جريمة مالي…

يستبعد أغلب المحللين أن يكون الهجوم الذي تعرض له سائقون مغاربة بمالي مجرد اعتداء لقطاع طرق أو لصوص، وذلك لكون الفعل الإجرامي البشع لم يله أي نهب أو سرقة للبضائع التي كانت محملة على شاحنات السائقين، وحتى صحف محلية في مالي ألمحت إلى أن ما حدث وراءه دول وليس مجرد أفراد منحرفين في المنطقة…
الهجوم، الذي أودى بحياة سائقين اثنين في عين المكان وتوفي ثالث في المستشفى متأثرا بجروحه ونجا رابع،  وقع في بلدة ديديني، على بعد ثلاثمائة كيلومتر من العاصمة المالية باماكو، وهذه البلدة قريبة من منطقة كوليكور، ومن كوالا، ومن الحدود الموريتانية الجنوبية، وكانت كوالا شهدت اختطافات من قبل لأجانب، كما أن كامل الشريط بهذه المنطقة يشتهر بنشاط تنظيمات إرهابية ومتطرفة، منها التي ترتبط بالقاعدة وداعش، وأخرى محلية، علاوة على سيطرة حركات مسلحة، كانت تقارير دولية قد أبرزت من قبل توفرها على صلات بمخابرات بلدان قريبة، وذكرت منها المخابرات الجزائرية…
إذا استحضرنا اليوم هذه المعطيات المعروفة، وأضفنا إليها واقع الهشاشة الأمنية بكل دول منطقة الساحل والصحراء، والمخاطر الإرهابية الواضحة في كل من مالي والنيجر وتشاد وبوركينافاصو، وتحولها إلى طريق عبور لأعداد من المهاجرين، ومنهم ما يعرف ب»الجهاديين العرب»، فكل هذا يجعل مما وقع للسائقين المغاربة جريمة إرهابية مكتملة الأركان، ويقتضي أن تقوم سلطات بلادنا بطرح الموضوع على أعلى المستويات في الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، وأيضا على مستوى الإتحاد الإفريقي، ومطالبة سلطات مالي بفتح تحقيق جدي بشأن ما حدث، وتقديم كل ما تمتلكه من معطيات بهذا الخصوص.
عندما نتمعن في التصريحات العفوية للسائق المغربي الناجي من الجريمة، ونستعرض ما نشر من معلومات حول الحادث، ونستحضر أيضا كل السياقات المتصلة بالمنطقة، ندرك أن هناك جهات خارجية عن مالي تقف وراء الجريمة، تنفيذا وتخطيطا…
وعندما يحجم القتلة عن سرقة ما كانت تحتويه الشاحنات المغربية من بضائع متوجهة نحو باماكو، فمن الواضح أن الأمر ليس مجرد عملية سلب ونهب وسرقة من لدن عصابات محلية…
إذن، الأمر يتعلق بسعي لضرب مصالح المغرب، وتخويف وترهيب للتجار  والسائقين المغاربة ليمتنعوا عن السفر إلى المنطقة، ووقف التعامل التجاري مع مالي وباقي الدول الإفريقية…
ما حدث هو جريمة إرهابية هدفها ضرب المصالح الاقتصادية والتجارية للمملكة،  وقطع تواصلها مع عمقها الإفريقي.
وهنا لابد أن نستدعي للتحليل معطى آخر يتعلق بمن له المصلحة في تحقيق هذا الهدف، ومن لا يتردد  في القيام بذلك أو السعي إليه، وحينها يصير الأمر واضحا للعيان، ويتأكد وجود  طرف مأجور قام بتنفيذ الجريمة بالوكالة، ويعني وجود جهة لها مصلحة هي التي خططت وسعت وأمرت ورتبت.
دولة واحدة في المنطقة تعاني من عقدة المغرب، وقادتها مرضى بالعداء للمغرب، ولم تخف التذكير بذلك في الفترة الأخيرة، وتمارس الضغوط على عدد من الدول الإفريقية بشتى الطرق والأدوات، وهي صاحبة المصلحة في إضعاف المغرب وفصله عن عمقه الإفريقي والإضرار بمصالحه الاقتصادية والإستراتيجية، ولذلك يجب أن ترفع الدبلوماسية المغربية الأمر إلى المنتظم الدولي، وتفضح هذا  النظام العسكري الإرهابي المافيوزي، وتقوم بسلك كل المساطر والإجراءات القانونية الدولية المتاحة، وأن تكثف المساعي لدى سلطات مالي لتفعيل تحقيق عميق وجاد حول الجريمة، والتعاون لفك كل ألغازها وسياقاتها، ولحماية مصالح المغرب.
جريمة مالي تفرض على بلادنا اليوم الوعي بمخاطر التحديات التي تواجه بلادنا في العلاقة مع الجار الشرقي وما يمكن أن تصل إليه من مآلات، وداخل المحيط الإفريقي المعقد والمضطرب، وتقتضي ترتيب الخطط والاستعدادات المناسبة لمواجهة ذلك.

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

الوسوم , ,

Related posts

Top