي تحمل تاريخا عالميا هاما.

وإلى جانب موسكو، مدينة سان بطرسبرغ كانت هي الأخرى ضمن جولة “بيان اليوم” إلى روسيا، حيث نقوم من خلال هذه السلسلة من الحلقات بإعادة تركيب مشاهد المدينتين التاريخيتين اللتين ظلتا شاهدتين على أحداث وطبعتا مسار التاريخ، ليس تاريخ روسيا وحدها فحسب، بل تاريخ العالم..

سحر نهر نيفا وقصر كاثرين – ركوكو بتساركوي سيلو

غير بعيد عن متحف الإرميتاج التاريخي والعالمي، يأخذ زائر سانت بطرسبرغ سحر نهر النيفا الذي تتلألأ مياهه تحت أشعة الشمس المشرقة، مثل قطعة من الزمرد في ضوء النهار.

على مسافة أمتار قليلة في الجهة المقابلة للإرميتاج نقف في صف مع سياح أجانب في انتظار مركب سياحي يأخذنا عبر نهر النيفا على طول مدينة سانت بطرسبرغ لاكتشاف روعة هذا النهر الذي يقسم المدينة إلى جانبين ساحرين يميز كل جانب فيها بنايات مشيدة قبل قرون، وروعة في المعمار يزيدها بهاء الجسور التي تربط بينها والتي هي الأخرى شيدت بمعايير خاصة، وبعضها يرتبط بفترات تاريخية ما تزال مطبوعة في ذاكرة الشعب الروسي.

الشعب الروسي الذي يحتفظ بذكرى راسخة لمدينة سانت بطرسبرغ، والتي كانت تسمى لنينغراد سابقا، والتي جرى حصارها من قبل الجيش النازي سنة 1941 لثلاث سنوات، ليظهر خلالها الشعب الروسي صمودا أسطوريا ويلتف بكل شرائحه في دعم وإسناد الجيش السوفياتي من جهة، وفي الحفاظ على صمود المدينة وخلق بدائل للحفاظ على وحدتها ومواجهة المجاعة ومواجهة تحديات التنمية بالمدينة.

وهكذا أبان سكان لينينغراد عن صمود وسطروا من صغيرهم لكبيرهم ملحمة خالدة ما تزال تذكرها كتب التاريخ ويحتفي بها الشعب الروسي قاطبة، وهو ما جعلها بعد ذلك تسير نحو الرقي ونحو هذا الجمال الخالد من حقب تاريخية عديدة.

بدأت جولتنا عبر نهر النيفا مع موسيقى روسية كلاسيكية هادئة، وتبحر المركب في وسط النهر الكبير والمعالم الأثرية تترأى من الجانبين وتضفي جمالية خاصة، زادها غروب الشمس الذي بدأ في نثر سحره على المدينة، مع بروز الشفق الأحمر المميز الذي يجعل الجو أكثر رومانسية.

على امتداد ساعتين، كان لنا الحظ الوافر في اكتشاف روعة المدينة بجانبيها المطلان على نهر النيفا، وبجمالية الكنائس القديمة والمتاحف الكثيرة والبنايات الأثرية بألوانها المختلفة، مثل قصر الشتاء وكنيسة القديس إسحاق، التي تظهر بأبهى حلة مع إنعكاسها على سطح الماء الراكد، وأبنية أخرى تزين المدينة، ويزيدها بهاء غروب الشمس وضوء المدينة الذي تلألأ مع إنارة مصابيح الشوارع والأضواء المزينة للجسور الرابطة بين ضفتي المدينتين، بينما تسافر بك الموسيقى الهادئة إلى عوالم من البهاء والجمال.

بعد هذه الرحلة الساحرة التي استمرت زهاء ساعتين، تظهر في الأفق مراكب عديدة لكثير من السياح، والعائلات، والأصدقاء، بعضها هادئ والآخر صاخب به موسيقى ورقص، والبعض الآخر اختار الاحتفال بزفافه وسط ذاك الجو الساحر والرومانسي، بينما يستمر التوافد على المكان لقضاء هذه التجربة الممتعة.

في طريق عودتنا للفندق ننسحب من الشارع الكبير الذي يمر منه نهر النيفا، لنمر وسط أزقة المدينة، والتي هي الأخرى تزينها القنوات المائية الصغيرة والتي هي الأخرى تشكل إبداعا خاصا، إذ هي الأخرى تجذب لها عشاق ركوب القوارب الصغيرة والعشاء مع الأصدقاء أو إقامة حفلات خاصة على متن القوراب.

في أضيق قنوات المدينة قبل أن تخترق مياه نهر النيفا، تمر القوارب الصغيرة بجانبنا، مليئة بالسياح الذين يستمتعون بنفحات الهواء النقي والمناظر الخلابة. فيما تتجمع عائلات وأصدقاء حول مركب خاص لزفاف عروسين، يلتقطان الصور قبل أن يبحرا معا في القنوات المائية الرومانسية وبحران بعد ذلك في دروب الحياة.

استمرت رحلتنا إلى سانت بطرسبرغ إلى اليوم الثالث الذي كان لنا فيه موعد لزيارة قصر كاثرين والمنتزه الكبير لقصر ركوكو بتساركوي سيلو، وهو الذي يعد بدوره أجمل المتاحف والمنتزهات بالعالم، والذي يقع على بعد 30 كيلومترا جنوب سانت بطرسبرغ.

كنا قد وصلنا في الصباح الباكر للمنتزه المحيط لقصر كاثرين، واستمتعنا بالحدائق المجاورة قبل إنهاء الترتيبات الخاصة لدخول المتحف، الذي يبرز من هندسته الخارجية الارتباط الوثيق بالعهد القيصري وبألوانه الملكية والزخرفة التي تزين الجدران الخارجية، بالإضافة إلى امتداد البصر نحو حدائق رائعة، توحي بروعة المعمار والتصميم الروسي القيصري.

ويعد قصر كاثرين أحد المعالم التاريخية المذهلة التي تسقط ملايين السياح من العالم، الذي أسسته كاترين الأولى في القرن الثامن عشر، وبالضبط في 1717، وكان يعتبر أهم قصور روسيا القيصرية. أو يطلق عليه بالقصر الصيفي للعائلة القصيرية حينها، فيما تقول بعض الروايات إن تشييد هذا القصر جاء بأمر من بطرس الأكبر كهدية لزوجته كاترين العظمى.

 يتميز القصر بتصميمه الباروكي الرائع والفن الداخلي الفخم، ويضم مجموعة مذهلة من الأثاث واللوحات والتماثيل والمجوهرات وعديد من القاعات التي تخلد لحقب مختلفة من التاريخ، وتضم الأثاث الخاص والألوان المعتمدة بالقصر لكل القياصرة الذين تعاقبوا على الحكم.

كما يضم القصر قاعات متنوعة، أبرز الغرفة الصفراء المزينة بجدران ذهبية وزخارف حمراء جميلة، فضلا عن غرفة العنبر، وغرف أخرى ملكية بألوان حمراء ومعمار مختلف، ثم قاعة الأكل الملكية، وغرف تاريخية أخرى، فضلا عن ممر خاص يضم صور العائلة المالكة والحكام الذين تعاقبوا على حكم الإمبراطورية الروسية عبر عقود من الزمن.

غير بعيد عن القصر المتحف، يعيش الزائر للمكان سفرا خاصا في الحدائق الخلفية والبحيرة الكبيرة خلف القصر والتي تبرز عبقرية الهندسة التي جرى اعتمادها في المكان كقصر لقضاء العطل الصيفية وللخلوة، وكمكان ساحر يأخذ زائره عبر ممرات خاصة وحدائق تمتد لمئات الهكترات وتحتفظ بشكل تشيدها بعضها في القرن الثامن عشر، والآخر في القرن التاسع عشر، وتتميز بالتنوع والاختلاف بين الحديقة الإنجليزية والحديثة الرسمية على الطراز الهولندي القديم، وحدائق أخرى ممتدة نحو الأفق تزينها عديد من النفورات المنحوتة والمجسمات الأثرية، وإطلالات خاصة من شرف عالية تقع إلى جانب قاعات شرفية، فضلا عن ورود وزهور مختلفة تبرز جمالية هذه الحدائق وروعة المتنزهات الملكية التي تعطي إلى جانب عديد من أشكال الجمال الأخرى لمدينة سانت بطرسبرغ تجربة لا تنسى وتشكل مكان ساحرا لمحبي الفن والتاريخ والثقافة الروسية.

>إعداد: توفيق أمزيان

Related posts

Top