أعلنت وزارة العدل التونسية تشكيل لجنة خاصة للنظر في ملف اغتيالين سياسيين في العام 2013 لم يبت القضاء فيهما بعد، وأذنت بمهمة تفقد قضائي وإداري شاملة للملفات ذات العلاقة، لكشف حقيقة من دبر وخطط وحرض، لا فقط من ضغط على الزناد.
ويرفع المتظاهرون في الوقفات الدورية المنتظمة أمام وزارة الداخلية، للمطالبة بكشف حقيقة الاغتيالات السياسية في تونس بعد الثورة (حوالي 500 وقفة)، الشعارات ذاتها ضد حركة النهضة (الإسلامية) متهمين رئيسها راشد الغنوشي بالوقوف وراء اغتيال بلعيد، الأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد وأبرز مؤسسي الجبهة الشعبية المعارضة لحكم “الترويكا” التي تقودها “النهضة” آنذاك.
وتتهم عائلة بلعيد والقوى السياسية المعارضة مباشرة حركة النهضة ورئيسها الغنوشي باغتيال بلعيد، المعروف بانتقاداته اللاذعة للحركة ولزعمائها ولمنظومة حكمها في تلك الفترة، إلا أن الحركة ما فتئت تنفي هذه الاتهامات وتصفها بـ”الكاذبة”، وتعتبر ألا مصلحة لها في ذلك مطلقا.
وقررت وزيرة العدل ليلى جفال “تكوين لجنة خاصة تعمل تحت إشراف الوزارة ومكلفة بمتابعة ملف الاغتيال ومحاسبة كل من تورط في تعطيل سير الملفات وسعى في طمس الأدلة والتأثير على المسار القضائي”، وفقا لبيان صدر عن الوزارة.
وكذلك، قرّرت الوزيرة القيام “بمهمّة تفقد قضائي وإداري شاملة للملفات ذات العلاقة بملف اغتيال الشهيدين، لمتابعة حسن سير الإجراءات بما في ذلك (..) تتبع مسارها الإجرائي، بالإضافة إلى رقمنة كامل الملفات وحفظها في محامل إلكترونية”.
وفي السادس من فبراير 2013، اغتيل المعارض اليساري شكري بلعيد في العاصمة التونسية. وتبنى إسلاميون متطرفون الاغتيال الذي أثار أزمة سياسية انتهت بخروج حركة النهضة من الحكم وإطلاق حوار وطني بين كافة المكوّنات السياسية، وتم الاتفاق على تشكيل حكومة تكنوقراط أمنت وصول البلاد إلى انتخابات في 2014.
ومنذ ذلك التاريخ فتح القضاء تحقيقا ولم يصدر حتى اليوم أحكامه في القضية ولا حتى في قضية اغتيال النائب السابق في البرلمان محمد براهمي في الخامس والعشرين من يوليو في العام 2013، بسبب ما قالت هيئة الدفاع عن الشهيدين إنه “ضغوطات وتورط لقضاة في إخفاء وثائق للتستر على شخصيات هامة في الدولة”.
وأعرب حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد (حزب شكري بلعيد) بمناسبة الذكرى العاشرة لاغتيال السياسي الراحل، الاثنين، عن استغرابه مما اعتبره مواصلة تقاعس السلطة والقضاء في التعامل مع ملف الاغتيال والجهاز السري، رغم إقرارهما بانتهاء الضغوطات التي كانت تمارسها حركة النهضة وامتداداتها.
وطالب كل القوى الوطنية والهيئات والمنظمات بمواصلة الضغط من أجل كشف الحقيقة كاملة وإدانة كافة المتورطين في الاغتيال والتغطية عليه، داعيا إلى المشاركة بكثافة في برنامج الحزب إحياء للذكرى العاشرة للاغتيال.
وانتقد الرئيس التونسي قيس سعيّد مرات عدة “تباطؤ” التحقيق القضائي في هاتين القضيتين.
وغيرت هيئة الدفاع عن الشهيدين منهج تحركها واعتمدت إستراتيجية جديدة للتعريف بالملف لدى الرأي العام الدولي، ذلك ما أكده عضو الهيئة رضا الرداوي في ندوة صحافية بجنيف في سويسرا تحت عنوان “المعطيات الجديدة حول الاغتيالات السياسية لشكري بلعيد ومحمد براهمي”.
وأفاد بأن جنيف هي أولى المحطات في هذه الإستراتيجية، وستتبعها مواعيد أخرى بفرنسا وبروكسل ونيويورك.
وقالت عضو هيئة الدفاع إيمان قزارة إن الهيئة بصدد الإعداد لندوة صحافية خلال الأيام القادمة، سيتم خلالها الكشف عن تفاصيل جديدة تخص قضية اغتيال السياسيين بلعيد وبراهمي، وفق وكالة الأنباء التونسية.
وأكد عميد المحامين حاتم المزيو أن الهيئة ستعقد يومه الأربعاء القادم بالعاصمة بالاشتراك مع هيئة الدفاع عن الشهيدين ندوة صحافية هامة، من أجل تقديم آخر المستجدات والإثباتات والمؤيدات المتعلقة بقضية اغتيال شكري بلعيد في انتظار حسم المحكمة، وفق وكالة الأنباء التونسية.
وذكر أن “مسار معرفة الحقيقة كاملة والكشف عمن تورط في القضية ومن حرض ومن اغتال ومن أخفى الحقيقة مستمر وبدأ يعطي أكله، وذلك بفضل نضالات فريق الدفاع”، مضيفا أن “رغم التعطيلات في التحقيق فإن العديد من الخيوط الهامة والملابسات في بعض الملفات ذات العلاقة بالقضية الأساسية، وهي الاغتيال، بدأت تظهر”.
وأكد المزيو ثقته في القضاء التونسي للكشف عن الحقيقة كاملة ومحاسبة كل من تورط في القضية من قريب أو من بعيد.
وقال القيادي في حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد أيمن العلوي إن كل التقدم الذي حصل والنضالات التي صارت في ملف الشهيدين بلعيد وبراهمي تعود بالأساس إلى هيئة الدفاع.
وذكر بأن الهيئة كانت تعاني من “تضييقات جمة عندما كانت حركة النهضة ممسكة بزمام السلطة السياسية، ومحاولات لطمس الحقيقة”، مضيفا أن “بعد خروج الحركة من الحكم لم نر أن السلطة الجديدة القائمة قد انخرطت فعلا في محاولة الكشف عن الحقيقة وتحرير القضاء وفي تحمل النيابة العمومية مسؤوليتها”.
وأكد أن الحزب سيواصل نضاله من أجل كشف الحقيقة أمام الرأي العام، قائلا “هذا الأمين العام لحزبنا ونحن لدينا من الالتزام والصبر والوفاء لمواصلة النضال من أجل كشف كل ملابسات عملية اغتياله، التي نعتبرها اغتيالا سياسيا وبمثابة جريمة دولة”.
وأضاف “القضية بالنسبة إلينا جريمة تنظيم سياسي، وهي لا تتعلق فقط بكشف ملابسات الاغتيال، لأن وراء هذه العملية الملف الإرهابي في تونس برمته، ونحن نعتبر أن أطرافا سياسية قررت تصفية خصومها بالرصاص والعنف، ولذلك نحن نتمسك بتحميل المسؤولية السياسية للاغتيال”.
وكانت هيئة الدفاع قد أعلنت توصلها إلى كشف معلومات حساسة عن وجود ما أسمته بـ”غرفة سوداء” في وزارة الداخلية، توجد بها وثائق هامة تدين حركة النهضة وما يسمى بـ”الجهاز السري” للحركة، الذي حملته الهيئة مسؤولية الاغتيالات السياسية والعمليات الإرهابية في البلاد.
وأوضحت أن هذا “الجهاز الموازي” يسعى إلى اختراق المؤسستين العسكرية والأمنية، وأيضا جمع معلومات حول الصحافيين، وبناء منظومة أمنية موازية واستقطاب القضاة وتتبع العسكريين، إضافة إلى التعاون مع تنظيم “الإخوان المسلمون” المصري وتنظيم “أنصار الشريعة” المحظور.
وذكرت هيئة الدفاع أن جهودها أفضت إلى “الكشف عن معطيات تثبت تورط رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي في قضايا تتعلق بغسيل الأموال، فضلا عن تهمة التخابر مع جهات أجنبية والتجسس على السياسيين وعلى المسؤولين في الدولة”.
واتهمت قضاة بعرقلة مسار الملفات المتعلقة بقضيتي اغتيال بلعيد وبراهمي، ورفعت شكايات “ضد كل القضاة الذين عطّلوا مسار القضية وتورّطوا في التستر على ملفات ذات علاقة، وفي مقدمتهم وكيل الجمهورية السابق بشير العكرمي”.
وقالت الهيئة “إن العكرمي ساهم في إيقاف وتعطيل أعمال تنصّت قانونية كانت ستكشف تورّطه في الاغتيالات السياسية، كما أنه متهم أمام القطب القضائي الاقتصادي والمالي، في علاقة بالجهاز السري المالي لراشد الغنوشي”.
وكان مجلس القضاء العدلي في تونس أوقف القاضي بشير العكرمي عن العمل وأحال ملفه على النيابة العامة بعد اتهامه من قبل رئيس محكمة التعقيب “بالتستر على ملفات متعلقة بالإرهاب”، وارتكاب “إخلالات في المسار القضائي لملفي اغتيال شكري بلعيد ومحمد براهمي والتستر على جرائم إرهابية وتعطيل التحقيق في الآلاف من الملفات المتعلقة بالإرهاب”.
وأكدت محكمة التعقيب، في السادس من مارس 2019، أن “جملة المطالب التي أثارتها هيئة الدفاع والمآخذ التي تم توجيهها إلى حاكم التحقيق صحيحة، ولابد من إعادة النظر في الملف وإعادة البحث من جديد”.
وفي الحادي والثلاثين من دجنببر 2019، فتح تحقيق في ما يعرف بملف “الجهاز السري” وتم توجيه التهم إلى 16 شخصا، بينهم أعضاء بحركة النهضة، على غرار رياض الباروني وكمال العيفي والطاهر بوبحري، إلى جانب العديد من الأشخاص الآخرين.
وفتحت النيابة العمومية، بتاريخ الثالث من فيفري 2020، تحقيقا جديدا حول اختفاء وثائق ومعطيات تهم ملف قضية الاغتيال، وكذلك حول عملية إخفاء مسدسات تم استعمالها في اغتيال شكري بلعيد ومحمد براهمي.
وفي الأول من فيفري الجاري استمع قاضي التحقيق الأول بالمكتب الثالث بالمحكمة الابتدائية بأريانة، المتعهد بالبحث في الملف المتعلق بما يعرف بـ”الغرفة السوداء” بوزارة الداخلية، إلى وزير الداخلية الأسبق وسفير تونس الحالي بالسعودية هشام الفوراتي.
وشمل ملف “الغرفة السوداء” 11 متهما، وسبق أن أصدر قاضي التحقيق المتعهد بملف الحال بطاقتي إيداع بالسجن في حق كل من مدير مكافحة الإرهاب ومدير حفظ الوثائق سابقا بالإدارة العامة للمصالح المختصة بوزارة للداخلية.