تزنيت: المدينة العتيقة.. أزقة وأسوار تحكي تاريخ عاصمة الفضة

حافظت المدينة العتيقة لتزنيت على طابعها الثقافي والمعماري، شاهدة بذلك على التطور العمراني والحضاري الذي عرفه المغرب منذ فجر التاريخ، وهو ما يقتضي ضرورة الحفاظ على روحها، ورونق آثارها وعبق تاريخها.

خضعت القصبة سنة 2009 إلى أشغال إعادة التأهيل والترميم باستعمال المواد التقليدية المعروفة كالجير والرمل والتراب ضمن مشروع تهيئة المدينة العتيقة لتزنيت وإعادة الاعتبار لها.

في عمق عاصمة الفضة، تنتصب المدينة العتيقة لتزنيت، وهي تستعرض بشموخ عبق التاريخ العريق، زاخرة بمعالم تراثية تتيح لزائرها السفر عبر الزمن، وتمكنه من اكتشاف حضارة وثقافة غنية ومتنوعة، عبر ما فيها من أبنية عمرانية وعسكرية، بما في ذلك القصبات والأسوار والأبواب والأبراج والمساجد العتيقة.
وعلى غرار مختلف المدن القديمة الشاهدة على تاريخها، يحيط بالمدينة العتيقة لتزنيت، أو ما يطلق عليها النواة التاريخية الأولى، السور الحسني الذي يعتبر من آخر التحصينات العسكرية بالمغرب إذ صنفت المدينة بموجبه، ضمن التراث الوطني منذ سنة 1932.
وقد شيد هذا السور، الممتد على طول 75 كلم وبعلو ثمانية أمتار تقريبا وبعرض متر واحد، سنة 1882، فيما استغرق بناؤه سنتين ونصف تحت إشراف خليفة السلطان مسعود الراشدي والأمينين عبد القادر الشاوي والحاج المحجوب الصويري.
وداخل هذا السور، تبدأ النواة الأولى للمدينة العتيقة من العين الزرقاء (العين أقديم)، وتمتد إلى “قصبة أغناج” و”الجامع الكبير” ثم مدخل “تاركا”، عاكسة حمولة رمزية وثقافية ودينية واجتماعية، لا في تمركزها، وإنما في تلاقحها وتناسجها وحوارها مع مختلف الثقافات المتجاورة والمتجاذبة، مشكلة بذلك متاحف مفتوحة تنبض بالحياة، وكنوزا تغوص في تاريخ المغرب الأصيل.
وحسب الباحث في التاريخ المحلي، عبد الكريم شعوري، فإن الذاكرة الشعبية المحلية، تحتفظ بخصوص العين الزرقاء، المتدفقة وسط المدينة القديمة، برواية شائعة عن بداية انبثاقها، مفادها أن سيدة مغمورة داخل الجماعة كانت وراء اكتشاف هذا المنبع المائي بمحض الصدفة.
ويقول شعوري، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، إن هذا الاكتشاف كان بداية تأسيس النواة الأولى لتجمع “أيت تزنيت”، بعد نزوح جماعات وافدة من مناطق مختلفة كونت في نهاية المطاف التجمعات المعروفة داخل هذه البلدة (إداكفا، إداومكنون، إدضلحا، إدزكري وأيت محمد)، وقد تم ربط منبع العين بالمجال المسقي “تاركا” عبر خطارات، كما شكل الموقع مجالا لممارسة بعض العادات، خاصة طقوس الزواج.
وغير بعيد عن هذا المنبع الأزرق، تشد انتباهك قصبة أغناج بوصفها تراثا لا يمكن تجاوزه كشاهد على عصر فيه نفحات التاريخ وملامح التراث المغربي والمحلي الذي بناه الأجداد.
وتعد هذه المعلمة من أقدم القصبات التاريخية بالمدينة، وتبلغ مساحتها الإجمالية 6 آلاف و700 و4 أمتار، كما تتميز بأسوارها المرتفعة المدعمة بخمسة أبراج، والمبنية بتقنية التراب المدكوك.
وتنسب القصبة حسب المصادر التاريخية، إلى القائد الحاحي محمد أغناج الذي قام بحملة على سوس بإيعاز من المولى سليمان سنة 1810 م، وكان قد اتخذ تيزنيت آنذاك مركزا و منطلقا لتثبيت سلطة المخزن على مجموع مناطق سوس.
وقد خضعت القصبة سنة 2009 إلى أشغال إعادة التأهيل والترميم باستعمال المواد التقليدية المعروفة كالجير والرمل والتراب ضمن مشروع تهيئة المدينة العتيقة لتزنيت وإعادة الاعتبار لها، وهو المشروع الذي شمل أيضا تهيئة العين الزرقاء ومحيطها، والجامع الكبير ومركز الأرشيف، و”تيكمي ن تمازيرت” أو “دار البلاد” إلى جانب تأهيل الأبراج والسور التاريخي للمدينة القديمة.
أما الجامع الكبير، القريب من هذه المعالم، فيعتبر من المراكز العلمية والدينية بمنطقة سوس، التي انتظمت بها الدراسة وازداد إقبال الطلبة عليه من كل الآفاق من أجل تلقي العلوم المختلفة، كما تعاقب على الجامع علماء كثيرون ساهموا في ازدياد نشاطه وإشعاعه، وظلت سمته البارزة كثرة الإقبال على حلقات الدروس المنتظمة داخله إلى حد أصبح ينافس المدارس التقليدية المشهورة آنذاك كـ”أدوز”، بونعمان، و”أزريف”.
وعلى غرار الأشكال المعمارية الهندسية المشكلة، فإن من الميزات المعمارية لصومعة الجامع الكبير أنها حافظت على شكلها المربع الثابت في زواياه والمتماسك بطريقته المعمارية الفريدة، وهذا النوع من الهندسة تحيل إلى تأثيرات السعديين في النمط المعماري، خاصة الديني في الجنوب المغربي ومنطقة السودان الغربي، لاسيما تقنية الأخشاب البارزة في زوايا الصومعة، التي بنيت بالتراب المدكوك وخضعت لتعديلات وترميمات متعاقبة.
أما الباحث في التراث المحلي، حسن أغوليد الطاهري، فيرى أنه من الصعوبة بمكان تحديد كرونولوجية دقيقة لتاريخ تزنيت، فما تتوفر عليه حاليا لا يغدو أن يكون مجرد إشارات عابرة يمكن تصنيفها في سياق التاريخ العام لمنطقة سوس ولا يحتفظ سكانها إلا بذكريات ومعلومات غامضة، مشيرا إلى أنها تلتقي كلها في ارتباطها بالمرأة.
ويضيف في تصريح مماثل، أن مدلول كلمة تزنيت قريب من كلمات أخرى لها معنى معروف ومنها “تهنيت” (بإعتبار الزاي هاء الهاء عند التوارك) فيكون “أهني” أو “أزني” التي تعني الخيمة، وعند التأنيث، تصبح بمعنى ذات الخيمة.
كما يرتبط الاسم، باعتبار الزاي مبدلا من السين (أسني) بمعنى الحوض الفلاحي السقوي ومنها (تسنيت)، إذ أن المنطقة معروفة بسقياتها ونشاطها الزراعي السقوي، إلى جانب هذه التسميات يمكن ربط اسم المدينة بـ”تيسي ن إيط” التي تعني سقي العين، ومع كثرة الاستعمال يخفق نطق التركيب إلى “تسنيت”، وهي أيضا نوع من الحلي على شكل تاج تتزين به النساء، ويجهر السين لتصبح تزنيت”.
وقد حافظت المدينة العتيقة لتزنيت على طابعها الثقافي والمعماري، شاهدة بذلك على التطور العمراني والحضاري الذي عرفه المغرب منذ فجر التاريخ، وهو ما يقتضي ضرورة الحفاظ على روحها، ورونق آثارها وعبق تاريخها.

Related posts

Top