زرعت على وجهها الشاحب من فرط التعب ابتسامة تخفي معارك الحياة البائسة، وجعلتها تلتزم بصمت وتنتظر من يدس لها بضع دريهمات على قارعة الطريق بالدار البيضاء، لتضمن استمرارية العيش.
تلمح في عينيها دمعة أخذت بعض الجرأة لتسقط من مقلتيها، وتحدث عن أكثر ما تعيشه من مرارة الحياة وأنواع المعاناة داخلها.
جلست على قارعة الطريق بعد تعب شديد، وسحبت قارورة ماء لتلتهمها بلهفة، ثم قالت: “قهرنا الزمان وصرت وكأنني بعمر 100 سنة، أستيقظ كل يوم مبكرا، للجلوس على قارعة الطريق من أجل جمع بعض النقود من المارة من الناس، والتي قد تصل إلى 30 درهما كأكبر مبلغ”.
وتابعت حديثها قائلة: “جائحة كورونا تركتنا نعيش معاناة داخل معاناة، من كراء ومصاريف العيش، حتى ظللنا نصارع من أجل البقاء على الحياة أولا، وثانيا لنحصل على قوت يومي بسيط”.
عائشة إحساسي تبلغ من العمر65 سنة، سلكت هذا الطريق لجلب قوت يومها، نظرا لضعف قدرتها على العمل وتحمل مشقته.
ومن زاوية مقابلة لها، كانت تنظر لنا خديجة سبعينية بعينين جاحظتين، جالسة هي الأخرى على قارعة الطريق تنتظر من يمدها بنقود تسد بها رمق جوعها.
عدلت من جلستها، وبعد صمت عميق وبوجه غير مكشوف قالت: “نعاني أشد العذاب، زوجي طريح الفراش وليس لدي أبناء لكي يعيلوننا، أنا محظوظة اليوم كوني جمعت 10 دراهم، أما غيري لم يجمع أي شيء”.
وتردف خديجة في حديثها مع بيان اليوم: “نحن من بين الضحايا والمظلومين وسط أولائك الذين يقبلون على التسول والتحايل وحالة عيشهم أفضل منا، بل وهناك من له القدرة على العمل ونهج هذا الطريق لجمع قوته اليومي”.
خديجة وعائشة ما هما سوى نموذجان مصغران لٱلاف الأسر التي باتت تكتوي بنار الفقر، وتنزلق يوما بعد يوم إلى شريحة المتسولين والمشردين والمنسيين.
وأنت تتجول في شوارع العاصمة الاقتصادية والأحياء السكنية الكبرى، يجذب انتباهك الانتشار الواسع والكثيف للأطفال والنساء والشيوخ الذين اتخذوا من التسول طريقا لجمع قوت يومي ومورد رزق لا غنى عنه، فبغض النظر عن التسول التقليدي الذي أصبح مألوفا لدينا، برزت فئات تمزج بين التجارة والتحايل والتسول.
تضاعف معدل الفقر
وتطالعنا الأرقام الحديثة للمندوبية السامية للتخطيط والبنك الدولي عن تضاعف معدل الفقر في المغرب بمقدار 7 مرات عقب الحجر الصحي، لتنتقل نسبة الفقر من 17.1 بالمائة في سنة 2019، إلى 19.87 بالمائة في عام 2020. وهذا يرجع إلى فقدان أغلب الأسر لمصدر الدخل، بسبب توقف أنشطتها عقب الوضع الوبائي.
وبعد عودة الحياة الطبيعية تدريجيا، أصبحت المناطق الحيوية بالدار البيضاء ومدن أخرى مغربية تعج بالمحتاجين ممن اختاروا طريق التسول لسد رمقهم من الجوع.
وخلال فترة الحجر الصحي، اهتدت الدولة إلى تخصيص دعم مالي لفائدة 5 ملايين أسرة، للحد من تداعيات أزمة كورونا الاجتماعية والاقتصادية.
والتزمت المملكة المغربية منذ سنة 2015، بالاستجابة للتحديات المشتركة المدرجة في أجندة 2030، والتي وضعت القضاء على الفقر بكافة أشكاله على رأس أهداف التنمية المستدامة.
وفي السياق ذاته، فإن المملكة واكبت الحملة الوطنية للتلقيح والاستفادة من الجرعة الأولى والثانية منذ شهر يناير لهذه السنة، واليوم الٱمال معقودة على تسريع هذه الحملة حتى نعود للحياة الطبيعية بشكل كامل، في انتظار الالتفاتة الحقيقية لهذه الفئة الهشة، لإنقاذها من التسول والتشرد والضياع بسبب الفقر.
* فوزية البوراحي (صحافية متدربة)