انتهى الأسدس الأول من الموسم الدراسي الجاري لمؤسسات التعليم الابتدائي والثانوي بسلكيه الإعدادي والتأهيلي. فترة تعليم يصعب تقييمها، بالنظر إلى النمط التعليمي المعتمد. تعليم أريد له أن يكون بالتناوب. بين تعليم حضوري بنصف الحصص الدراسية الرسمية. وغير كاف لتدريس دروس المقررات المعتمدة. وتعليم غامض حمل عنوان “التعلم الذاتي”. رمت بأعبائه الوزارة الوصية بين أحضان الآباء والأمهات وأولياء أمور التلاميذ. في غياب رسمي تام لنمط “التعليم عن بعد”، الذي تم اختباره الموسم الماضي. وكان من المفروض تقييمه وتنميته.
لنكن صرحاء، فالأستاذ مرتبط بالزمن المدرسي. وعدد الساعات محدد رسميا لكل درس من الدروس البرمجة لديه. فكيف يمكنه اختزال الساعات من أجل تمكين التلاميذ من كل الدروس ؟. كما يغيب مبدأ تكافؤ الفرص عند اعتماد “التعلم الذاتي”. لأن أوضاع التلاميذ المعيشية والنفسية والثقافية تختلف من أسرة لأخرى. ناهيك عن تلاميذ لا أسر لهم “يتامى ، نزلاء خيريات..”.
وزارة أمزازي لم تطرح أية منهجية واضحة للتعليم خلال فترة الزمن الكوروني. ولم تدرك الفرق بين تعليم رقمي والكتروني بات مفروضا ولازما وليس بديلا. و بين تعليم حضوري شبه محظور بسبب مستجدات فيروس كوفيد 19 غير المطمئنة.
للأسف أظهرت الوزارة أن شغلها الشاغل كان هو تفادي أبغض الحلال، والمتمثل في مقترح (تأجيل الدراسة). وفرضت حتمية التدريس بنمط تعليمي يزاوج بين التعليم الحضوري والتعلم الذاتي. دون إجراء أية تغييرات أو تعديلات أو تخفيفات في البرامج والمناهج الدراسية.
كان على الوزارة أن تضع تقييما لفترة التعليم عن بعد التي تمت لأول مرة في المغرب خلال النصف الثاني من الموسم الدراسي الماضي. والتي انتهت بمهزلتين. الأولى تمثلت في عدم اختبار تلاميذ المستويات الإشهادية في كل الدروس المنجزة عن بعد. والثانية تتعلق بالقرار المبكر القاضي بعدم اختبار تلاميذ باقي المستويات الدراسية بما فيها تلاميذ المستوى الإشهادي “السادس ابتدائي”، والاكتفاء بما لديهم من نتائج فروض وامتحانات سابقة. حيث كان القرار بمثابة إعلان عن العطلة الصيفية. ولم يعد التلاميذ يتابعون حصص التعليم الرقمية.
كما كان عليها أن تبادر إلى تأهيل المؤسسات التعليمية رقميا. بتوفير العتاد اللازم وربط كل المؤسسات بشبكات الكهرباء والاتصال الرقمي. وبإخضاع المدرسين للتكوين الرقمي. والاستمرار في عملية التدريس عن بعد. عوض اللجوء إلى ما سمته ب”التعلم الذاتي” الذي هو نمط يعمل لدى الطلبة الجامعيين والباحثين. وليس لدى التلاميذ.
بالإضافة إلى إعداد مناهج وبرامج يمكن تدريسها عن بعد. فليس كل ما يدرس بالوسائل التقليدية العادية “السبورة، الطباشير، القلم، الدفتر.. “. يمكن أن يدرس بنفس المنهجية والطرق ونفس الديداكتيكية عن بعد. والزمن المدرسي المخصص للدروس حضوريا لن يكون هو نفسه المخصص عن بعد. تضاف إليها إكراهات تعامل المؤسسات التعليمية مع النموذجين التعليميين، ولتلاميذ نفس الفصل الدراسي.
إن ما يمكن استخلاصه من تعليم الوزارة المزدوج أنه منح للتلاميذ تعليما مريحا. باستعمالات زمن مخففة. و قد بدا ذلك واضحا من خلال تحسن الحالة النفسية والصحية لمجموعة من التلاميذ. وارتفاع معدل تجاوبهم الدراسي. وهي ملاحظات وقف عليها العديد من الآباء والأمهات. فبالنظر إلى قيمة المحتوى الدراسي الذي قدم لهم حضوريا، وقفوا على ما اعتبروه الأهم من ذلك. حيث لاحظوا أن هناك ارتقاء في درجة الاستيعاب ، وكذا تفاعل إيجابي أبان عليه التلاميذ. وقد كانوا من قبل متعثرين دراسيا ومحبطين بسبب كثرة ساعات الدراسة اليومية، وتراكم الدروس. ليتأكد ما سبق وأشرت إليه هنا في مقالة سابقة، من ضرورة تخفيف البرامج وتخفيف الزمن المدرسي. وتمكين التلاميذ من الزمن الثقافي والرياضي والترفيهي. وذلك بإحداث أندية داخل المؤسسات التعليمية. وتقسيم ساعات اليوم بين الدراسة والاندماج في الأنشطة الموازية.
لا داعي إذن للحديث عن نقط المراقبة المستمرة للأسدس الأول. ولا عن تقييم لها . ولا حتى الحديث الرسمي عن تعليم “تناوب”، زاوج بين حضوري ليس إلا و غيابي ليس حتى .. سنعتبره تعليما كورونيا “ترقيعيا” إلى حين انفراج الأجواء. ونكتفي بالانتظار و التطلع إلى ما قد يفرزه النموذج التنموي المرتقب..
بقلم: بوشعيب حمراوي