تونس

أذهل تطور الأحداث في تونس أكثر من جهة، والنهاية التي كانت لبنعلي فاجأت أيضا الكثيرين، والكل اليوم يحلل ما جرى…
بداية، نؤكد سيادية الشعب التونسي وقواه الوطنية على اختيارات مستقبله، ونتمنى لشعب هذا البلد المغاربي الشقيق الاستقرار، وكسب كل رهاناته الديمقراطية في إطار الهدوء الاجتماعي الداخلي.
وبالعودة إلى الحدث، فإن اللافت أن الاحتجاجات قام بها شباب، أعمار معظمهم لا تزيد عن عمر حكم بنعلي، وكان واضحا أنها احتجاجات من دون تأطير سياسي كبير، ومن هنا تولد الخطر.
لقد أمعن بنعلي، طيلة سنوات حكمه، في جعل السياسة مرعبة للناس، وحول الأحزاب إلى كيانات بلا روح ولا فعل، ولم تعد للنقابات ومنظمات المجتمع المدني أي معنى، والنتيجة أن البلاد باتت تحيا انغلاقا كاملا، وعندما لم يجد الناس قناة لتصريف الاحتجاج بشكل سلمي وديمقراطي، هبوا إلى الشارع، واشتعلت النار.
نجح بنعلي ليس فقط في إضعاف الأحزاب، وإنما جعل السياسة ماسخة في البلد، ومنفرة للناس،  واعتمد بنعلي على حزبه الحاكم الذي صار حاضنا لكل الانتهازيين ولعدد من المفسدين، واستطاعوا بناء منظومة متكاملة للفساد وللريع، واعتمد على أجهزة الأمن التي حشرت أنفها في كل شيء، لكن عندما وجه الشارع صفعته، غاب كل هؤلاء.
نستحضر الآن الدرس التونسي، لنحمد الله أولا على قوة نظامنا الملكي المغربي بشرعياته الدينية والتاريخية والسياسية، ولنشدد ثانيا على أهمية ما تنعم به بلادنا من استقرار وسلام، ولنؤكد ثالثا على حاجة بلادنا إلى جيل جديد من الإصلاحات، وذلك لضخ نفس جديد في مسارنا الديمقراطي المتميز على صعيد المنطقة.
وإن من قرر في السنوات الأخيرة قتل الأحزاب ذات التاريخ والمصداقية، والشروع في طبخ حزب يشبه تماما ما تعرفه دول الحزب الوحيد (تونس مثلا)، عليه اليوم أن يفهم أنه يلعب بالنار، فالمغرب تميز دائما بتعدديته ودينامية حقله السياسي والثقافي والاجتماعي، وأن النجاح في كل الرهانات  المستقبلية، يمر عبر حماية هذه التعددية وهذا الانفتاح.
فعندما حذر نبيل بنعبدالله من «جيل جديد من الانحرافات» فإنه كان ينبه إلى خطورة تحويل حياتنا السياسية إلى شلل وإلى …المسخ.
وعندما شدد عباس الفاسي على حاجة المغرب إلى «أحزاب تمتلك استقلالية القرار»، فإنه كان يحذر من سياسة سوق كل الناس، ضغطا أو إغراء أو اعتقالا، إلى خيمة واحدة، وصباغة البلد بلون وحيد لا أصالة لديه.
في فترات الأزمات المجتمعية الكبرى، كما جرى في تونس، وحدها الأحزاب ذات الأصل وذات التاريخ وذات الشرعية وذات المصداقية تحسن التدبير، وفتح الآفاق للبلاد.

Top