استطاعت القناة الأمازيغية المغربية «تمازيغت» منذ انطلاقتها قبل ست سنوات، أن تتبوأ مكانة مرموقة في المشهد الإعلامي المرئي والمسموع في المغرب، وذلك راجع ـ من جهة ـ إلى قيامها على خصوصية لسانية تتمثل في اللغة الأمازيغية التي تشكل جزءا من الهوية المغربية، ومن جهة ثانية إلى اعتمادها على كفاءات إعلامية شابة ومخضرمة تحذوها الرغبة في تقديم منتج إعلامي متميز وقادر على شد انتباه المتلقي.
وبالفعل، فإن برامج القناة تستأثر باهتمام المشاهدين في عدة مناطق مغربية يتحدث أهلها الأمازيغية بإحدى روافدها (تشلحيت، تمازيغت، تريفيت) كما تلقى تفاعلا من لدن العديد من المهاجرين المغاربة في أوروبا من ذوي الأصول الأمازيغية.
ويحرص مدير القناة، الإعلامي محمد مماد، أن يثني على «الجهود الاستثنائية» التي يقوم بها كافة العاملين والبالغ عددهم 120 فردا، ما جعل حصيلة الإنتاج الداخلي للقناة تصل إلى 24 برنامجا، كما أن معدل الإنتاج اليومي للبرامج يصل إلى سبع ساعات.
ويضيف المسؤول أن القناة الأمازيغية تنتج برامج إخبارية بطريقة إحترافية عالية جدا: «نكون دائما سباقين في إنجاز تقارير وتحقيقات إخبارية في مناطق بعيدة في الجبال، كما سبق لنا أن أوفدنا طاقما إلى ليبيا قبيل سقوط نظام القذافي، وكانت القناة حاضرة في غزة خلال الحصار الإسرائيلي، بالإضافة إلى إنجازها برامج في المناطق الأوروبية التي توجد فيها تكتلات لمهاجرين مغاربة أمازيغيين». وأوضح مماد أن «تمازيغت» أوفت بالتزاماتها المهنية بحذافيرها، وفاقت ذلك على مستوى الكم والكيف، بشهادة الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، معطيا مثالا على ذلك بتغطية جميع الأحداث السياسية والاجتماعية في المغرب.
«فلاش باك»
يستحضر محمد مماد البدايات الأولى للقناة الأمازيغية، ويقول: «حين أحدثت القناة، كان هناك انعدام لسوق البرامج التلفزيونية الناطقة باللغة الأمازيغية. صحيح أنه وُجدتْ بعض التجارب، وبالخصوص في جهة سوس، متمثلة في عدد من المنتجين. ولكن كان الإشكال أنها كانت تجارب قليلة كما وضعيفة كيفا. في الحقيقة، المسؤولية لا يتحملها أولئك المنتجون، ولكن الظروف التي كانوا يشتغلون فيها، لا سيما وأن القطاع الإعلامي السمعي البصري الأمازيغي يحتاج إلى استثمارات ورساميل كبيرة وترسانة قانونية قوية لكي يتطور أكثر ويكسب الرهان».
في ضوء تلك الظروف، كان مطلوبا من القناة الأمازيغية أن تنتج كل شيء بإمكانياتها الذاتية: الأخبار، البرامج بمختلف أشكالها، لا سيما بالنظر لوجود تحد كبير يتمثل في أن «تمازيغت» قناة عامة، وليست متخصصة (رغم كونها تستعمل اللغة الأمازيغية)، إذ المطلوب منها أن تتوجه إلى جميع شرائح المجتمع، شأنها في ذلك شأن باقي القنوات العامة. ومن هنا، يطرح سؤال الكم والكيف في الآن نفسه.
بدأت القناة ببث مدته ست ساعات (من السادسة مساء إلى الثانية عشرة ليلا) من الاثنين إلى الجمعة، ويومي السبت والأحد من الثانية ظهرا إلى الثانية عشرة ليلا. وخلال السنة الأولى، استطاعت بطاقمها التقني والصحافي، ومعظمهم شباب متوسط معدلات أعمارهم 26 سنة، يعملون بروح نضالية، تجاوز الإشكال، إذ اعتمدت على بعض البرامج التلفزيونية القليلة المنتجة من طرف القناة «الأولى» و«الثانية» ثم شرعت في إنتاج كم هائل من البرامج خلال ظرف قياسي. فبعد شهور قلائل من انطلاقة القناة، أصبحت تبث برامجها من الثانية عشرة ظهرا حتى الثانية صباحا خلال شهر رمضان، لتحافظ بعد ذلك على الوتيرة نفسها.
بعد مرور سنة، قامت إدارة القناة بعملية إعادة نظر جذرية في شبكة البرامج، وأتاحت دورات تكوينية للكوادر الفنية والتقنية والإعلامية، واستطاعت تجاوز المشاكل التي كانت تعترضها على مستوى الكيف، وذلك من خلال تقديم منتجات تتوفر فيها مواصفات الجودة المعتمدة على المستوى العالمي.
نسأل محمد مماد:
> هل أنت راض على هذه الحصيلة؟
فيجيب: «نحن فخورون بما أنجز لحد الآن، قد لا نكون راضين عن هذه الحصيلة مئة في المئة، ولكننا استطعنا مواجهة التحدي الكبير لهذا المشروع ذي الأبعاد المتعددة، إعلاميا وسياسيا ولغويا».
ويلفت مدير القناة الانتباه إلى أنها تعتمد على إمكانيتها التقنية الذاتية، كما تستعين بـ»الإمكانيات المشتركة» داخل الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون. ويشير كذلك إلى أن بعض العاملين في المؤسسة يقومون بأربعة تخصصات إعلامية، وهو ما يجسد حسن تدبير الموارد البشرية. ومن جهة أخرى، يوضح أن ديكورات برامج القناة تنجز بصفر درهم، بما أنها إفتراضية يبدعها فنيو القناة.
تحديات ورهانات
وجوابا على سؤال حول تحديات ورهانات القناة الأمازيغية، يجيب: «بالنسبة للجمهور لا يهمه أن تتحدث له عن المشكلات والعوائق التي تعترضك لإنجاز التصور الإعلامي، ما يهمه أن تقدم له قناة عصرية ذات توجه واضح وتحقق الأهداف التي أنشئت من أجلها، وهي أهداف منصوص عليها في «دفاتر التحملات» (وثيقة تعاقدية) التي هي بمثابة وعاء يرسم المعالم الكبرى لمحتوى القناة. ومن بين تلك التحديات والرهانات استكمال البث لمدة 24/24 ساعة. ولكي ينجح هذا المشروع الذي هو مشروع المغرب والمغاربة كافة، يجب أن ترصد له الإمكانيات الكافية من حاجيات مالية وتقنية وأطقم من جميع التخصصات، باختصار نحن مطالبون أن نقدم لجمهور القناة الأمازيغية مواد قادرة على شد اهتمامه، حتى لا يولي وجهه صوب قنوات أخرى».
ويستطرد: «بما أن «تمازيغت» قناة لكل المغاربة، فإن جزءا كبيرا من برامجها يكون مترجما كتابةً باللغة العربية. ولذلك، نشتغل حاليا على مشروع يتمثل في الانتقال إلى مرحلة «البث المتزامن» على غرار ما تقوم به قناة «أورونيوز» مثلا؛ حيث يمكن للجمهور أن يشاهد البرنامج أو الفيلم نفسه ناطقا بالروافد الثلاثة للغة الأمازيغية (تريفيت، تشلحيت، تمزيغت)، باستعمال زر الصوت الموجود في جهاز التحكم (الريموت كونترول)، ويمكن أن نطبق ذلك حتى على اللغة العربية. مما سيمكن من حل إشكال تدبير التعدد اللغوي بشكل متوازن، والاستجابة لحق المواطن في أن يتتبع برامج القنوات العمومية ويجد نفسه فيها. ونسعى إلى تطبيق هذا المشروع تدريجيا، في أفق تعميمه على كافة برامج القناة الأمازيغية؛ مع العلم أن التكلفة المالية لهذا المشروع لا تساوي شيئا، إنها مسألة تقنية محضة».
أما بخصوص درجة رضا المشاهدين عن برامج القناة، فيقول: «الدراسات التي تقوم بها المؤسسة المعنية بقياس نسب مشاهدة القنوات العمومية المغربية تثبت أن قناة «تمازيغت» تتوفر على نسبة مشاهدة كبيرة في الجنوب في الدرجة الأولى ثم في مناطق الأطلس والريف بنسب متفاوتة. غير أن اللافت للانتباه أن البرامج الترفيهية للقناة تحظى بمتابعة هامة من الجمهور المغربي عامة، لكون تلك السهرات منجزة بطريقة مهنية جيدة ولا تقتصر على الفنانين الأمازيغيين، بل يشارك فيها فنانون يغنون بالعربية، لأننا نؤمن أن الموسيقى عالمية. ونتوفر على نسب مشاهدة جيدة في بلدان المهجر كهولندا وبلجيكا وإسبانيا وإيطاليا وغيرها. والواقع أن ما يهمني أكثر هو رضا الجمهور، أما مسألة نسب المشاهدة، ففيها نقاش كبير. صحيح أنه يجب أن يكون للبرامج جمهورها الذي يشاهدها، ولكن شريطة ألا تتحول نسب المشاهدة إلى هاجس يبعدني كمسؤول عن الهدف الأساسي الذي هو تطبيق دفاتر التحملات وتقديم خدمة إعلامية عمومية لكافة المغاربة أينما كانوا وحيثما وجدوا، لا أن أركز على الترفيه فقط، لأن الترفيه مهمة القنوات الخاصة».
الطاهر الطويل