لفت محمد براص عضو بمديرية التاريخ العسكري التابعة للقوات المسلحة الملكية، مختص في التاريخ العسكري المغربي، الانتباه إلى عدم اهتمام الباحثين والمؤرخين بالفكر العسكري المغربي، وأن الكتابات الغربية حول المعارك والحروب التي خاضها المغاربة تتصف بنوع من السلبية، وتضعها خارج البعد الإنساني، وترسم أصولها وفق “طابع العنف” و”المبالغة في استعمال القوة” و”سفك الدماء” و”تخريب الدور والمساكن” و”تفكيك أصول الاجتماع البشري”.
وقال محمد بوراص في معرض مداخلته خلال مشاركته في الندوة الدولية التي نظمتها اللجنة الوطنية للقانون الدولي الإنساني ورئاسة جامعة القرويين، نهاية أكتوبر المنصرم بالرباط، “إن المعنى الفلسفي للحرب عند غاستون بوتول، يفتح الباب لرصد تجربة فكرية تاريخية مغربية في مجال الحروب والنزاعات قلما يتم الاهتمام بها، بحكم طابعها من حيث الكتابة التاريخية والتدوين بشكل عام، فأغلب الدراسات التي اهتمت برصد مجال الفكر العسكري، رسمت معالم أصوله البنيوية والمعرفية انطلاقا من استحضار تجربة الغرب في مفهومه الإيديولوجي”، مشيرا إلى أن الذاكرة الأوربية تم وشمها بمعالم الغرابة والاستهجان، وانعدام الجانب الإنساني لأشهر المعارك التي خاضها الجيش المغربي ضد القوى المسيحية، كما هو الحال بالنسبة لمعركة الزلاقة الشهيرة التي انتصر فيها الجيش المرابطي على قوات الملك الإسباني ألفونسو السادس، في23 أكتوبر من العام 1086م.
وأضاف محمد براص الأستاذ المحاضر بالكلية الملكية للدراسات العسكرية العليا وبالأكاديمات والمدارس العسكرية المغربية، إن الحرب وفق ما أكد الكاتب عبد الرحمان محمد العيسوي، تمثل بدورها فعلا تاريخيا قويا، يستوجب استحضار فكر عسكري عميق لخوضها وتحقيق النصر فيها بمعانيه النفسية والميدانية في آن واحد، وهو الفكر الذي ينطوي على مفهوم العقلانية، اللصيقة بالتقيد بالمبادئ الإنسانية التي يسقطها الغرب عن الفكر العربي والإسلامي عموما، والمغربي خصوصا.
وأوضح المتدخل أن أولى معالم هذه العقلانية في جانبها الإنساني وعلاقتها بخوض الحروب لدى المغاربة، تتمثل في اهتمامهم المبكر بالمدلول الفكري والمفاهمي والاصطلاحي المعبر عنه بمسألة “تدبير الجند وسياسة الحروب وقوانينها، وهي المفاهيم التي سُطرت بشكل متأخر لدى الغرب في رسم معالم تدبير الحرب بناء على ما رسمه القانون الدولي الإنساني” والمتمثلة أساسا، بحسب محمد براص في حماية ضحايا النزاعات المسلحة وتنظيم العمليات العدائية استنادا إلى التوازن بين الضرورتين العسكرية والإنسانية، فالحرب يضيف المحاضر “ليست مجالا مفتوحا للقتال والصراع، بل تمثل قاعدة سامية لتحقيق مطلب العدالة، ولا تمثل عودة للهمجية على حد تعبير فريديريك غورو”.
وذكر براص خلال هذه الندوة التي كانت حول موضوع “أحكام القانون الدولي الإنساني في الإسلام” أن محمد بن الحسن المرادي صاحب كتاب “الإشارة في تدبير الإمارة” كان من أبرز مستشاري يوسف بن تاشفين في شأن خوض المعارك وأصول الحقوق فيها، مشيرا إلى أن الأمر لم يكن عبثيا، بل مبنيا على أصول فكرية عميقة الدلالات، تنتقل إلى أسمى الغايات في النصح في مباشرة الحرب، بما في ذلك تقديم النصح للعدو درءا لسفك الدماء وتخريب الديار وهلاك الأمم وقتل النساء والأطفال، وفي ذلك يشير المرادي، قائلا: “واحرص على شكر عدوك وصديقك باجتهاد في النصيحة”.
وبخصوص مسألة خوض المعارك، شدد محمد براص على أن المغاربة، عبر التاريخ لم يغفلوا أصول المبادأة في الحرب وشروطها، وفقا لما هو منصوص عليه في القانون الدولي الحالي، واستدل على ذلك بما أشار إليه المرادي الذي قال “إن للملك الحق في أن يبدأ عدوه باللين، والمسالمة، والبذل، وطلب المواصلة، والسكون، فإن لم يفعل، أو كان الحال في الحال ما يقتضي ذلك، رجع معه إلى الكيد، والحيلة، وتشتيت الأصحاب، وتأليب الأعداء عليه، وتسليط الغرباء له على عداوته، وأخذ الأمور بما ينفق فيه القول دون الفعل، ولا يصل معه إلى الحرب حتى تعوزه الحيل كلها” كما استدل على ذلك بما قاله الحكماء من أن “أكيس القوم من لم يلتمس الأمر بالقتال ما وجد إلى غيره سبيلا”.
ومن ثمة، أوضح المحاضر أن المعنى القانوني في مسألة الحرب وفق القانون الدولي المعاصر، يقوم على اعتبار قاعدة إعلان الحرب تشكل حكما قانونيا متفقا عليه منذ القدم، تطورت إجراءاته القانونية من فترة إلى أخرى، إلا أن القادة المغاربة كانوا على وعي تام بضوابطه الشرعية في تاريخ معاركهم وحروبهم، ويستحضرون قيمته الأخلاقية والإنسانية، مشيرا إلى أن فعل مباشرة الحرب، يتأسس على نظم إنسانية، مستوحاة في مبادئها من الشريعة الإسلامية والقيم الإنسانية، ومنها تحريم الإقدام على مقاتلة الأعداء غرة، واشتراط أن يسبق قتالهم الإنذار، باللين والمسالمة، وإن كان فعل المباغتة من الناحية التكتيكية يشكل أساس خوض المعارك المعاصرة.
وأضاف براص، في السياق ذاته، أن المقصود ضمن هذا البعد، ليس مباشرة الحرب في خططها التكتيكية، بل العمل على وضع أسس التفاوض وتجنب الصدمة المباشرة قبل وضح أسس السلم في حالة إمكانية إنجازه. أي ما ينسجم مع القانون الدولي المعاصر في مفهوم إعلان الحرب، وهو الإخطار بسبق البدء في الأعمال الحربية المباشرة، وفق ما أشارت إليه معاهدة لاهاي لسنة 1907، في إقرارها بضرورة الإعلان عن الحرب قبل الشروع فيها، إذ تشير المادة الأولى من هذه المعاهدة، إلى ضرورة التزام الأطراف المتعاقدة بعدم القيام بأي أعمال عدوانية بدون إنذار مسبق، إما بشكل بيان بإعلان حرب أو بالإنذار مع إعلان مشروط بالحرب كما تنص المادة الثانية منها.
وذهب محمد براص إلى التأكيد على أن تنظيم شؤون الحرب لدى المغاربة، واحترام أسسها الإنسانية، رغم عنفها، بالمعنى الدلالي والفلسفي، قد جعل المفكرين المغاربة في المجال العسكري، والذين أغلبهم لازال مغمورا في الدراسات التاريخية العسكرية الغربية والعربية بشكل عام، يربطون ما بين تنظيم شؤون الدولة والحفاظ على هيبتها، وما بين أسس “المصداقية القانونية للدولة في خوض المعارك وفق المنظور المعاصر في العلاقات الدولية”، مشيرا إلى أن معاني التنبيه للقوات المسلحة في عدم استغلال النصر للقيام بالانتقام أو الاعتداء الغير مشروع، قد أفرد لها جمال الدين يوسف بن أبي حجة، من أهل القرن السابع الهجري، الثالث عشر الميلادي، والذي تفقه المغاربة بعلومه واحتفظوا بمؤلفه حيزا مهما في بحثه عن أسس السلم والحرب، واستشهد في ذلك بما أورده بن أبي حجة في كتابه “رعاية الرعية” الذي أكد فيه على أنه من واجب السلطان منع جنده من ظلم الرعية والاعتداء عليها بما في ذلك ظلم المكونات الإثنية والأقوام غير مسلمة، في توصيف موسع عن ما هو وارد في اتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب.
إلى ذلك وقف المحاضر، في سياق حديثه عن الفكر العسكري المغربي، وما يلازمه في شأن قوانين الحرب، عند ما أورده ابن خلدون في مقدمته، وما تضمنته من تنظير في شأن الحروب وآدابها، مشيرا إلى أن المقاربة الخلدونية في مجال الحرب، تستند على رصد الجانب التنظيري منها، أكثر منه نحو الجانب التكتيكي العملي المباشر في خوض المعارك، لما للشق الأول من اتصال بمجال أخلاقيات الحرب وعلاقتها بالجانب الإنساني. فقد أفرد بن خلدون، وفق ما أورده محمد براص، فصلاً خاصاً في موضوع الحروب ومذاهب الأمم في ترتيبها، مشيرا إلى أن الوقوف على المضامين الفكرية لابن خلدون في المجال الحربي وربطها بالسياق المعاصر على المستوى الحقوقي والإنساني، لابد وأن يأخذ بعين الاعتبار لما تم التنبيه إليه من قبل محمد عابد الجابري في دراساته عن فكر ابن خلدون: “العصبية والدولة، معالم نظرية خلدونية في التاريخ الإسلامي”، حيث أشار إلى أهمية الأخذ بناصية البيئة التي تولد فيها فكر ابن خلدون وخط نظريته في التاريخ الإسلامي، بما فيها الشق المتعلق بالحروب والمعارك، والتي يصعب حصرها في سياق معين دون الأخذ ببقية العوامل المحددة والفاعلة فيها.
لكن ابن خلدون، يضيف محمد براص، لم يخف أهمية الجانب الأخلاقي من وجهة نظره في الحرب، بتقسيمه لها إلى صنفين، يتمثل الأول منها في حرب البغي والفتنة، ويدرج ضمنها حروب الغيرة والمنافسة وحروب العدوان، وهي المنبوذة ولا تقرها الشريعة الإسلامية ولا العقل الإنساني، والتي لها أضرار كبرى على الإنسانية.
إن الإقرار بوجوب الحرب حسب المعطيات ذاتها، يقول براص “لا ينفي ضرورة البحث عن أصولها القانونية، على مستوى الفعل العسكري المباشر، حيث تتحدد معالم ما يعرف من الناحية القانونية ببدأ الأعمال الحربية، إذ يؤكد فقهاء القانون الدولي على أن إعلان الحرب هو شرط ضروري قبل ابتداء العمليات العسكرية، وهو بمثابة الإخطار بسبق البدء في الأعمال الحربية، يفيد أن الدولة في حالة حرب مع غيرها، حيث أوجبت معاهدة لاهاي للعام 1907، ضرورة الإعلان عن الحرب قبل الشروع فيها، كما تشير المادة الأولى من المعاهدة إلى إلزام الأطراف المتعاقدة بعدم القيام بأي أعمال عدوانية بدون إنذار مسبق، كما أن طرق الخداع غير مشروعة ومحظورة، وخاصة المتنافية منها مع الشرف”.
وفي السياق ذاته، يضيف المحاضر، فقد استمر الجيش المغربي في الحفاظ على عدد من المبادئ الإنسانية في صراعاته مع القوى المسيحية تحديدا، حيث تزخر المصادر الوسيطية بعدد وفير من نصوص الاتفاقيات والمعاهدات، وتحتفظ دور الأرشيف الغربية بعدد منها، وهي في أحلى صورها الجمالية من حيث الكتابة والزخرفة ورونق التخطيط، مما يعبر عن مصداقيتها وجدية القادة الذين سطروها، وتؤسس إلى مناصرة الجيش المغربي للقوى الحليفة على الجيوش التي كانت ترتكب أعمال السفك والتخريب أيضا، من ذلك إظهار أبي سعيد الثاني المريني(800-823) العزم على دعم الممالك ضد التتار، في شخص فرج بن برقوق، مشيرا إلى أن الجيش المغربي عمل في العهد المريني على تقديم نماذج بالغة الأهمية في إثبات الدعوة إلى تحقيق السلم وفض النزاعات والصراعات، حفاظا على مبدأ الاستقرار والسكينة الإنسانية بالرغم من اختلاف العقائد والأديان، حيث كان للمرنيين دور بارز في تأكيد تحالفهم مع مملكة أركون، واقتراح وساطة من لدنهم لتحقيق الصلح والسلام ما بين الأراكونيين والغرناطيين، وقد جاء ذلك في رسالة عن السلطان المريني يوسف إلى ملك أركون خايمي الثاني، بتاريخ 18 ذي القعدة 703هـ.
وأورد محمد براص مجموعة من الصور البارزة التي توضح أن تطبيق المبادئ الإنسانية في معارك الجيش المغربي عديدة، بالرغم من عنف المراحل التاريخية الصعبة التي طالت المغرب بحكم تعرضه الدائم للهجومات الأجنبية على أراضيه من شماله إلى جنوبه، قد ظل حاضرا لدى حكامه وقادته العسكريين ضمن مسار قانوني منظم للعمليات الحربية التي خاضها الجيش المغربي، حيث حرص السلاطين العلويون على بناء علاقات سلمية مع عدد من القوى الأجنبية، وسعوا إلى تفادي المواجهات المباشرة معها حقنا للدماء بالرغم من تعنت العديد من القوى الأوربية في الرغبة في استعمال القوة ضده، وهو ما كان يجيب من جانب آخر، تطبيق مبدأ الرد المشروع على تلك الهجومات بحكم تهديدها للسيادة المغربية، من دون تجاوز مبادئ الحرب وقوانينها، كما هو متعارف عليه.
وأشار المحاضر، في السياق ذاته، إلى بعض المحطات في التاريخ العسكري المغربي، لإبراز مدى حضور الجوانب الإنسانية، من ذلك المجهودات الدبلوماسية القوية التي بذلها السلطان مولاي إسماعيل من أجل تحرير مدينة طنجة من يد الإنجليز، وحرصه على صون الدماء بتفضيله للخيار الدبلوماسي المبني على عنصر الحوار، فكان في ذلك القائد بن حدو الريفي الذي ذهب في سفارة إلى بريطانيا تضمنت ثلاث نقط أساس، تمثلت الأولى منها في التفاوض حول تحرير الأسرى، وهو المبدأ الذي كثيرا ما نادت به المنظمات الحقوقية في عصرنا الحالي، والثانية كانت تتعلق بتحرير مدينة طنجة بعد حصارها من السلطان مولاي إسماعيل، والثالثة مرتبطة بعقد مشروع معاهدة للسلام والتجارة. حيث جمعت السفارة، يضيف محمد براض، ما بين المبادئ الحربية في تحقيق التفاوض الدبلوماسي الرزين، والذي كان بن حدو خير مثال يقتدى به فيه، وما بين تحقيق الجانب الإنساني في تحرير الأسرى ما بين البلدين، بينما حدد الهدف الثالث في النظر إلى المستقبل، بعقد اتفاقية سلام وتجارة يستفيد منها الشعبان المغربي والبريطاني على حد سواء، عرفت باتفاقية وايت هول، وقد وقعت في23 مارس من العام 1682م.
وإذا كان القانون الدولي، وفق محمد براص، قد قرر أن أساس العلاقات الدولية هو السلم حتى يتيسر تبادل المنافع، والتعاون على بلوغ النوع الإنساني درجة كماله، واعتبر أن الحرب ضرورة قصوى يُلجأ إليها، وهي الدواء الأخير إذا استعصى الداء، إذ لابد لحماية هذا السلام من اتخاذ التدابير الكافية لتحصين الحدود والثغور، وإعداد العدة الملائمة تجاه أي عدوان، فإن هذه البنى التنظيمية، يقول المحاضر، “نجدها أساس الاتفاقيات والمعاهدات التي تم إبرامها ما بين المغرب وعدد من الدول الأوربية على عهد السلطان سيدي محمد بن عبد الله، حيث بلغت حوالي أربع وثلاثين معاهدة واتفاق مع أكثر من إثني عشر قوة بحرية على امتداد خمس وثلاثين سنة، وهي اتفاقيات يصعب الفصل في مجملها في وقت وجيز، مما يفرض نهج أسلوب المدرسة التاريخية الألمانية بالعودة إلى بعض معان نصوص بعض الاتفاقيات وتفسيرها وتحليلها بناء على المقارنة والخصوصية في آن واحد”.
وأورد محمد براص، في هذا السياق، مضمون أول اتفاق دولي عقده الأمير سيدي محمد بن عبد الله مع ملك الدانمرك في18 يونيو سنة 1753م والذي كان مرتبطا بالجانب البحري العسكري، وبالضبط بمشكلة الأسرى حيث يتعهد بموجبه الملك الدانماركي بصفته الممثل الشرعي لبلاده بعدم أسر أي بحار مغربي، كما يتعهد بحماية جميع البحارة المغاربة الذين يفدون على مراسيه، ويؤمن لهم الطريق للوصول إلى حيث يريدون، بحيث لا يسلمهم لأية قوة مسيحية معادية للمغرب، بالمقابل فإن المغرب يتعهد من جانبه بتوفير السلم والأمان على الدوام، أي أن تعهده في مجال السلام غير مقنن بالزمان ولا المكان، هذا التعهد غالبا ما يتم تحديد القاعدة الأساس له بمعناه القانوني من منظور عقائدي يعطي للاتفاق بعده الروحي والتزاماته الشرعية من المنظور الإسلامي. هذه المضامين نجدها بارزة في اتفاقية جنيف، وإن بصيغ قانونية مختلفة، لكن أهدافها موحدة. وهو ما يوضح أن الاتفاقيات التي عقدها السلطان سيدي محمد بن عبد الله، طبعت بعدد من المبادئ القانونية المتقدمة على مستوى فقه القانون الدولي.
وخلص محمد براص المتخصص في التاريخ العسكري المغربي، إلى أن الجيش المغربي ظل يحرص على مبدأين أساسين في صراعاته وحروبه مع القوى الأجنبية، أولها العمل على تطبيق مبدأ الدفاع عن الوحدة الترابية وسيادة البلاد، من الهجومات التي كان المغرب عرضة لها من أقدم العصور، وثانيها العمل على التشبث بمبدأ القيم الإنسانية في النزاعات والحروب التي خاضها أو تلك التي توسط في حلها ونَشَر السلام عبرها، وهي القيم التي تتوافق في مجملها مع المنظور المعاصر لفقه القانون الدولي في شأن أحكام الحرب والسلم، بل لها خصوصياتها في مجال التطبيق والفعل الدفاعي العسكري، إذ غالبا ما ترتبط بهيبة البلد واعتزاز حكامه بانتمائهم له، وتأكيدهم أن المغرب بلد القيم والأخلاق الإنسانية والقوة والردع للعدو.
وأشار محمد براص في السياق ذاته، إلى تلك المبادئ التي جاءت في الرسالة السامية التي وجهها جلالة الملك محمد السادس، القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، إلى أفراد التجريدة المغربية المتوجهة إلى إقليم كوسوفو يوم السبت 30 أكتوبر من العام 1999 ؛ وهي أول تجريدة يرسلها المغرب في إطار عمليات حفظ السلام الأممية في عهد جلالة الملك محمد السادس، حيث أكد فيها جلالته، على أن مبادئ وعمل القوات المسلحة الملكية تنسجم مع الدفاع عن الحرية والكرامة وخدمة القيم الإنسانية، مع مد جميع المساعدات اللازمة للمتضررين أفرادا وجماعات من جراء هذه المأساة، وعلى وجه الخصوص منهم الأطفال والشيوخ والنساء، وهي المبادئ التي يدافع عنها القانون الإنساني المؤطر لعمل القوات على المستوى الحقوقي، حيث قال جلالته في رسالته السامية:
“معشر الضباط وضباط الصف وجنود التجريدة:
(…) إنكم بمشاركتكم هذه؛ ستضيفون في سجل تاريخنا الحافل صفحات جديدة إلى ما سبق أن سجله عنكم هذا التاريخ من حضور مستمر في كل الساحات دفاعا عن الحرية والكرامة وخدمة للقيم الإنسانية. وستسجل مساهمة تجريدتكم على غرار التجريدات السابقة لتذكر العالم بالأبعاد الأخلاقية والإنسانية لمشاركة المغرب بهذا الإقليم وبما تتضمنه هذه المساهمة من دلالات نبيلة قوية.
وتمسكوا – حفظكم الله – بتعاليم ديننا الحنيف وبما أقره من رفق ومؤازرة واعملوا يدا في يد (…) ولا تألوا جهدا في مد جميع المساعدات اللازمة للمتضررين أفرادا وجماعات من جراء هذه المأساة وعلى وجه الخصوص منهم الأطفال والشيوخ والنساء (…).
< إعداد: محمد حجيوي