تحالفات وتحالفات…

يعود الحديث عن موضوع التحالفات والتكتلات السياسية إلى الواجهة، وتبرز مساعي هنا، و»تنظيرات» هناك، وبينهما كثير كلام سمعناه مرارا، وسمعنا نقيضه أيضا من نفس الأفواه، وكما المرات السالفة يتأكد اليوم أيضا أن التحالفات التي تبنى على الطارئ والظرفي وعلى نزوات الأشخاص لا تنتهي إلا إلى الفشل، أو على الأقل إلى إعادة تكرار البدايات وأخطائها.
لقد تحققت لبلادنا وشعبنا كثير مكاسب سياسية وديمقراطية بفضل تكتلات سياسية وطنية وديمقراطية صنعها الذكاء الجماعي وبعد النظر لقادة حقيقيين، وأفرزتها ديناميات حزبية ومجتمعية حقيقية، ولكن عندما يجري اختزال المبادرات السياسية الكبرى في مجرد جر هذا الطرف أو ذاك إلى هذا الاصطفاف أو ذاك، والانتظام في إطار لعبة قصيرة النظر والمدى والأفق، فإن الأمور كلها لن تغادر دائرة البدايات في نهاية المطاف.
إن التحالفات اليوم تبنى على أساس قواسم برنامجية مشتركة يجري الاتفاق عليها، وهي أيضا تبنى في استحضار تام لمصالح البلاد وأهلها، وأيضا كنتاج لتحليل ملموس للواقع الملموس، كما هو وليس كما نحلم به أن يكون، واعتبارا لذلك، فإن معركة التنمية في بلادنا، وتقوية الديمقراطية والاستقرار، ومحاربة الفساد والريع هي محددات جوهرية في كل اصطفاف سياسي جدي.
ما يجري اليوم في المغرب، لا يجب حصره فقط في النزاع داخل الأغلبية وحواليها، وإنما يجب وضعه ضمن إطار أكبر، يتعلق بمغرب ما بعد دستور فاتح يوليوز 2011، وعجز الطبقة السياسية كلها، بهذا القدر من المسؤولية أو ذاك، عن رسم وبناء معالمه المختلفة كليا عن الزمن  السالف له، أي أن البلاد لم تنجح في دخول زمنها الجديد، ديمقراطيا ومؤسساتيا وسياسيا وتنمويا وثقافيا.
هنا توجد «الأشياء الجدية» فعلا، وليس الباقي سوى تفاصيل وجزئيات أنتجها العجز المشار إليه.
لقد تابعنا تأويلات رجعية ونكوصية للنص الدستوري عرضها قادة حزبيون، وتابعنا أيضا كيف أن قادة أحزاب كانوا قد ولوا وجوههم من قبل نحو وجهات تحالفية معينة ولما أفل نجمها، عادوا لشتمها وانتقادها، مفضلين وجهات تحالفية نقيضة، وكأن المغاربة بلا ذكاء أو ذاكرة، ولا زلنا نتفرج إلى اليوم على أحزاب كانت طيلة عقود تبدي محافظة واضحة لا غبار عليها في قضايا المرأة وحقوق الإنسان والتعدد اللغوي والانفتاح، تتحول اليوم إلى مدافعة عن الحداثة والتقدم والمساواة، وكأن كل من كان يعرف مواقفها ويقرأ أدبياتها قد مات، ولم يعد اليوم حيا ليقدم الشهادة عن كل هذا العبث المنبعث بيننا.
الخطير اليوم في حقلنا الحزبي والسياسي أن بعض وجوهه يصرون على ممارسة السياسة بواسطة الأوهام عن أنفسهم وعن الواقع، وعن طريق النفخ المرضي في الذات وفي حناجر الصراخ، ولا يدركون أن البلاد، في نهاية الأمر، تحتاج اليوم إلى نضج طبقتها السياسية، وإلى وجود زعماء حقيقيين، وإلى أفكار، وإلى كثير من… العقل.

Top