تطرح أوساط سياسية وحقوقية في تونس ملامح تركيبة البرلمان الجديد، ومدى انشغال النواب بتحقيق انتظارات التونسيين بعد استكمال الاستحقاق الانتخابي والقطع مع الصورة السلبية للمؤسسة التشريعية في السنوات الأخيرة.
وبدأ الحديث في تونس عن مدى قدرة المؤسسة البرلمانية على تغيير ملامح الوضع الاقتصادي والاجتماعي عبر سنّ قوانين جديدة في ظل الصلاحيات المحدودة.
وكشف حسن الزرقوني مدير مؤسسة “سيغما كونساي” أن “التركيبة السياسية للبرلمان الجديد تتكون على النحو التالي: 50 في المئة ما بين تجمّعيين (التجمع الدستوري الديمقراطي) وندائيين (حركة نداء تونس) و30 في المئة يميلون إلى فكر الرئيس قيس سعيد و20 في المئة من جماعة الإسلام السياسي”.
وأضاف في تصريح لإذاعة محلية أن “البرلمان الجديد الذي سيفتتح أبوابه في مارس القادم سيكون مشكّلا من العديد من المستويات التعليمية والاجتماعية بين عاطلين عن العمل وطلبة ومستوى تعليمي متوسط وكذلك من أصحاب الشهادات العليا، وثلثين من الموظفين نصفهم من الأستاذة والمعلمين و15 في المئة من المهن الحرة و10 في المئة من العاطلين عن العمل وما بين 5 و6 في المئة من المتقاعدين و2 في المئة من الطلبة”.
وسبق أن كشف استطلاع رأي حول نوايا التصويت في الانتخابات الرئاسية أجرته مؤسسة “سيغما كونساي” في شهر نوفمبر الماضي، أنّ 79.4 في المئة من المستجوبين الذين شملهم الاستطلاع صرّحوا بأنّهم ينوون التصويت في هذا الاستحقاق الانتخابي.
وأعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أن 154 مرشحا ضمنوا حصولهم على مقاعد في المجلس النيابي الجديد الذي تقلّصت تركيبته بفعل الدستور الجديد من 217 مقعدا إلى 161.
ويبدأ نشاط البرلمان الجديد في شهر مارس القادم بعد صدور نتائج الطعون والتصريح بالنتائج النهائية للانتخابات، وسيكون البرلمان منقوصا من 7 مقاعد تعود إلى دوائر في الخارج بسبب عدم تسجيل ترشيحات فيها.
وقال الكاتب والمحلل السياسي باسل الترجمان “علينا أن نعلم أن البرلمان الجديد لن يكون سركا أو ساحة لبيع الذمم وشراء القوانين، وسيكون في قطيعة كاملة مع العشرية الماضية، لأن من دخلوا البرلمان لهم العهدة الانتخابية وستسحب منهم الثقة إن لم يفوا بتنفيذ وعودهم”.
وأضاف في تصريحات اعلامية أن “اليوم أصبح الشارع التونسي لا يثق لا من قريب ولا من بعيد في مجلس نواب الشعب، وبالتالي أولى مهامه الكبرى هي استعادة الثقة في البرلمان، وعلينا أن نقرأ سياسيا البرلمانات السابقة في تونس والكفاءات العلمية التي كانت فيها وما قدمت من تشريعات وقوانين يندى لها الجبين”.
وتابع الترجمان “الحديث عن غياب الكفاءات في هذا البرلمان ليس صحيحا لأننا نعلم أن الشعب التونسي خرج في 25 يوليو 2021 ضد البرلمان السابق، واليوم القضية المهمة هي سعي النواب الجدد لاستعادة ثقة الشعب في المؤسسة التشريعية، والعمل من أجل إلغاء وتطوير ترسانة من القوانين التي تعطل نسق الاستثمار والتطور الاقتصادي والاجتماعي في تونس”.
وكشفت النتائج الأولية للانتخابات عن ملامح الخارطة البرلمانية المقبلة التي ستشهد صعود قوى جديدة تتشارك في مساندتها لمسار 25 يوليو، وهي بالأساس “حركة شباب تونس الوطني”، وائتلاف “لينتصر الشعب”، وحزب “حركة الشعب”، وجبهة “الشعب
وضمن “حراك 25 يوليو” الفوز بأكثر من 80 مقعدا، بينما قدّرت “حركة الشعب” فوزها بنحو 22 مقعدا، فيما رجّح حزب “لينتصر الشعب” حصوله على نحو 13 مقعدا، بينما أقر ائتلاف “الشعب يؤسس” بفوزه بنحو 10 مقاعد.
ولأول مرة في تونس يتشكل برلمان تونسي خالٍ من حركة النهضة وحلفائها، في خطوة اعتبرها البعض عقابا للمنظومة السابقة على فشلها في تحسين الأوضاع بالبلاد.
وقال المحلل السياسي خليفة الشيباني إن “البرلمان من حيث الشكل، يأتي على أنقاض برلمانات سابقة، ويجب أن يغير صورة العنف التي شهدتها تلك البرلمانات، أما بالنسبة إلى المضمون ومن خلال ما يدعيه البعض في منع الأحزاب من المشاركة في الانتخابات، فإن الأحزاب أقصت نفسها بنفسها”.
وأردف الشيباني “في اعتقادي البرلمان الجديد مطالب بمحو تلك الصورة السلبية، ومن أهم الأشياء التي تضمنها أنه تجاوز السياحة الحزبية والعلاقة أصبحت مباشرة بين النائب والناخبين”.
واستطرد قائلا “الأهم من الكفاءة والمستوى الأكاديمي للنواب أن يكون النائب مسؤولا وقادرا على تحقيق مطالب الشعب في إطار الممارسة الديمقراطية”.
وتنافس في الدور الثاني للانتخابات التشريعية 262 مرشحا (من جملة 1055 مرشحا للدور الأول) توزعوا بين 34 امرأة (13 في المئة) و228 رجلا (87 في المئة)، من بينهم 170 مرشّحا ينتمون إلى القطاع العام و50 مرشحا من قطاع الأعمال الحرة و5 طلبة و17 متقاعدا.
وقال الناطق باسم هيئة الانتخابات محمد التليلي المنصري إنه “من بين الذين فازوا أوّليا أو انتقلوا إلى الدور الثاني من الانتخابات التشريعية 11 نائبا سابقا منذ فترة 2014، و22 مرشحا ينتمون إلى أحزاب سياسية و27 رئيس بلدية، إضافة إلى 5 محامين منهم فائزان من الدورة الأولى، و3 مهندسين”.
وذكر المنصري في تصريح إعلامي أنّ عددا منهم ينتمون إلى المجالس البلدية والمحلية و7 أعضاء سابقين بالبرلمان و6 معتمدين ووال (محافظ) وكاتب دولة سابق.
وذهب إلى التصويت في الدور الثاني من الانتخابات التشريعية 895 ألف ناخب، أي بنسبة مشاركة بلغت 11.40 في المئة.
وينبثق البرلمان الجديد عن مسار سياسي للرئيس قيس سعيد أعلنه منذ 25 يوليو 2021 واعتبره “مسارا تصحيحيا للحفاظ على مؤسسات الدولة”، وقرر بموجبه حل البرلمان السابق وتنقيح القانون الانتخابي بمرسوم ودعوة الناخبين إلى اختيار برلمان جديد بتركيبة أصغر وصلاحيات أقل.
وتمثل هذه الانتخابات، في انتظار انتخاب أعضاء المجلس الوطني للجهات والأقاليم، آخر المحطات ضمن خارطة الطريق التي كان أعلن عنها الرئيس سعيد في الثالث عشر ديسمبر 2021 وتضمنت استشارة إلكترونية واستفتاء شعبيا على تنقيح الدستور وتغيير نظام الحكم وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة.