بيان اليوم تزور أبرز معالم العاصمة الروسية وتقترب عن كثب من أجواء “الكرملين” -الحلقة 4-

على الرغم من قساوة الطقس بها والبرد الذي ينطلق مع بداية أكتوبر، إلا أن روسيا الفيدرالية بمدنها المختلفة وخصوصا عاصمتها موسكو، تظل حية لا تهدأ، عبق من التاريخ ومتاحف شيدت لتظل شاهدة على غنى تاريخي متنوع. خلال رحلة سابقة لـ “بيان اليوم” لعاصمة روسيا في إطار تكوين خاص بالصحفيين من شمال إفريقيا والشرق الأوسط نظمته وكالة الأنباء الروسية “سبوتنيك” بشراكة مع البيت الروسي “روسوترودنيتشيفو الفيدرالية Rossotrudnichestvo” التابعة لوزارة الخارجية الروسية وشركاء آخرين، امتد من آواخر شهر شتنبر إلى أكتوبر الماضي، توقفت الجريدة، عند أبرز معالم الكرملين وإحدى أهم المنشئات الفيدرالية الروسية التي تحمل تاريخا عالميا هاما. وإلى جانب موسكو، مدينة سان بطرسبرغ كانت هي الأخرى ضمن جولة “بيان اليوم” إلى روسيا، حيث نقوم من خلال هذه السلسلة من الحلقات بإعادة تركيب مشاهد المدينتين التاريخيتين اللتين ظلتا شاهدتين على أحداث وطبعتا مسار التاريخ، ليس تاريخ روسيا وحدها فحسب، بل تاريخ العالم..

موسكو.. القلب النابض لروسيا

عقب نهاية رحلتنا بسانت بطرسبرغ، توجهنا إلى مطار بولكوفو حيث توجهنا عبر رحلة داخلية استمرت لساعة وربع تقريبا نحو مطار فنوكوفو الدولي بالعاصمة موسكو، التي تعد القلب النابض للفيدرالية الروسية.

موسكو قد لا تختلف كثيرا عن مدينة سانت بطرسبرغ باعبتارهما المدينتان الرئيسيتان في روسيا، واللتان تبرزان بتصاميم معمارية مختلفة تعكس تاريخهما وثقافتهما الفريدة، حيث نجد تشابها في شكل بعض المباني الأثرية، لكن تصميم المدينة الجوهري يختلف كثيرا، إذ أن موسكو مدينة مجهزة لحياة ملايين الأشخاص، وبها شوارع وشبكة طرق واسعة للغاية ومواصلات عامة مختلفة، مع كثافة سكانية توازيها كثافة السيارات في الشوارع والطرق الكبيرة بالمدينة، عكس سانت بطرسبرغ التي تحتفظ بجاذبية خاصة، وأغلب أزقتها لها طابع هادئ وتميل إلى كونها فضاء أثريا وثقافيا.

كذلك، نمط العيش، إذ أن موسكو، هي العاصمة والمركز السياسي والاقتصادي للبلاد، والتي تتميز بمزيج متنوع من العمارة القديمة والحديثة. وتضم المدينة معالم تاريخية بارزة مثل كاتدرائية القديس باسيل وقلعة الكرملين، والساحة الحمراء وأمكنة أخرى سنعود لها في الحلقات المقبلة، بالإضافة إلى مبان حديثة مذهلة مثل برج أوستانكينو وبرج فيدور الأخضر. ويميز المدينة كما ذكرنا سابقا شوارعها الواسعة والمترابطة والتي تعكس حياة المدينة الحديثة. أما سانت بطرسبرغ، فهي تمثل أسلوبا معماريا فريدا نظرا لتأسيسها على يد بطرس الأول والتأثير البارز للعصر الباروكي والنيوكلاسيكي. حيث تتميز المدينة بمبانيها الأنيقة والمتناسقة. كما تتميز سانت بطرسبرغ بنظام قنواتها المائية الرائعة التي تحدثنا عنها في الحلقة السابقة، والتي تمنحها لقب “البندقية الشمالية”.

بالإضافة إلى ذلك، تختلف طبيعة الحياة الثقافية والاجتماعية في كلتا المدينتين، حيث تعكس موسكو حياة المدينة الكبرى مع مراكز التسوق الضخمة والمطاعم والمقاهي الحيوية، في حين توفر سانت بطرسبرغ أجواء أكثر هدوءا ورومانسية مع مسارحها ومتاحفها العالمية الشهيرة.

وإن كان الجمال يجمع المدينيتن معا، فإن الاختلاف بينها يزيد من جعل كل واحدة منهما تتفرد عن الأخرى بطابعها، فخلال أيام مقامنا بموسكو، كان الأمر مختلفا من حيث الروتين اليومي والانغماس في الحياة العامة والتي يطبع عليها طابع الجدية والعمل وتنغمس مع باقي المواطنات والمواطنين الروس وباقي الجنسيات الأخرى التي تشتغل بالعاصمة، في دوامة الحياة، إذ تلمس جوا متسارعا بين الصباح والمساء ودينامية وحيوية لا تنتهي بانتهاء المساء، فالعاصمة موسكو تستمر بها أوجه الحياة على مدار 24 ساعة، ويكاد ليلها يشبه نهارها في الدينامية والحركية التي لا تنتهي.

وإذا كان الشعور في سانت يقارب أيام العطلة والسياحة والاستمتاع بالتراث، فإن موسكو تقارب السرعة في العمل والإحساس بالمسؤولية والانخراط في الدينامية المجتمعية والاقتصادية التي تفرضها كبريات المدن والعواصم المتروبولية.

كانت أول منطقة نعرفها في العاصمة موسكو بعد المطار هي “مارينا روشا” التي سنقيم فيها على مدى شهر من الزمن في إحدى الفنادق هنا، و”مارينا روشا” وهي منطقة وسط المدينة غير بعيدة كثيرا عن المركز ومنطقة الساحة الحمراء والكرملين، لها جاذبية خاصة، هادئة إلى حد ما، لكنها تتميز بشبكة طرق مترابطة تؤدي إلى باقي مراكز المدينة مع ربط فريد بالمواصلات، بوجود المترو الذي لا يتوقف حتى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل ويستأنف في الرابعة أو الخامسة صباحا، ثم حافلات النقل الحضري التي تشتغل على مدار 24 ساعة بدون توقف، ثم الترمواي والحافلات الكهربائية التي تشتغل حتى منتصف الليل، بالإضافة إلى سيارات الأجرة المختلفة والنقل الخاص عبر التطبيقات المتاح في كل وقت، بالإضافة إلى وسائل نقل حديثة موضوعة على الأرصفة والتي تختلف بين الدرجات الهوائية والكهربائية والتي يكفي أن تشغلها ذاتيا عبر تطبيق على الهاتف والأداء من خلاله عبر البطاقة البنكية بدون أي تعقيد.

التنقل وسط موسكو المدينة التي تعد من أكبر المدن في العالم والتي يقطن بها ما يزيد عن 12 مليون شخص غير معقد وسهل للغاية من خلال تنظيم محكم، ومن خلال ربط بتقنيات حديثة وأساليب متطورة تسهل على الأفراد استغلال شبكة النقل وتسهيل الأداء بشكل فريد، فعلى سبيل المثال قد تستغني عن بطاقة المترو أو بطاقة الحافلة بدون الحاجة لشرائها من خلال عرض البطاقة البنكية على جهاز المرور ليقتطع بشكل مباشر ثمن الرحلة والذي لا يتجاوز 60 روبل، والتي تعادل 6 دراهم مغربية.

أيضا، يمكن طلب سيارات الأجرة أو نقل خاص عبر العديد من التطبيقات الموضوعة لهذا الغرض مع تنافسية في الأسعار، ونفس الأمر بالنسبة للدراجات الكهربائية أو الدرجات الهوائية التي توضع بدون حراسة على العديد من الأرصفة والتي يمكن استغلالها عبر تشغيلها انطلاقا من الهاتف ووضعها في أي مكان تريد في إحدى الأرصفة مع إيقاف تشغيلها عبر التطبيق الهاتفي دائما.

هذه الهيكلة الخاصة تمكن من تنظيم حركة سير ومرور ملايين الأشخاص بموسكو كل يوم، وتتفادى المشاكل التي تعرفها العديد من العواصم والمدن المتروبولية في العالم من تكدس وازدحام وصعوبات في التنقل.

كما أن ما يميز العاصمة موسكو هو كيفية توزيع التجمعات السكنية، وتدبير المحلات التجارية عبر تجميع أغلبها ضمن مراكز تسوق كبرى تتوزع على مختلف الأحياء والمناطق، إذ تكاد تجد أكثر من مركزين كبيرين وضخمين في المنطقة الواحدة، الأمر الذي يسهل التنافسية ويساهم في عرض الخدمات ويمكن في نفس الوقت من تفادي التزاحم المستمر في هذه المراكز، فضلا عن خلقها رواجا مستمرا في كل منطقة.

الجميل أيضا مما لمسناه في موسكو هو جاذبية المناطق الخضراء والمنتزهات والتي تتوزع هي الأخرى على امتداد المدينة، وتتفرد كل منطقة سكنية بمنتزهها الأخضر أو أكثر، الذي يوفر ألعابا للأطفال وفضاءات للترويح عن النفس للمواطنات والمواطنين، وأماكن للاستجمام والراحة للعموم.

في الحقيقة، موسكو هي مثال للمدينة التي تعد ضمن أبرز الوجهات السياحية في العالم، بالنظر لتراثها المعماري والثقافي والتاريخي الفريد، فضلا عن كونها مركزا للأعمال والتجارة الدولي، بالإضافة إلى اعتبارها واحدة من أهم الوجهات للعاملين والباحثين عن سوق الشغل وعن فرص للاستثمار.

>إعداد: توفيق أمزيان

Related posts

Top