تتخذ سلطات محلية في الولايات المتحدة الأميركية المزيد من الإجراءات التشريعية للحد من تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الصحة العقلية للجيل الشاب، خصوصا بعد ربط العديد من حالات الاكتئاب والانتحار بهذه المنصات.
ويشير تقرير لموقع آكسيوس الإخباري الأميركي إلى أن ولاية يوتا أصدرت مؤخرا قانونا يحد من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للقاصرين، وإلى أن العديد من المؤسسات التعليمية في سياتل بواشنطن، وفي سان ماتيو بولاية كاليفورنيا تقاضي منصات تواصل وتتهمها بتقديم محتوى ضار للأطفال.
ويأتي ذلك في وقت شدد فيه الكونغرس ضغوطه لفرض حظر على تيك توك بسبب أمور عدة من بينها التأثير الضار على الأطفال.
فكيف تؤثر وسائل التواصل الاجتماعي على الأطفال؟ تجيب المعالجة النفسية والأخصائية في التقييم النفسي، ماري شاهين، في حديث لموقع “الحرة” على هذا السؤال قائلة إن الآثار تختلف بين الأطفال قبل سن التعلم (3 أو 4 سنوات) والأطفال بعد هذا العمر.
ووفق شاهين فإن الفئة الأولى يحرمها استخدام وسائل التواصل الاجتماعي (مثل عرض الفيديوهات لها والألعاب الإلكترونية) من اللعب الأمر الذي يحد من تنمية طاقاتها الفكرية التي توصلها إلى صياغة المفاهيم وتصورها والعقلنة، ويؤدي أيضا إلى الحد من مخيلة الطفل وتفكيره.
وتشدد على أن الطفل، قبل سن التعلم، يكون بحاجة كبيرة وأساسية إلى تنمية الحس الحركي من خلال لمس الأشياء وتشغيل حواسه والتعلم.
وتحرم وسائل التواصل الاجتماعي الطفل من التفاعل الإنساني والاجتماعي خصوصا مع الأم، وتقول شاهين: “نلاحظ في عيادتنا أن الكثير من الأطفال يكون نموهم الفكري جيد نوعا ما، إلا أن نموهم اللغوي والتواصلي والاجتماعي سيئ. وجراء ذلك يصلون إلى عمر السبع سنوات مع تواصل لغوي ضعيف”.
ويلاحظ الأخصائيون النفسيون هذا الأمر في اختبار الذكاء للأطفال، الذي يبين مؤخرا لدى العديد من الأطفال مستوى ذكاء لغوي ضعيف جدا، وفق شاهين.
أما بالنسبة لتأثير استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على الأطفال بعد دخول عمر التعلم، فتقول شاهين: “نلاحظ الوقت الطويل الذي يمضيه الأطفال بهذا العمر خلف شاشة الهواتف الذكية. وينعكس ذلك على انخفاض التفاعل العاطفي مع الآخرين، ويحرمهم استخدامهم لوسائل التواصل والألعاب الإلكترونية من مشاركة الأحاسيس والمشاعر، ولاحقا يعجزون عن تنمية التواصل الاجتماعي في مدارسهم”.
ومن أضرار وسائل التواصل على الأطفال تعطي شعورا بالسيطرة والتحكم، الأمر الذي يحرم الأطفال من الواقعية، وفق شاهين.
وتضيف: “يفقد الأطفال جراء تمضيتهم أوقاتا طويلة خلف شاشات هواتفهم التركيز وتضعف ذاكرتهم، ويتبين لديهم الكثير من المشاكل في الكتابة والنطق”.
وتعرض وسائل التواصل الاجتماعي، (وليس بالضرورة حسابات المواقع الإباحية)، على الأطفال أفكار وكلمات وإيحاءات جنسية قبل الوقت المناسب وبطريقة خاطئة. خصوصا على منصات التواصل الاجتماعي الشهيرة لدى الأطفال مثل تيك توك، حسب شاهين.
وتشدد على أن ذلك يؤدي إلى صدمات نفسية كبيرة ومعاناة لاحقة للأطفال، الأمر الذي يزيد الخوف والقلق جراء المشاهد التي يتعرضون لها على تيك توك ومن محتويات تتضمن مشاهد أو كلمات أو إيحاءات جنسية.
وتؤكد أن الاستخدام المبكر لوسائل التواصل الاجتماعي بالنسبة للأطفال يضر بنموهم الجسدي بسبب جلوسهم معظم الوقت أمام الشاشة، هذا فضلا عن ضيق مخيلتهم، فينحصر مستواهم الفكري ببعض الشخصيات التي تظهر على مواقع التواصل والتي في كثير من الأحيان تسبب لهم العديد من المشاكل النفسية.
وتلفت شاهين إلى أن أكثر ما يضر بالأطفال هو تطبيق تيك توك الذي يدخل تصرفات غريبة على وعي الطفل، الذي يقلد مشاهير التطبيق، وتصبح تصرفاته عنيفة ونرجسية إلى حد معين.
وتعتبر أن 13 أو 14 سنة، هو العمر الأمثل كي يبدأ الطفل باستخدام وسائل التواصل، لكن ضمن مراقبة ومتابعة من الأهل، ويتوجب عليهم التنبه فورا عندما ينزوي المراهق خلال استخدام هذه المنصات.
وتحذر شاهين من أن استخدام الأطفال لوسائل الاجتماعي يؤدي في كثير من الأحيان إلى الاكتئاب، والبعض منهم يصل إلى حد التفكير أو الشروع بالانتحار، لأن هذه التطبيقات تفصل الطفل عن واقعه وتزيد من حبه للسيطرة، فتكبر الـ”أنا” لديه، من خلال سعيه لزيادة التفاعل على صوره غير اللائقة لعمره، ولكن عندما يصطدم بمشكلة في الواقع لا ينجح في معالجتها.
وتشرح شاهين أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يولد اكتئاب لأن تفاعل الدماغ ينحصر، وهذا النمط يؤدي إلى اضطرابات في الإفرازات في الدماغ، وبدلا من إعطاء مواد تحفز السعادة، يفرز الدماغ بعض المواد التي تحفز الكآبة.