كان من المفترض أن تتفق المعارضة السياسية المنقسمة في تركيا الاثنين الماضي على مرشّح مشترك لمواجهة طيب أردوغان عبر صناديق الاقتراع.
ولكن كارثة الزلزال الذي أودى بأكثر من 35 ألف شخص في تركيا وسوريا، أدّت إلى تأجيل اجتماع كان مقرّرا في هذا الصدد، كما ألقت بظلال من الشك على موعد الانتخابات في ماي.
وفي هذا الإطار، تروّج مصادر الحزب الحاكم والمعارضة بشكل كثيف أنّ أردوغان سيؤجّل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في الرابع عشر من ماي، في أعقاب أسوأ كارثة شهدتها تركيا في العصر الحديث.
ويقول بيرك إيسن، الأستاذ المساعد في العلوم السياسية في جامعة سابانجي في إسطنبول، “هذا سيغيّر الأمور، ليس فقط بالنسبة إلى الحكومة، ولكن بالنسبة إلى المعارضة أيضا”.
الأحداث المرعبة التي خلفها الزلزال منحت المعارضة السياسية ذخيرة جديدة ضدّ الحكومة مدفوعة بالغضب الشعبي والنقمة
كذلك، يرى الخبراء أنّ الزلزال وأيّ تأخير في التصويت، يمكن أن يكونا من العوامل التي تغيّر المشهد السياسي، والتي قد تتمثّل في فرص ومخاطر جديدة.
وبالتالي، بات لدى معارضي أردوغان المزيد من الوقت للتوصّل إلى إجماع بعد تأجيل اجتماع الاثنين إلى موعد غير محدّد، في ظلّ عدم تمكّنهم من الاتفاق على مرشّح منذ أكثر من عام.
ويرى المحلّلون أن عليهم استغلال الوقت بحكمة، في محاولة للاستفادة من الغضب العام في ضوء النطاق الهائل للدمار، من دون أن يبدو ذلك سعيا لتحقيق مكاسب سياسية من المأساة.
وفي هذا الإطار، يقول المستشار في المخاطر السياسية أنتوني سكينر، إنّ “الأحداث المرعبة منحت المعارضة السياسية ذخيرة جديدة ضدّ الحكومة، ذخيرة مدفوعة بالغضب الشعبي والنقمة”.
لم ينطق أردوغان بكلمة واحدة عن الانتخابات منذ الزلزال، ولكنّه يظهر على شاشات التلفزيون مرارا في اليوم، وهو يواسي الناجين ويعزّي الأمة.
لطالما اعتبر كمال كليتشدار أوغلو، وهو موظف حكومي سابق يتمتّع بدعم وطني فاتر ويرأس الحزب العلماني الرئيسي في تركيا، المرشح الأوفر حظا لمواجهة أردوغان.
ولكن ميرال أكشينار من حزب “الخير” القومي ترفض هذه الفكرة، ويبدو أنّها تدعم رئيس بلدية إسطنبول المعارض الشعبي أكرم إمام أوغلو بدلا منه.
يقول إيسن “كانت المعارضة في موقف حرج للغاية” مع انقسامات كثيرة. ويضيف أن السيناريو الأكثر ترجيحا أن يصبح كليتشدار أوغلو مرشّح المعارضة، لأنّه “سيكون من الصعب جدّا” على أحد آخر أن يقود حملة انتخابية على نطاق واسع في وقت الحداد الوطني.
يعتبر الخبراء أنّ الانتخابات في مايو باتت غير واردة، ولكن يمكن أن تتمّ في يونيو، الذي يعدّ آخر موعد لإجرائها وفق الدستور.
ولا يمكن لأردوغان تأجيل الانتخابات إلى موعد أبعد من ذلك، من دون تعديل الدستور. لذا، يحتاج غالبية الثلثَين في البرلمان، أي 400 صوت، علما بأنه يملك وحلفاءه في اليمين المتطرّف 333 صوتا، ما يعني أنه سيحتاج إلى المعارضة لدعم تأخير أطول.
وتقول سينم أدار، الزميلة في مركز الدراسات التركية التطبيقية في برلين، إنّ إحدى ركائز إستراتيجية المعارضة يجب أن تكون ضمان إجراء الانتخابات بحلول شهر يونيو.
لم ينطق أردوغان بكلمة واحدة عن الانتخابات منذ الزلزال، ولكنّه يظهر على شاشات التلفزيون مرارا في اليوم، وهو يواسي الناجين ويعزّي الأمة
يأتي ذلك فيما تدفع أكشينار باتجاه إجراء الانتخابات في يونيو. وفي هذا السياق، قالت للصحافيين الأسبوع الماضي “من واجبنا كسياسيين إجراء هذه الانتخابات”.
ولكن المعارضة كانت منقسمة أيضا في استجابتها للزلزال. فقد اختارت أكشينار البقاء صامتة وتجنّب المناطق التي ضربها الزلزال في الأيام الأولى، بينما زار كليتشدار أوغلو المناطق المتضرّرة سعيا لمواساة الضحايا. وهاجم أردوغان، متّهما إياه بالفشل في جعل تركيا متأهبة للزلازل.
كذلك، ظهر السبت مع الزعيم الموالي للأكراد في ديار بكر المتضرّرة من الزلزال، والتي تعدّ المحافظة الوحيدة التي لم تصوّت لتحالف أردوغان في انتخابات العام 2018.
ونشر رئيسا بلديتي إسطنبول وأنقرة المعارضان، صورا لموظفي البلدية وهم يساعدون في جهود الإنقاذ ورفع الأنقاض وتقديم الطعام الساخن للناجين. أما أكشينار، فقالت إنّها انتظرت 72 ساعة لتجنّب أن تكون عقبة أمام جهود الإنقاذ.
يقول أدار إنّ الزلزال قد يؤدّي إلى انقسامات حادة في صفوف المعارضة، ويتجلى ذلك في الخلافات على المرشّح والأدوار التي سيؤديها كلّ حزب. ورغم أن إيسن يحذّر من التركيز كثيرا على ردود الفعل المختلفة بعد مرور أسبوع فقط، إلّا أنه يرى أنّها تظهر انعدام التنسيق بين أطراف المعارضة.