ترأس جلالة الملك محمد السادس، أول أمس الثلاثاء، بالقصر الملكي بفاس، مراسيم تقديم التقرير العام الذي أعدته اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، واستقبل بهذه المناسبة، شكيب بنموسى، رئيس هذه اللجنة، الذي قدم لجلالته نسخة من هذا التقرير.
وقال بلاغ من الديوان الملكي إن تجديد النموذج التنموي ” يشكل مرحلة جديدة في توطيد المشروع المجتمعي، الذي يقوده جلالة الملك؛ ويشمل أيضا تعزيز الارتباط بقيم المواطنة الإيجابية والفاعلة، وتقوية الشعور بالانتماء إلى الأمة، وتأكيد الشخصية التاريخية والثقافية المغربية، الغنية بتاريخها العريق، والمتميزة بالانفتاح، وبتعدد مكوناتها”.
وطبقا للمهمة الموكولة إليها، فقد اعتمدت اللجنة، يضيف بلاغ الديوان الملكي، ” مقاربة متعددة الأبعاد، وقامت بتأطير جيد لأعمالها. وقد تمكنت على الخصوص، من استكشاف وتدارس التحديات والتغييرات الجديدة التي نتجت عن جائحة Covid-19، في العديد من المجالات الاستراتيجية، مثل الصحة والفلاحة والأمن الغذائي والطاقة والتنمية الصناعية والسياحية”.
وخلال الاستقبال الذي خص به جلالة الملك شكيب بنموسى، هنأ جلالته رئيس وأعضاء اللجنة، على الجهود المبذولة، وجودة العمل الذي تم إنجازه، والذي يعتبر نتاج مقاربة تشاركية واسعة، من الاستماع والنقاش والابتكار الجماعي، حول تجديد النموذج التنموي المغربي.
كما أشاد جلالة الملك، باحترام اللجنة الكامل للنهج التشاركي، الذي كان جلالته قد دعا لاعتماده في هذا الشأن، وشكر بهذه المناسبة، جميع المساهمين في هذا العمل الوطني، من أحزاب سياسية، وهيآت اقتصادية واجتماعية، ومنظمات غير حكومية، ومراكز للتفكير، وكذا جميع المواطنين الذين شاركوا، عبر التراب الوطني، في جلسات الاستماع التي نظمتها اللجنة.
وبهذه المناسبة، دعا جلالته إلى التفاعل الجدي مع خلاصات هذا العمل، وجعلها في خدمة تنمية بلادنا ورفاهية مواطنيها.
كما أمر جلالة الملك بنشر تقرير اللجنة الخاصة للنموذج التنموي، ووجه اللجنة لإجراء عملية واسعة لتقديم أعمالها، وشرح خلاصاتها وتوصياتها للمواطنين ومختلف الفاعلين، بكل جهات المملكة.
وفي هذا الإطار،يقول بلاغ الديوان الملكي، ” فإن الحكومة ومختلف الفاعلين والمؤسسات، مدعوون، كل في مجال اختصاصه، للمشاركة والمساهمة الفعالة في تنفيذ التوصيات الوجيهة الواردة في هذا التقرير، من أجل خدمة هذا الطموح والأفق التنموي الجديد، والارتقاء به لمستوى تطلعات جلالة الملك والشعب المغربي. كما أن الاقتراح المبتكر للجنة، والذي يهدف إلى ترجمة المحاور الإستراتيجية للنموذج الجديد في “ميثاق وطني من أجل التنمية”، يستحق اعتماده وتفعيله بروح بناءة وتوافقية، وبحس عال من المسؤولية والمصلحة العامة، كإطار مرجعي مشترك لجميع القوى الحية بكل أطيافها”.
حضر هذه المراسيم، رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، ورئيس مجلس النواب الحبيب المالكي، ورئيس مجلس المستشارين حكيم بن شماش، ومستشارا جلالة الملك عمر عزيمان وفؤاد عالي الهمة، ورؤساء الهيئات الدستورية.
كما حضرها الأمناء العامون ورؤساء الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان، والأمين العام للمجلس العلمي الأعلى محمد يسف، ووالي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري، والمندوب السامي للتخطيط أحمد الحليمي العلمي، ورئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب شكيب العلج، ورئيس المجموعة المهنية لبنوك المغرب عثمان بنجلون”.
***
بنموسى: النموذج التنموي المقترح يطمح لأن يكون رؤية استشرافية لمغرب الغد
أكد رئيس اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي ا شكيب بنموسى أن النموذج التنموي الذي اقترحته اللجنة يطمح لأن يكون رؤية استشرافية لمغرب الغد.
وأوضح بنموسى، في كلمة ألقاها بين يدي جلالة الملك محمد السادس بمناسبة تقديم التقرير العام الذي أعدته اللجنة، أن هذه الرؤية المقترحة تستند على الروابط المتينة والمتجذرة بين الملك والشعب والتي شكلت عبر التاريخ الأساس لأي تحول هام في المسار التنموي للبلاد.
رؤية استشرافية ترتكز على التاريخ العريق وعلى الهوية الوطنية
اعتبر بنموسى أن التقرير العام الذي أعد ته اللجنة نتاج أفكار وتصورات واقتراحات تمت صياغتها وبلورتها من طرف المغاربة مع المغاربة ومن أجل المغاربة، كما دعا إلى ذلك جلالة الملك.
وبناء على مقاربة للذكاء الجماعي، يضيف بنموسى، اقترحت اللجنة رؤية استشرافية لمغرب الغد، ترتكز على التاريخ العريق للمملكة وعلى الهوية الوطنية الغنية بتعددية روافدها وعلى القيم الدينية المبنية على مبادئ الانفتاح والاعتدال والحوار. وأكد السيد بنموسى أن المكتسبات التي حققتها المملكة في عدة ميادين تشكل محل إجماع المواطنات والمواطنين وكذا كافة القوى الحية للبلاد التي استمعت إليها اللجنة. وهو ما من شأنه أن يشكل دعامة أساسية لبناء المستقبل.
وشدد على أن جلسات الإنصات المواطنة والمؤسساتية أبانت عن ضرورة بذل جهود إضافية، وأبرزت بعض الانشغالات فيما يتعلق بتعثر سبل الارتقاء في السلم الاجتماعي والشرخ الاجتماعي المترتب عنه. كما تم التعبير خلال هذه الجلسات أيضا بشكل جلي، يضيف السيد بنموسى، عن أزمة الثقة إزاء بعض المؤسسات، مؤكدا أنه “إذا كانت هذه الانشغالات لا ت ؤثر على الإحساس العميق بالانتماء للوطن إلا أنها ت غذي العزوف عن الشأن العام والشعور بعدم الرضا جراء الهوة ما بين الوعود المقدمة وترجمتها على أرض الواقع “.
وأشار إلى أن اللجنة رصدت أربع معيقات تشكل السبب وراء ضعف مردودية النموذج الحالي، تتعلق أساسا بغياب الانسجام بين الرؤية الاستراتيجية والسياسات العمومية، وببطء التحول الهيكلي للاقتصاد الوطني، بالإضافة إلى القدرات المحدودة للقطاع العام فيما يخص تفعيل السياسات العمومية، والإكراهات التي تحد من المبادرة.
ترسيخ قيم المواطنة والتشبث بثوابت الأمة
من بين الخيارات الاستراتيجية التي أوصت بها اللجنة، حسب بنموسى، تنمية الرأسمال البشري وتفعيل آليات الارتقاء الاجتماعي، عبر تعزيز القدرات بواسطة نظام صحي ناجع وفعال بإمكانه إنتاج الأدوية واللقاحات الأساسية، من أجل استباق تدبير المخاطر الناجمة عن الأزمات الصحية المتكررة في المستقبل؛ وأيضا من خلال منظومة للتعليم والتكوين تهيأ الكفاءات لمغرب الغد، في إطار نهضة تربوية تضع التلميذ في صلب أولوياتها وتضمن التعبئة الشاملة لهيئة التدريس داخل مؤسسات تعليمية مسؤولة. كما ينبغي أيضا للمدرسة أن تضطلع بدورها فيما يخص ترسيخ قيم المواطنة والتشبث بثوابت الأمة.
ومن أجل تقوية الرابط الاجتماعي، تؤكد اللجنة على أهمية تعزيز إدماج كافة المواطنين، خاصة النساء والشباب، من خلال التمكين والمشاركة الموسعة، بالإضافة إلى إرساء نظام حماية اجتماعية أكثر فعالية، وذلك وفق التوجيهات الملكية السامية . كما تؤكد اللجنة، في هذا السياق، على أهمية تعبئة التنوع الثقافي كرافعة للانفتاح والحوار والتماسك الاجتماعي.
وتحث اللجنة أيضا، يضيف بنموسى، على تكريس الدور المحوري للمجالات الترابية كنواة لترسيخ دينامية تنموية مستدامة وكذا تحسين إطار عيش الساكنة من خلال عرض سكني يستجيب لمعايير الجودة ويوفر خدمات للقرب سهلة الولوج.
وبموازاة مع هذه الخيارات الإستراتيجية، أكد أن اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، تقترح خمسة رهانات للمستقبل بإمكانها أن تجعل المغرب مركزا إقليميا في ميدان التعليم العالي والبحث والابتكار؛ وبلدا رقميا؛ ورائدا في مجال الطاقة التنافسية والخضراء؛ وقطبا ماليا على الصعيد القاري بالإضافة إلى إرساء علامة «صنع في المغرب» كوسيلة لتثمين إمكانات ومؤهلات المملكة وللاندماج أكثر في سلاسل القيمة العالمية.
ميثاق وطني وآلية للتتبع والتحفيز
قصد إطلاق دينامية التغيير، أكد بنموسى أن اللجنة تقترح تعبئة رافعتين أساسيتين، أولاهما تحديث الجهاز الإداري من حيث الكفاءات ومنهجية العمل، بالموازاة مع الإصلاحات القطاعية الضروري. فيما تتجلى الرافعة الثانية في الاعتماد على الرقميات بشكل مكثف بالنظر إلى آثارها من حيث الرفع من جودة الخدمات العمومية وتحسين الشفافية ودورها الفعال في محاربة الرشوة وترسيخ الثقة بين الدولة والمواطن.
وشدد بنموسى على أن تفعيل النموذج التنموي الجديد يتطلب قيادة حازمة من أجل ضمان التعبئة الشاملة وقدرات عالية من حيث التنفيذ والتتبع.
وفي هذا الصدد، أوضح بنموسى أن اللجنة ترفع إلى النظر السامي لجلالة الملك مقترح آليتين، تتمثل الأولى في ميثاق وطني من أجل التنمية، يهدف إلى تكريس النموذج التنموي الجديد كمرجعية مشتركة لكافة القوى الحية بكل تعدديتها.
أما المقترح الثاني فيتعلق بآلية للتتبع والتحفيز، تحت الإشراف السامي لجلالة الملك، مهمتها مواكبة الأوراش الاستراتيجية التي تندرج في الأفق الزمني الطويل وكذا دعم مسار التغيير.
وبإمكان هذه الآلية، حسب بنموسى، أن تساهم في ترسيخ روح المسؤولية وتعزيز نجاعة الفعل العمومي، خدمة لمصلحة كافة المغاربة، نساء ورجالا. وتندرج هذه الآلية في إطار توازن السلط الذي ينص عليه دستور المملكة وبالنظر إلى الدور المركزي للمؤسسة الملكية كعماد الدولة والحاملة للرؤية التنموية وللأوراش الاستراتيجية ذات البعد الزمني الطويل والحريصة على تنفيذها بما يضمن مصلحة المواطنين.
وسجل أن تقرير اللجنة أبرز أن المغرب، في ظل القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، واعتبارا للإمكانات المهمة التي يزخر بها، قادر على تعبئة كافة ساكنته وقواه الحية بغية توطيد أسس مجتمع منفتح، عادل ومنصف، يعزز قدرات كافة أفراده ويؤمن الفرص للجميع، خدمة لتنمية البلاد وإسهاما منه في بناء عالم أفضل.
طموح وتوجه تنظيمي وخيارات استراتيجية
سجل بنموسى أن من بين أهداف التنمية، مضاعفة الناتج الداخلي الخام حسب الفرد في أفق 2035 ، والرفع من قدرة الاقتصاد الوطني على خلق مناصب شغل لائقة، والحد من الفوارق الاجتماعية والمجالية، بالإضافة إلى ضمان جودة التعليم الأساسي وتعميم التغطية الاجتماعية، تماشيا مع أهداف الورش الهيكلي الذي أعطى صاحب الجلالة انطلاقته بداية شهر رمضان المبارك.
ومن أجل تحقيق هذا الهدف المنشود، يضيف بنموسى، تقترح اللجنة تبني توجه تنظيمي من شأنه توطيد العمل المشترك وتوثيق التزامات الفاعلين. ويرتكز هذا التوجه على التكامل ما بين دولة قوية ومجتمع قوي؛ دولة ذات قدرات استراتيجية تتسم بنجاعة سياساتها وتكفل أمن وكرامة وحريات المغاربة وتحميهم من الهشاشة والأزمات؛ ومجتمع تعددي، معبأ، متحرر ومسؤول يعزز قدرات الأفراد والمجموعات المكونة له ويلتزم بالدفاع عن المصلحة العامة ويكرس جهوده من أجل ترسيخ قيم المواطنة.
وسيساعد هذا التوجه، حسب بنموسى، على خلق توازن بناء بين السياسات التي تنهجها الدولة على المدى البعيد والدينامية الجهوية والمحلية التي تتيح هامشا أكبر للمبادرة والتجريب والابتكار. ويرتكز هذا التوجه، بالإضافة الى انسجامه مع مقتضيات الدستور ومع الرؤية الملكية السامية، على مجموعة من المبادئ العملية، وله انعكاسات فيما يخص دور والتزام الفاعلين سواء بالقطاع العام أو الخاص أو بالقطاع الثالث داخل مسار التنمية، وفق إطار يدعم الثقة ويحرر الطاقات ويكرس المسؤوليات.
ولفت بنموسى، في هذا الصدد، إلى أن اللجنة توصي باعتماد مجموعة من الخيارات الاستراتيجية، تتجلى في إرساء دعائم اقتصاد قوي وتنافسي، قادر على خلق مزيد من الثروة لفائدة الجميع، من خلال تحرير المبادرة المقاولاتية وتسريع وتيرة تنويع النظام الإنتاجي.
الرفع من القدرة على الصمود في عالم
ما بعد الجائحة
أكد بنموسى أنه، وأخذا بعين الاعتبار التحولات المستقبلية لعالم ما بعد جائحة كورونا، يتحتم الرفع من قدرات الاقتصاد الوطني من حيث الصمود في وجه الأزمات وتحويل مخاطرها إلى فرص سانحة.
واعتبر في هذا السياق أنه يتحتم، في بعض القطاعات الاقتصادية الوازنة كالفلاحة، إيلاء أهمية خاصة للرهانات المتعلقة بالسيادة الغدائية والاستدامة، وكذا في قطاع كالسياحة الذي يستدعي استباق التحولات التي سيعرفها الطلب الداخلي والعالمي، والتكيف معها.
وأبرز بنموسى أن اللجنة أوصت بالنهوض بمنظومة صحية فعالة، وبتعليم وتكوين قادرين على توفير الكفاءات الضرورية لمغرب الغد، وإرساء حماية اجتماعية أكثر نجاعة.
***
قالوا:
نزار بركة
تقديم خلاصات التقرير حول النموذج التنموي الجديد شكل فرصة للتأكيد على ضرورة القيام بقطيعة وإصلاحات هيكلية من أجل استرجاع ثقة المواطنات والمواطنين، وتجاوز إشكالية الارتقاء الاجتماعي، والفوارق الاجتماعية». من خلال هذا النموذج يظهر جليا بأن هناك إرادة قوية للقيام بتغيير حقيقي والوصول إلى توافق وطني بين القوى الحية في المغرب، ووضع آلية للتتبع، مما سيعطي ثقة حقيقية للشباب والنساء بخصوص مستقبل وطنهم.
عبد اللطيف وهبي
التقرير الذي قدمه رئيس لجنة النموذج التنموي الجديد يحمل مجموعة من الخطوط والتصورات والأفكار التي أبانت على مدى قدرة هذه اللجنة على التفاعل مع الحس الاجتماعي والاقتصادي، وكذا الاستماع لجميع الأطراف السياسية. اللجنة نجحت، بكثير من الذكاء الجماعي، في تقديم تقرير يخطط لمغرب المستقبل الذي نتمنى أن يكون في المستوى الذي يتطلع إليه جلالة الملك من أجل تحقيق كل الطموحات والأهداف المسطرة.
إدريس لشكر
هذا التقربر العام سيكون موضوع مداولات ومناقشات أعضاء الحزب والمواطنين. ندعو إلى فتح حوار وطني بشأن خلاصاته . ونشدد، في هذا السياق، على أن حزبنا سيتفاعل إيجابا مع النموذج التنموي الجديد، ونعتبر أن هذا النموذج سيشكل رافعة لمغرب 2035.
امحند العنصر
خلاصات التقرير تعطي آفاقا واعدة بالنسبة للنموذج التنموي الجديد، على اعتبار المرتكزات التي جاء بها التقرير والتي تقوم على دولة قوبة ومجالات ترابية مستدامة و الرقمنة والتكوين ذي جودة والعنصر البشري. هذه المرتكزات ستحفز المغاربة وخاصة فئة الشباب والتي ستوليه مكانة متميزة ، كما ستحد من الفوارق الاجتماعية والترابية.
نبيلة منيب
تقرير النموذج التنموي الجديد يعتبر مشروعا هاما يجب أن يشكل موضوع نقاش وحوار ديمقراطي واسع في المملكة، ولاسيما في ظل تزامنه مع ما يشهده العالم اليوم من تحولات وظرفية اقتصادية صعبة وتغيرات مناخية واختلالات مجتمعية. نشدد على ضرورة الاستفادة من الآفاق التي يفتحها النموذج التنموي الجديد من أجل وضع أسس إصلاحات عميقة تكفل وضع المغرب على السكة الصحيحة من خلال تعزيز الخيار الديمقراطي وتنزيل الجهوية ، وكذا إرساء سياسات عمومية تخدم كافة المواطنين والمواطنات من خلال تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية، و»بناء مغرب ديمقراطي تصان فيه كرامة كافة المواطنات والمواطنين».
سعد الدين العثماني
تقرير النموذج التنموي الجديد يوفر رؤية مستقلبية لمغرب 2035. الفاعلون السياسيون والاقتصاديون والمدنيون يتوفرون الآن على الأسس والأدوات التي سيعتمدونها للوصول إلى أهداف مغرب الكفاءات والتنمية، والعدالة الاجتماعية، والتنمية المستدامة. الأمر يتعلق بلحظة تاريخية لأن المغاربة انتظروا النموذج التنموي الجديد لمدة طويلة. ويشكل تجديد النموذج التنموي مرحلة جديدة في توطيد المشروع المجتمعي، الذي يقوده جلالة الملك؛ ويشمل أيضا تعزيز الارتباط بقيم المواطنة الإيجابية والفاعلة، وتقوية الشعور بالانتماء إلى الأمة، وتأكيد الشخصية التاريخية والثقافية المغربية، الغنية بتاريخها العريق، والمتميزة بالانفتاح، وبتعدد مكوناتها.
شكيب لعلج
النموذج التنموي الجديد يضع المواطنين في صلب أولوياته، و يأتي في الوقت المناسب. هذا النموذج يدمج التحولات الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن جائحة «كوفيد-19». الاتحاد العام لمقاولات المغرب يواصل تعبئته لفائدة اقتصاد قوي ومرن ودامج.
***
أبرز محطات اشتغال اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي
في ما يلي أهم المحطات والتواريخ المتعلقة بعمل اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي منذ تنصيبها:
التأسيس:
13 أكتوبر 2017: خطاب جلالة الملك محمد السادس، يدعو فيه جلالته إلى التفكير في بلورة نموذج تنموي جديد.
أكتوبر 2017- يوليوز 2019: القوى الحية للأمة تساهم في النقاش الوطني، حيث تم تقديم العديد من المقترحات المنبثقة عن فاعلين سياسيين وخبراء اقتصاديين والمجتمع المدني.
29 يوليوز 2019: إعلان جلالة الملك محمد السادس عن إنشاء اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي.
19 نونبر 2019: جلالة الملك محمد السادس يستقبل، بالقصر الملكي بالرباط، السيد شكيب بنموسى، ويكلفه برئاسة اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي.
12 دجنبر 2019: جلالة الملك محمد السادس يشرف على تعيين أعضاء اللجنة.
16 دجنبر 2019: انعقاد أول اجتماع للجنة بمقر أكاديمية المملكة.
كرونولوجيا أشغال اللجنة:
– جلسات الاستماع –
02 يناير 2020: دشنت اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي جلسات الاستماع للأحزاب السياسية والنقابات بلقاء ممثلي أحزاب العدالة والتنمية والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والاستقلال.
03 يناير 2020: عقد جلسات استماع لممثلي الحركة الديمقراطية الاجتماعية والاتحاد المغربي للشغل.
04 يناير 2020: عقد جلسات استماع لممثلي كل من الاتحاد العام للشغالين بالمغرب والكونفدرالية الديمقراطية للشغل.
07 يناير 2020: استمعت اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي لممثلي حزب الاتحاد الدستوري، وحزب التقدم والاشتراكية، وحزب الحركة الشعبية، والجمعية المغربية لرؤساء مجالس الجماعات.
08 يناير 2020: عقد جلسات استماع مع ممثلي حزب التجمع الوطني للأحرار، والفيدرالية الديمقراطية للشغل، وجمعية جهات المغرب، وحزب الأصالة والمعاصرة.
09 يناير 2020: عقد جلسات استماع مع ممثلي جامعة غرف الصناعة التقليدية، وحزب اليسار الأخضر، وحزب الوحدة والديمقراطية، والمنظمة المغربية للشغل، وحزب العهد الديمقراطي، وحزب الشورى والاستقلال، وحزب الإصلاح والتنمية، وحزب البيئة والتنمية المستدامة، وحزب القوات المواطنة، وحزب النهضة والفضيلة.
11 يناير 2020: عقد جلسات استماع مع ممثلي حزب المجتمع الديمقراطي، وحزب الأمل، وحزب النهضة، وحزب العمل، وحزب الحرية والعدالة الاجتماعية، وحزب الديمقراطيين الجدد، وحزب الوسط الاجتماعي، وجبهة القوى الديمقراطية، والاتحاد المغربي للديمقراطية.
17 يناير 2020: عقد جلسة استماع مع ممثلي الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها.
21 يناير 2020: عقد جلسة استماع مع ممثلي جامعة الغرف المغربية للتجارة والصناعة والخدمات.
23 يناير 2020: عقد جلسات استماع مع ممثلي بنك المغرب ومجلس المنافسة.
28 يناير 2020: عقد جلسة استماع مع ممثلي المجلس الوطني لحقوق الإنسان.
30 يناير 2020: عقد جلسة استماع مع ممثلي المجموعة المهنية لبنوك المغرب.
5 فبراير 2020: عقد جلسات استماع مع ممثلي الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، والمجلس الوطني للصحافة، والاتحاد العام لمقاولات المغرب.
13 فبراير 2020: عقد جلسة استماع مع ممثلي مؤسسة وسيط المملكة.
25 فبراير 2020: عقد جلسات استماع مع ممثلي الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان.
26 فبراير 2020: عقد جلسة استماع مع ممثلي الكونفدرالية المغربية للفلاحة والتنمية القروية، والجمعية المغربية للمصدرين.
12 مارس 2020: عقد جلسات استماع مع ممثلي الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان.
24 أبريل 2020: لقاء مع السيد محمد الدردوري، الوالي المنسق الوطني للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
21 ماي 2020: عقد جلسات استماع مع ممثلي جمعية مهندسي المدرسة المحمدية.
22-23 ماي 2020: الاستماع لعدد من التلاميذ في إطار طلب مساهمة.
29 و31 ماي 2020: الاستماع لعدد من التلاميذ في إطار طلب مساهمة.
30 يونيو 2020: الاستماع لطلبة جامعيين لبحث محاور الجهوية والحكامة والتنمية والتغيرات المناخية والموارد الطبيعية.
1 يوليوز 2020: الاستماع لطلبة جامعيين لبحث قضايا التعليم والتكوين والقابلية للتشغيل، والابتكار والرقمنة والاقتصاد والتنافسية.
17 يوليوز 2020: جلسة مع السيد أنيس بيرو، الوزير المكلف بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة سابقا (2013-2017).
6 غشت 2020: اجتماع مع السيد محمد عبد النباوي، رئيس النيابة العامة.
27 غشت 2020: اجتماع مع السيد خالد بنعمر (مسؤول سابق بوكالة تنمية وإنعاش أقاليم الشمال).
11 شتنبر 2020: اجتماع حول القنب الهندي.
21 شتنبر 2020 (أزمة كوفيد 19): عقد جلسات استماع مع ممثلي حزب العدالة والتنمية.
22 شتنبر (أزمة كوفيد19): عقد جلسة استماع مع ممثلي حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية
25 شتنبر 2020: لقاء حول التنافسية اللوجستية مع السيد محمد يوسفي، المدير العام للوكالة المغربية لتنمية الأنشطة اللوجيستيكية.
30 شتنبر 2020: برنامج تربوي مع السيدة رحمة بورقية، مديرة الهيئة الوطنية للتقييم لدى المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي.
16 أكتوبر 2020: عقد جلسات استماع مع المؤسسة الدبلوماسية.
5 نونبر 2020: لقاء مع الجمعية المغربية للبرلمانيين الشباب.
13 نونبر 2020: لقاء حول التنمية في ماليزيا مع الدكتور محمد عزمان شريف الدين، زميل أول لأكاديمية العلوم بماليزيا، ورئيس مجلس الإدارة بجامعة مالايا.
17 نونبر 2020: لقاء مع السيد محمد أشركي، رئيس المجلس الدستوري سابقا.
25 نونبر 2021: لقاء مع السيد عبد الله ساعف، وزير التربية الوطنية الأسبق.
26 نونبر 2020: عقد جلسة استماع مع حزب الأصالة والمعاصرة حول أزمة كوفيد-19.
27 نونبر 2020: لقاء مع الهيئة الوطنية للمحاسبين العموميين التابعة لوزارة الاقتصاد والمالية.
2 دجنبر 2020: لقاء مع السيد أنور بنعزوز، المدير العام للشركة الوطنية للطرق السيارة بالمغرب.
7 يناير 2021: عقد جلسات استماع مع الجمعية المغربية لرؤساء المجالس الجماعية.
10 يناير 2021: عقد جلسات استماع مع فيدرالية اليسار الديمقراطي.
10 يناير 2021: عقد جلسات استماع مع جامعات غرف الصناعة التقليدية وجامعات الغرف الفلاحية وجامعات غرف الصيد البحري.
25 فبراير 2021: عقد جلسات استماع مع الجمعية المغربية للمصد رين.
24 مارس 2021: عقد جلسات استماع مع وكالة التنمية الرقمية.
17 أبريل 2021: لقاء مع الأمانة/الفيدرالية الوطنية لجمعيات القروض الصغرى.
22 أبريل 2021: جلسات استماع مع هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي (الحماية الاجتماعية).
تقديم الحصيلة المرحلية في 19 يوليوز 2020:
– تنظيم 180 جلسة استماع –
عقد لقاءات مع 1200 شخص، وتلقي 6200 مساهمة (مراسلات كتابية، مراسلات باستخدام الوسائط الرقمية، اللقاءات المواطنة، مساهمات التلاميذ، مشاريع الطلبة والندوات المعتمدة).
***
اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي تطرح خمس خيارات استراتيجية لإنجاح التحول الاقتصادي
< إعداد: عبد الصمد ادنيدن
أكدت اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، في تقريرها العام، الذي قدمته أول أمس الثلاثاء، بالقصر الملكي بفاس، في مراسم ترأسها جلالة الملك محمد السادس، على أن إنجاح عملية التحول الاقتصادي بالمغرب يستلزم جيلا جديدا من الإصلاحات المركبة تنجز على الأمد الطويل وتستند إلى دعم سياسي قوي.
وفي هذا الصدد، كشفت اللجنة في تقريرها أنه من أجل إطلاق دينامية اقتصادية نسقية تعبئ كل الفاعلين، يقترح النموذج التنموي الجديد خارطة طريق مبنية على خمسة خيارات استراتيجية هي: تأمين المبادرة الخاصة بهدف القضاء على كل العوائق التنظيمية والحواجز الإدارية واقتصاد الريع، توجيه الفاعلين الاقتصاديين نحو الأنشطة الإنتاجية ذات القيمة المضافة المرتفعة بواسطة منظومة متكاملة للدعم والتحفيز، إحداث صدمة تنافسية قصد تخفيض تكاليف عوامل الإنتاج وتحسين جودتها؛ وضع إطار ماكرو-اقتصادي في خدمة التنمية، بروز الاقتصاد الاجتماعي كدعامة جديدة للتنمية.
وشددت اللجنة ذاتها على أنه يتعين تفعيل الخيارات الإستراتيجية التي يقترحها النموذج التنموي الجديد بكيفية مستعجلة قصد بناء اقتصاد ما بعد جائحة كوفيد19، خصوصا وأن هذه الجائحة قد تسببت في أزمة اقتصادية عميقة وغير مسبوقة كشفت مكامن ضعف النسيج الإنتاجي الوطني وأثرت سلبا على إمكانات النمو الاقتصادي.
وتستلزم هذه الأزمة عملا إراديا للحفاظ على المقاولات غير أنها تنبئ أيضا بفرص اقتصادية جديدة مع تطور الصناعات المرتبطة بالحياة ونقل سلاسل القيمة خصوصا بأوروبا، إذ يتعين استغلال هذه الفرص بصفة كاملة عبر فسح المجال لمبادرات المقاولات وعبر بروز جيل جديد من المقاولات الحاملة لمشاريع التحول الإنتاجي.
الاختيار الاستراتيجي الأول: تأمين المبادرة المقاولاتية
يهدف تأمين المبادرة الخاصة إلى ضمان قواعد قارة ومحايدة بالنسبة لكل الفاعلين الاقتصاديين الذين يجب أن يجدوا في الإدارة العمومية شريكا موثوقا به. ويتطلب تحرير الطاقات المنتجة للمشاريع تحسينا جوهريا لمناخ الأعمال بهدف القضاء على بؤر العرقلة وعدم الثقة والفساد. وفي هذا الصدد، يقترح العمل بثلاث توصيات من شأنها بناء عالقة جديدة للثقة:
إزالة الحواجز الإدارية والتنظيمية بطريقة نسقية، من أجل تعزيز وتسريع الجهود المبذولة في هذا الاتجاه، ويقترح في هذا الباب العمل بآليات مبتكرة للإصلاح أثبتت نجاعتها على المستوى الدولي: 1) إجراءات للتبسيط الواسع لمسطرة منح الرخص والمأذونيات والتراخيص من خلال إلزام الإدارات العمومية بتبرير الإجراءات المعمول بها وحذف كل المراحل غير الضرورية وتفضيل المراقبة البعدية اعتمادا على دفتر للتحملات، 2) تقدير الكلفة المالية للإجراءات الإدارية التي تتحملها الشركات من خلال العمل بـ”نموذج الكلفة المعيارية” الذي يحدد الأهداف السنوية لتبسيط الإجراءات، 3) مراجعة النصوص التنظيمية قصد التقييم الدوري لجودة القوانين المتعلقة بممارسة الأعمال. ويمكن تجميع إجراءات التبسيط المنبثقة عن هذه الآليات في إطار قوانين للتحديث والتي يمكن إصدارها من تعديل العديد من المقتضيات في إطار
مدونة قانونية موحدة.
يجب الجمع بين كل هذه الآليات المقترحة لمعالجة الإشكاليات العرضانية والقطاعية. ويمكن أن يعهد بتنسيق ورش التبسيط هذا إلى اللجنة الوطنية لمناخ الأعمال التي يتعين تدعيمها لتنهض بهذه المهمة.
ضمان منافسة سليمة وتقوية أجهزة الضبط، بحيث يعتبر ضمان السير السليم والمنافسة للسوق شرطا أساسيا لإذكاء المبادرة الخاصة. ويتوفر المغرب على مجلس للمنافسة وعدة مؤسسات أخرى للضبط القطاعي عهد إليها بالسهر على السير السليم للأسواق والتقليص من حواجز الولوج إليها ومعاقبة حالات تنازع المصالح والتسريبات المخلة بالمنافسة النزيهة والتوافقات غير القانونية. إلا أن هيئات الضبط والتقنين هاته لا تمارس بعد كل المهام الموكولة إليها، بحيث إن بعض الممارسات الضارة بحرية المنافسة، والتي تستوجب محاربتها من طرف الهيئات المعنية، لا تزال قائمة. وسيكون من اللازم، في إطار النموذج التنموي الجديد: 1) تقوية هيئات الضبط الحالية من خلال ضمان استقلاليتها ودعم إطارها القانوني، وتمكينها من الوسائل والخبرات الضرورية، وكذا من خلال منح الأفضلية لمعايير الخبرة والنزاهة والاستقلالية عند تعيين أعضاء مجالسها، 2) تغطية أنشطة استراتيجية أخرى، مثل قطاع الماء، بهيئات للضبط، 3) وضع إطار قانوني واضح يتوافق مع المعايير الدولية المتعلقة بالولوج إلى المعلومة وتنازع المصالح.
حماية المقاولات بواسطة آليات فعالة للتظلم والطعن. إن الحماية الفعلية للمقاولات تتطلب ضمان الولوج إلى عدالة شفافة ونزيهة وقادرة على تنفيذ الأحكام. في هذا الصدد، فإن تفعيل مقترحات النموذج التنموي الجديد بخصوص إصلاح العدالة يعد أمرا حاسما لتشجيع ازدهار القطاع الخاص. إضافة إلى ذلك، تتطلب حماية المقاولات تطوير آليات للتظلم والطعن في حالة وجود عوائق إدارية غير مبررة أو شطط أو ارتشاء، وذلك عبر تقوية دور مؤسسة وسيط المملكة ووضع مسالك للتظلم داخل الإدارة. في هذا المضمار، يقترح إحداث مهمة “المدافع عن المقاولة” يلحق برئيس الحكومة ويعهد إليه بمهمة الوساطة المباشرة بناء على مسطرة محددة قصد إيجاد حلول للحالات المرتبطة ببطء أو بشطط الإدارة التي يترتب عنها ضرر اقتصادي بين.
الاختيار الاستراتيجي الثاني: توجيه الفاعلين الاقتصاديين إلى الأنشطة المنتجة
يجب أن تولي التدخلات العمومية الأولوية لتشجيع الفاعلين الخواص على التوجه نحو الأنشطة الجديدة الحاملة للتحديث والتنويع والارتقاء بالإنتاج والانفتاح على الأسواق الدولية. ولبلوغ هذا الهدف، تقترح اللجنة العمل بالتوصيات الأربع التالية:
إعداد سياسة وطنية متعلقة بالتحول الاقتصادي من أجل تحرير إمكانات نمو الاقتصاد الوطني في جميع القطاعات، تمكن المغرب من إعداد استراتيجيات قطاعية إرادية أسفر تنفيذها عن تحقيق نتائج مشجعة في بعض القطاعات، لكنها لا ترقى إلى مستوى الأهداف المسطرة في قطاعات أخرى. ويعزى ذلك، في جزء منه، إلى التدبير المنفصل لكل سياسة على حدة والتعاضد المحدود والتنسيق غير الكافي بين مختلف القطاعات. في إطار النموذج التنموي الجديد، يقترح إعداد سياسة وطنية للتحول الاقتصادي من أجل اصطفاف الفاعلين حول طموح مشترك وأهداف لخلق القيمة على المستوى الوطني. وباعتبارها إطارا مرجعيا للاستراتيجيات القطاعية والإطار التحفيزي، تسعى هذه السياسة إلى تحديد الأهداف ورافعات التحول الاقتصادي للمغرب وكذا الطموحات القطاعية ذات الأولوية التي تمكن من تعبئة ما تتوفر عليه بلادنا من إمكانات من حيث مصادر التنمية. وبالنظر إلى طابعها العرضاني وأهميتها الاستراتيجية، ينبغي أن تسند قيادة هذه السياسة إلى رئيس الحكومة على أن تضطلع بحملها جميع الأطراف المعنية بالقطاعين العام والخاص. ويمكن أن يرتكز تفعيل هذه السياسة على مجموعة من الإجراءات والأدوات المتنوعة، التي سيتم تفصيل بعضها ضمن الفقرات التالية. كما ينبغي أن يتم، بصفة دورية، إعادة تقييم وتعديل هذه السياسة استجابة للتطورات والتوجهات العالمية والفرص الاقتصادية الصاعدة.
وضع آلية منسجمة للقيادة والتنفيذ من أجل تحقيق الطموحات القطاعية الاستراتيجية. فمن أجل تعبئة مجموع الأطراف المعنية لخدمة السياسة الوطنية للتحول الاقتصادي، خصوصا بالنسبة لفروع الإنتاج التي تقع عند تقاطع قطاعات متعددة، يقترح إحداث فرق عمل قطاعية يتم تكليفها من أعلى مستوى لتحقيق طموحات قطاعية محددة. ويجب أن تضم هذه الفرق ممثلين عن القطاعات العمومية والخاصة، وأن تكلف بإزاحة القيود التي تعترض ازدهار قطاع معين ذي مؤهلات كبرى. وتمكن المقاربة المقترحة من: 1) خلق الانسجام ومأسسة أفضل ممارسات تنفيذ الاستراتيجيات القطاعية، 2) تحميل المسؤولية لمختلف الأطراف المعنية عبر تكليف من مستوى عال يحث على التعاون، 3) الرفع من قدرات التفعيل والتتبع والتنسيق عبر إسناد كتابة هذه الفرق إلى وحدة دعم التنفيذ الملحقة برئيس الحكومة، مما يجعلها مركزا لنشر الممارسات الفضلى واستثمار فاعل ويحدد أهداف وأدوار كل التجارب المكتسبة. ومن أجل إطلاق هذا المسلسل في إطار مرحلة تجريبية، يقترح تكليف عدد محدود من فرق العمل تهم قطاعات ذات مؤهلات قوية والتي تظل غير مستغلة بالشكل الكافي. على سبيل المثال، يمكن أن يتعلق الأمر بالاقتصاد الأزرق والسياحة وترحيل الخدمات ذات القيمة المضافة العالية واللوجستيك والطاقة والرقميات والنقل المستدام، للاقتصاد الاجتماعي، الخ.
مراجعة الإطار التحفيزي للاستثمار من أجل توجيه المستثمرين إلى الأنشطة الإنتاجية ودعم تنمية المقاولات الصغرى والمتوسطة بشكل أكثر قوة. وعلى اعتبار أن التحفيزات تمثل وسيلة لتوجيه الاستثمار، فمن الواجب وضعها في خدمة عملية التحول الإنتاجي وأهداف النموذج الجديد في مجالات النمو الاقتصادي والتشغيل وتنمية المقاولات. وفي هذا الاتجاه، تقترح اللجنة مراجعة الإطار التحفيزي لأجل: 1) إعادة تحديد أدوات التحفيز الأكثر ملاءمة من أجل استهداف الأنشطة المنتجة للقيمة، 2) إعادة تحديد معايير الاستفادة وذلك بفرض تخويل الأفضلية للمشاريع المساهمة في التحول الإنتاجي وضمان استفادة المشاريع متوسطة الحجم والمقاولات الصغرى والمتوسطة، المنتجة لفرص الشغل بشكل أكبر، 3) تحسين نجاعة التحفيزات من خلال اعتماد أنماط للتمويل تكون مشروطة أكثر ببلوغ الأهداف المحددة (فرص الشغل، الاستثمار، الاندماج، نقل المهارات، الخ)، والتي تضمن انخراطا قويا للمستثمرين من أجل الإنجاز الفعلي للمشاريع ومردودية أفضل لهذه التحفيزات لفائدة الدولة.
ويتعين أن ترتكز مراجعة الإطار التحفيزي على تقييم عام لفعالية الدعم الموجه للمقاولة، المعمول به حاليا، سواء كان عاما أو قطاعيا.
تمويل إرادي من أجل تنويع الإنتاج والارتقاء بمستوى الاقتصاد. وينبغي، في هذا الصدد، خلق آلية للتمويل تخصص حصريا لتنويع الإنتاج وتحدد مهمتها في الاستثمار في الأنشطة الاقتصادية الوطنية ذات المردودية العالية، بشراكة مع مقاولات من القطاع الخاص في طور الإنشاء أو التطوير.
ومن شأن هذه المساهمة على شكل “رأسمال-مخاطرة” أن يكون لها مفعول إيجابي يشكل رافعة تمكن المقاولات من الحصول على تمويلات إضافية من لدن الفاعلين في السوق. وستحدد مهمة هذه الآلية المقترحة في تنفيذ خطة عمل واسعة النطاق واستباقية وممنهجة، تهدف إلى تثمين مجموع المؤهلات القطاعية المستغلة بشكل غير كاف ببلدنا، بتنسيق، مع فرق العمل القطاعية. وتنسجم هذه الآلية إلى حد كبير مع أهداف صندوق محمد السادس للاستثمار الذي تم إنشاؤه مؤخرا، ويمكن إدماجها في إطاره، مع ضمان شروط تظافر الجهود والتكامل مع الآليات التي توفرها المؤسسات العمومية ذات الطابع المالي. وفي نهاية المطاف، يمكن لصندوق محمد السادس أن يتطور لكي يصبح مؤسسة بنكية عمومية للاستثمار، يقوم بدمج مجموع أدوات دعم تنمية المقاولات المعمول بها حاليا (الضمانات، التمويل، الاستثمار، المواكبة، الترويج، الخ)، وتعمل حسب خطة مؤسساتية مرنة وفعالة.
تطوير مواكبة المقاولات من أجل تعزيز قدراتها التدبيرية والتنظيمية والتكنولوجية. من أجل منح القطاع الخاص ببلدنا كل الفرص لإنجاح عملية التحول الإنتاجية، يضع النموذج التنموي الجديد مواكبة المقاولات في صلب أولويات السياسة الاقتصادية، وذلك بهدف تقوية القدرات البشرية والتنظيمية لهذه المقاولات ومواكبة تحديثها، في ارتباط وتكامل مع الحلول المقترحة للتمويل. لهذه الغاية، تقترح اللجنة وضع “استراتيجية وطنية لمواكبة المقاولة” من أجل تطوير عرض لمواكبة الشركات على نطاق واسع، وتنظيمه في إطار مسار واضح، وكذا ضمان جودته. ويتعلق الأمر، خاصة، بتوسيع مجال برامج المواكبة الحالية والعمل على أن تصبح متاحة، على نحو أكثر يسرا، في كل الجهات، وإغناء هذه البرامج لتغطية كل المتطلبات والاحتياجات (التطوير، التصدير، الابتكار، نقل التجارب، الخ)، مع اعتماد مقاربات خاصة تناسب حجم المقاولة ومراحل تطورها (المقاولات الناشئة والمبتكرة، المقاولات الصغيرة جدا، والمقاولات الصغرى والمتوسطة، والمقاولات ذات المؤهلات الكبرى). ويتطلب تفعيل مثل هذه البرامج، المتاحة على نطاق واسع، هيكلة واحترافية الفاعلين في مجال المواكبة، مع اعتماد مقاربة ترتكز على منحهم الشهادات وتصنيفهم حسب معايير ترتبط بجودة خدماتهم وبحسن أدائهم (الأثر على المقاولات المستفيدة من عملية المواكبة). وبهدف تحقيق الأثر الأقصى، ينبغي على هذه البرامج أن تكون متاحة، وفقا لمعايير واضحة بخصوص شروط الاستفادة، وأن تكون انتقائية، وممولة، في جزء منها، من طرف الدولة، وفي جزء آخر، من طرف المقاولات المستفيدة. هذا الورش يمكن أن يتم دعمه بواسطة صندوق محمد السادس للاستثمار، في تكملة لأدواته الاستثمارية. وفي الجهات، يجب إنشاء “شباك وحيد للمواكبة التقنية والمالية للمقاولات” على مستوى كل مركز جهوي للاستثمار، تنظم حوله منظومة جهوية تجمع كل الأطراف المعنية بهذه العملية.
وضع إطار ملائم لتشجيع الابتكار وسط المقاولات والعمل على بروز مقاولات ناشئة ذات بعد إقليمي وعالمي. لأجل ذلك، يقترح تطوير نظام وطني للابتكار يتيح: 1) تعزيز ولوج المقاولات إلى البحث والتطوير والابتكار من خلال وضع أدوات للدعم المالي للابتكار، من بينها، على الخصوص، آلية طموحة تتيح استرجاع الضريبة على الأنشطة المخصصة للبحث لفائدة مجموع المقاولات، وإحداث برنامج للابتكار التكنولوجي من أجل تقديم الدعم المالي لمشاريع البحث التكنولوجي والعلمي التي تتميز بإمكانيات اقتصادية قوية وبكونها ابتكارات مجددة تقطع مع سابقاتها، 2) تطوير إطار تنظيمي وجبائي يساعد على بروز المقاولات الناشئة، والذي سيمكن، خصوصا، من إحداث نظام محفز للمقاولة الناشئة المبدعة وتكييف قواعد قانون الصرف مع حاجيات المقاولات الناشئة ووضع إطارات قطاعية ملائمة لابتكار وازدهار المقاولات الناشئة، وخاصة في القطاعات مثل التكنولوجية المالية (Fintech)، التي لا زال المغرب يسجل فيها تأخرا كبيرا.
توظيف الطلبيات العمومية كرافعة استراتيجية للتنمية المنتجة، مع الحرص على مبادئ المنافسة والبحث عن أفضل جودة بتكلفة أقل، يجب أن تشكل مشتريات القطاع العام عاما مساهما في عملية التحول الإنتاجي من خلال منح المقاولات الوطنية الفرص لتنويع الإنتاج والرفع من المستوى. في هذا الصدد، يقترح وضع إطار لتحفيز ومواكبة القطاع العام على الامتثال لمبدأ الأفضلية الوطنية وعلى دمج أهداف التحول الهيكلي وعامل الأثر الإجتماعي والبيئي كمعايير أساسية لإسناد الصفقات وعلى تخصيص أفضل للصفقات بالشكل الذي يشجع المقاولات الصغرى والمتوسطة على تقديم عروضها.
سيكون من المهم أيضا تعزيز شفافية الصفقات العمومية بواسطة النشر المنتظم للمؤشرات والمعطيات المتعلقة بهذه الصفقات وتسريع مشروع نزع الصفة المادية بشكل تام عن عملية الاقتناء العمومي.
وفي القطاعات ذات الطابع الاستراتيجي (الدفاع، التربية، الصحة، الرقميات، …) يجب وضع آليات للاقتناء أكثر مرونة بهدف تشجيع الابتكار، وذلك من خلال اعتماد أشكال جديدة للمشاورة والاقتناء من قبيل عقود التجريب وعقود التقدم وطلب النماذج والعروض التلقائية.
إدماج القطاع غير المهيكل في النسيج الاقتصادي بكيفية تحفيزية وتدريجية وملائمة لمختلف الفاعلين. فيما يخص القطاع “غير المهيكل المنظم”، يجب أن يتم التطبيق الفعلي للقانون عند نهاية مرحلة انتقالية يتم تحديدها، عند الضرورة، أخذا بعين الاعتبار للخصوصيات القطاعية، على أن يتم الامتثال للقانون بشكل تدريجي باعتماد عقود للمطابقة تبرم ما بين المقاولات المعنية والدولة. أما بالنسبة للقطاع غير المهيكل ذي الطبيعة الاجتماعية (التجار الصغار، الحرفيون) والذي يهم الملايين من المغاربة، فتقترح اللجنة لأجل إدماجه، اعتماد نظام ينبني على منح العاملين به بطاقة مهنية تسمح لهم بالاستفادة من مجموعة من الخدمات، من قبيل الولوج إلى التكوين المهني وإلى بعض الطلبيات العمومية والتسهيلات الإدارية والجبائية، إضافة إلى الولوج إلى التغطية الصحية والتعويضات العائلية.
الاختيار الاستراتيجي الثالث: إحداث صدمة تنافسية
إن إحداث صدمة تنافسية ذات أثر إيجابي على الاقتصاد الوطني أصبح ضروريا لخلق الشروط المواتية للتحول الإنتاجي وتجسيد طابع المغرب كملتقى إقليمي جاذب للاستثمارات. بالرغم من أن المغرب يتوفر على العديد من المزايا التنافسية، فإن تكلفة عوامل الإنتاج تظل مرتفعة نسبيا قياسا بجودتها، الأمر الذي يحد من تنافسية المقاولات المغربية ويؤثر سلبا على جاذبية البلاد للاستثمارات الأجنبية. وفي هذا الصدد، يقترح النموذج التنموي الجديد أربعة إجراءات من شأنها أن تجعل من المغرب البلد الأكثر
تنافسية داخل محيطه الإقليمي، وذلك عبر الاستثمار في جودة عوامل الإنتاج وعبر القيام بالإصلاحات الهيكلية الضرورية لتحسين تكلفة هذه العوامل.
تخفيض تكلفة الطاقة عن طريق إصلاح القطاع واللجوء إلى الطاقات المتجددة ذات المستوى المنخفض من انبعاثات الكربون. يتطلب تخفيض تكلفة الطاقة إصلاحا عميقا لقطاع الكهرباء، لاسيما من خلال الإجراءات التالية: 1) وضع هندسة مؤسساتية جديدة ترتكز على فاعل مكلف بالضبط يتمتع بالصلاحيات اللازمة والاستقلالية ويتميز بالشفافية تجاه كل الأطراف المتدخلة في القطاع، على أن يتكلف أيضا بقطاع الغاز الطبيعي، 2) الفصل بين مهام مختلف المتدخلين في القطاع (المنتجون، الناقلون، الموزعون) والتحرير المسؤول للقطاع، خاصة من خلال فتح ميدان إنتاج الطاقات الخضراء في وجه المنافسة، 3) إعادة هيكلة المنشآت العمومية العاملة في قطاع الكهرباء، وخاصة المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب بهدف تمكينه من القيام بمهمته الاستراتيجية المتمثلة في تحديث شبكة نقل الكهرباء ومواكبة إصلاح هذا القطاع، 4) تشجيع لامركزية الإنتاج بهدف توفير طاقة كهربائية بأسعار تنافسية على مستوى كل مناطق البلاد، 5) وضع إطار ملائم لتنمية التنقل بواسطة الكهرباء.
ويجب مواكبة هذا الإصلاح المهيكل بمجهود على الأمد القصير يتوخى تحسين تنافسية الاقتصاد الوطني، وذلك بالتأثير في خفض تكاليف الإنتاج بالنسبة للصناعات كثيرة الاستهلاك للطاقة، بالإضافة إلى تمكينها من حلول فيما يخص التزود بالغاز الطبيعي لإنتاج الطاقة الحرارية بتكلفة منخفضة. ومن شأن إعمال هذه الإجراءات أن يخول للمغرب موقعا دوليا متميزا، باعتباره شريكا مسؤولا بيئيا ومحايدا فيما يخص انبعاثات الكربون.
تخفيض تكاليف الإنتاج المتعلقة باللوجستيك وتحسين جودة الخدمات عبر إعادة هيكلة هذا القطاع. يتمثل طموح النموذج التنموي الجديد في جعل الاقتصاد المغربي قطبا متعدد القطاعات يرتبط بسلاسل القيمة الدولية. ويبقى تحقيق هذا الطموح رهينا بالقدرة على تحديث وإعادة هيكلة قطاع اللوجستيك من أجل تحسين أدائه وتخفيض تكاليفه. ويستهدف الإصلاح المقترح تقويم الاختلالات الرئيسية التي تؤثر سلبا على تنافسية قطاع اللوجستيك، وذلك من خال: 1) إرساء نظام حكامة جديد يتيح تنسيقا أكبر بين الفاعلين العموميين من أجل دعم تعدد وسائط التنقل المتاحة، من خلال إحداث قطب تابع للدولة يمكنه أن يأخذ شكل شركة قابضة أو مجموعة ذات النفع الاقتصادي من أجل ضبط مجموع النشاط اللوجستيكي وتقوية دور الوكالة المغربية لتنمية الأنشطة اللوجستيكية؛ 2)
هيكلة التدفقات اللوجستيكية حول مناطق لوجستيكية مندمجة كليا في مراكز الإنتاج والتجارة الخارجية عبر معابر طرقية كبرى؛ 3) توطيد وهيكلة عمل مختلف الفاعلين عبر التشجيع على تكتل المقاولات الصغرى في هذا القطاع وبروز فاعلين كبار في مستوى دولي، بمن فيهم أولئك الذين يشتغلون في مجال خدمات التخزين والنقل والتوصيل من المنشأ إلى المقصد التي تعد ضرورية لتنمية التجارة الإلكترونية؛ 4) التوسيع الترابي للنقل السككي لجعله العمود الفقري لعملية تعدد وسائط التنقل من خال مواصلة تحديث وفتح هذا النشاط.
تطوير مناطق مخصصة للأنشطة ذات الجودة المطلوبة و بأثمنة تنافسية متاحة لمختلف المقاولات. من أجل تشجيع دينامية القطاع الخاص، يجب أن يكون في وسع كل المقاولات الولوج إلى بنية تحتية لاستقبال أنشطتها ذات أثمنة تنافسية وتتوفر على خدمات ملائمة. لهذا الغرض، تقترح اللجنة وضع إطار معياري لبنيات الاستقبال من أجل تقديم عرض لمناطق الأنشطة الصناعية والخدمات، يستجيب لحاجيات المقاولات (فيما يخص الخدمات والتدبير والربط بالشبكات، إلخ.). ويمكن أن يعتمد إنجاز وتدبير هذه البنيات التحتية على الشراكة بين القطاعين العام والخاص وتعميم نموذج تدبير بعض المناطق (مثل المنطقة الحرة بطنجة، مدينة صناعة السيارات بالقنيطرة، إلخ). في هذا الإطار، يجب أن ينصب دور القطاع العام، خصوصا الجهات، على تحديد الحاجيات حسب مقاربة تعتمد الطلب الاقتصادي وليس استغلال الفرص العقارية، وعلى توفير عقارات ذات جودة، وضمان الربط بالشبكات، وإذا اقتضى الأمر، دعم البنيات التحتية خارج مواقع الأنشطة وكذا الأثمنة. ويجب أن تعود مهام التهيئة والتدبير إلى فاعلين خواص يتم انتقاؤهم بواسطة مسطرة مفتوحة لطلب المشاريع بناء على دفتر تحملات يشترط جودة عالية للخدمات بمناطق الأنشطة. وعلى غرار ما كان معمول به في المناطق الحرة سابقا، يجب أن يتم تسليم كل الرخص من طرف شباك وحيد يتولى تدبير منطقة الأنشطة.
العمل على جعل الرقميات والقدرات التكنولوجية عاملا أساسيا في التنافسية وتحديث المقاولات وتطوير مهن وقطاعات جديدة تتماشى والتحولات العالمية. تعد البنية التحتية الرقمية وقدرات اعتماد التكنولوجيات الرقمية محددات مهمة لتنافسية أي بلد، بالنظر للمكانة المتنامية للتكنولوجيات الجديدة ضمن جميع قطاعات الاقتصاد، وهو ما يتطلب خدمات رقمية موثوقة وذات جودة.
ويمر تعزيز تنافسية الاقتصاد المغربي عبر مقاربة إرادية وحثيثة من أجل تعميم الولوج إلى الإنترنيت ذي الصبيب العالي في جميع جهات المملكة، وإلى الأنترنت ذي الصبيب العالي جدا في مناطق الأنشطة الاقتصادية المكثفة. وينبغي أن يكون تأهيل البنية التحتية الرقمية مصحوبا بعملية تحسين سريعة للقدرة على استخدام التكنولوجيات الجديدة، بصفة خاصة، وذلك من خلال تكثيف عروض التكوين في مجال المهارات الرقمية والذكاء الاصطناعي وتسريع الاستراتيجية الوطنية للإدماج المالي عبر المالية الرقمية ومواكبة الرقمنة الداخلية للمقاولات بالإضافة إلى ضرورة مواكبة المقاولات الناشئة.
تنمية الكفاءات عن طريق إشراك القطاع الخاص في عملية التكوين. بالإضافة إلى المجهودات الواجب بذلها لتحسين جودة التعليم المدرسي والجامعي، يستوجب على المغرب أن يرفع من مستوى التأهيل المهني لموارده البشرية سواء فيما يتعلق بالمهارات الذاتية أو فيما يخص القدرات التقنية، وذلك بهدف ضمان التأطير والخبرة الضروريين لعملية التحول الاقتصادي. ويتمثل الاقتراح المركزي للنموذج التنموي الجديد في تعزيز مشاركة القطاع الخاص في عملية تنمية القدرات في إطار شراكات مع الدولة والجهات. وبالإضافة إلى الشراكات بين القطاعين العام والخاص لتسيير مؤسسات التكوين المهني، كما جرى استخدامها بنجاح في بعض القطاعات الصناعية، فإن الانخراط القوي للقطاع الخاص يجب أن يخضع لملاءمة خاصة قصد القيام بثلاث وظائف أساسية غير متوفرة حاليا بالنسبة لأغلب القطاعات بالمغرب: 1) تخطيط الحاجيات من الموارد البشرية من خلال التحديد الدوري للمهن والكفاءات المطلوبة من قبل المقاولات على المستوى الوطني والجهوي والقطاعي، 2) مراقبة جودة التكوينات المهنية باعتماد التقييم المستقل للكفاءات المكتسبة من طرف المستفيدين مباشرة وقياس نسب الإدماج في سوق الشغل بكيفية ممنهجة، 3) تحسين تدبير التكوين المستمر الذي يتعين فصل تمويله عن مكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل وإسناده إلى جهاز يتم إحداثه لهذا الغرض، يتولى أيضا الإشهاد على الكفاءات والتصديق على المهارات المهنية المكتسبة.
ضمان حوار اجتماعي منتظم، يأخذ بعين الاعتبار التحولات الحالية والمستقبلية لعالم الشغل.
فالتحولات التكنولوجية تخلق أشكال جديدة لعلاقات الشغل، تجمع ما بين الاستقلالية والعمل عبر الشبكات والعمل عن بعد. وتترافق هذه الأشكال من العمل، التي ستتوسع خلال السنوات المقبلة، مع أنماط تعاقدية وأنظمة جديدة على غرار نظام المقاول الذاتي كنتيجة طبيعية لإضفاء الطابع الرسمي المتزايد على الأنشطة الفردية. ومن جهة أخرى، سيصبح العمل المأجور موسوما أكثر فأكثر بتغيير العمل، يتعين معه تدبير الحاجة إلى نقل الأفراد لحقوقهم المتعلقة بالحماية الاجتماعية من نظام إلى آخر وإلى التكوين المستمر. وبهدف مواكبة هذه التوجهات، فإنه من الضروري أن يقوم الفاعلون الاجتماعيون بقيادة حوار استباقي يأخذ بعين الاعتبار، وبشكل كامل، هذه التحولات. ويمكن لهذا النقاش أن يتمحور حول الأنماط التي ستمكن من الجمع بين مرونة علاقات الشغل الاجتماعية وتطوير الكفاءات وبين تأمين الحقوق الاجتماعية وتحسين دخل العاملين. وبصفة خاصة، توصي اللجنة بما يلي: 1) تحسين آليات الوقاية والحلول السلمية لنزاعات الشغل مع لجوء أكبر للوساطة؛ 2) تعزيز الحق في التكوين للأجراء وتيسير الولوج الفعلي إلى الموارد المخصصة لهذا الغرض، عبر وضع “حساب فردي للتكوين” مرتبط بالأجير وليس بالمقاولة؛ 3) تعزيز جاذبية نظام المقاول الذاتي بتضمينه الحق في الحماية الإجتماعية على وجه الخصوص؛ 4) تيسير الحركية ما بين المقاولات وما بين القطاعين العام والخاص عبر تسهيل نقل الحقوق بما فيها تلك المتعلقة بالحماية الاجتماعية.
الاختيار الاستراتيجي الرابع: إطار ماكرو-اقتصادي في خدمة التنمية
يعتبر استقرار ومرونة الإطار الماكرو-اقتصادي محددين أساسيين للمبادرة الخاصة. يتمتع المغرب بإطار ماكرو-اقتصادي ونظام مالي مستقرين، يتعين الحفاظ عليهما. غير أن هذا الإطار ينبغي تحسينه حتى يتمكن من خدمة النمو الاقتصادي بشكل أفضل، وذلك من خلال أربعة إجراءات:
الاستخدام الأمثل لنفقات الميزانية العامة للدولة من خلال أدوات تدبير جديدة. من أجل جعل المالية العامة في خدمة التنمية الوطنية، تقترح اللجنة ما يلي: 1)الاستغلال الكامل للإمكانيات التي يمنحها القانون التنظيمي لقانون المالية قصد إرساء تدبير مرتكز على النتائج، لاسيما من خلال وضع ميزانية تعتمد منطق حسن الأداء عوض منطق الوسائل؛ 2) تعزيز البرمجة المتعددة السنوات للمالية العامة من خلال اعتماد قوانين للبرمجة الميزانياتية تنسجم مع أهداف النموذج التنموي الجديد؛ 3) وضع آلية دورية للمراجعة العامة للنفقات العمومية بهدف الاستخدام الأمثل لهذه النفقات عبر تقليص النفقات غير ذات أولوية، الأمر الذي سيسمح بتوسيع الحيز المالي قصد تمويل أولويات النموذج التنموي الجديد.
تخفيض العبء الضريبي على الأنشطة الإنتاجية والتنافسية. من أجل تشجيع دينامية المبادرة الحرة وتقوية تنافسية المقاولات، من المقترح القيام بتخفيض ملموس لنسب الضريبة على الشركات ذات الأنشطة المفتوحة في وجه المنافسة الدولية، خصوصا الأنشطة الصناعية، لجعل هذه النسب تقترب من تلك المعمول بها في الدول المنافسة للمغرب، على أن تظل هذه النسب في مستواها الأعلى بالنسبة للقطاعات التي تتمتع بالحماية. كما يجب تخفيف عبء الضريبة على الأنشطة ذات الأثر الإجتماعي وكذا تلك المتعلقة بالبحث-التطوير. وإضافة إلى دعم تنافسية القطاعات الإنتاجية، يجب على النظام الضريبي أن يصبح أكثر عدالة من خلال توسيع أكبر للوعاء الضريبي عبر محاربة الغش والتهرب الضريبيين وترشيد النفقات الجبائية وإدماج القطاع غير المهيكل. ومن أجل تحقيق هذه الأهداف.
الأخذ بعين الاعتبار في إطار السياسات النقدية والبنكية هدف تشجيع فاعلين جدد وتنويع آليات تمويل الاقتصاد. يتوفر المغرب على نظام مالي متين ومستقر يشكل ميزة بالنسبة للتنمية الاقتصادية، لكنه غير قادر على الاستجابة لكل حاجيات تمويل الاقتصاد. ومن أجل مواكبة عملية التحول الإنتاجي (تنويع الاقتصاد، وتطوير المنظومات المجالية الخاصة بالمقاولات الصغرى والمتوسطة بما فيها الصناعية)، يجب على النظام المالي الوطني أن يظهر مزيدا من المرونة وأن ينخرط بشكل أكبر في تمويل الإقتصاد، مع الحفاظ على أسس استقرار هذا النظام. ويقترح، لهذه الغاية، أن يتم خلق الشروط المواتية لمضاعفة الفاعلين وتنويع آليات تمويل الاقتصاد عند تحديد السياسات النقدية والبنكية، وذلك، بالخصوص، من خال ما يلي: 1) ملاءمة القواعد الاحترازية الكلية مع احتياجات تمويل الإقتصاد الوطني، 2) تدبير السياسة النقدية وفق معايير تمزج بين أهداف النمو والتحكم في التضخم في إطار الصلاحية المزدوجة، 3) تشجيع منافسة أكبر بين الأبناك، لاسيما عبر ولوج فاعلين جدد داخل القطاع البنكي سواء بالنسبة للأنشطة المالية التقليدية أو الأنشطة الأكثر ابتكارا خصوصا تلك التي لها علاقة بمجال التكنولوجيا المالية، 4) تقوية المعطيات بخصوص الولوج إلى التمويل وتوزيع القروض بشكل يلبي حاجيات مختلف فئات المقاولات.
إرساء الشروط اللازمة لتطوير أسواق الرساميل. إن النموذج التنموي الجديد قد جعل من تموقع المغرب كقطب مالي مرجعي داخل محيطه الجغرافي أحد رهانات المستقبل. ويتطلب تحقيق هذا الطموح التطوير السريع لأسواق الرساميل الذي سيمر عبر: 1) إعادة الثقة إلى سوق الرساميل من خلال ممارسة فعلية لوظائف الضبط للحفاظ على شفافية ونزاهة المعاملات، هذا مع تسهيل الأنشطة التي من شأنها أن تعطي دينامية مجدية لسوق الرساميل، 2) تسريع المسار القانوني من أجل تطوير الإطار القانوني والتنظيمي المؤطر لسوق الرساميل، وذلك، بشكل سريع ودائم، 3) توسيع قاعدة مصدري السندات والمستثمرين من خلال إدراج مقاولات عمومية في البورصة، وإحداث سوق مخصص للمواد الأولية، وتخفيف الإجراءات والقواعد المطبقة على بعض فئات المقاولات لتشجيعها على الولوج إلى البورصة، وتطوير سوق الدين الخاص، 4) اعتماد آليات ومنتجات مالية جديدة من شأنها الرفع من السيولة المالية للسوق، مع العمل بالخصوص على إنشاء أسواق العقود الآجلة وتوفير منتجات مشتقة.
الاختيار الاستراتيجي الخامس: بروز اقتصاد اجتماعي كدعامة أساسية للتنمية
إلى جانب القطاعين الخاص والعام، يسعى النموذج التنموي الجديد إلى إبراز، بشكل أقوى، دعامة ثالثة للتنمية تتمثل في الإقتصاد الإجتماعي. وسيتم تنشيط هذه الدعامة من طرف مجموعة من الفاعلين يهدفون التوفيق بين متطلبات النشاط الاقتصادي وخدمة المصلحة العامة (جمعيات، تعاونيات، مقاولات اجتماعية، إلخ). ويتعلق الأمر بالقطع مع منظور الإقتصاد الاجتماعي الذي تسيطر عليه أنشطة معيشية ذات قيمة مضافة ضعيفة وتحويله إلى قطاع اقتصادي قائم الذات، يستثمر فيه فاعلون منظمون يتميزون بالدينامية ومبتكرون، ويخلق فرصا للشغل مكملة للمناصب التي يخلقها قطاع السوق والقطاع العام، ويوفر خدمات خصوصا في ميداني الصحة والتعليم، إضافة إلى كونه عاملا مساهما في الارتقاء بمختلف مناطق البلاد. ومن أجل الشروع في تفعيل دينامية بروز الاقتصاد الاجتماعي الجديد، تقترح اللجنة ثلاثة توجهات:
اعتماد إطار تأسيسي للإقتصاد الإجتماعي الجديد. يعتبر بروز اقتصاد اجتماعي جديد أحد أهم مقترحات النموذج التنموي الجديد. ومن أجل إطلاق هذه الدينامية، يقترح إنشاء إطار تأسيسي ملائم لتنمية هذا القطاع الجديد، والذي يجب أن يتمخض عن عملية تشاورية واسعة تتم على المستوى الحكومي ويشارك فيها المجتمع المدني والقطاع الخاص والجماعات الترابية. ويمكن لهذا البناء المشترك
أن يسفر عن إصدار قانون-إطار يحدد المبادئ التوجيهية للإقتصاد الإجتماعي. ويجب أن تقوم المشاورات على اعتماد هذا النص القانوني بتحديد مجموعة من المعالم المهيكلة لتنمية القطاع، والمتمثلة في: 1) منظور مشترك للإقتصاد الإجتماعي ولدوره في النموذج التنموي الجديد، 2) حكامة القطاع وقيادته وأشكال الشراكة بين الدولة والجماعات الترابية والفاعلين في قطاع الاقتصاد الاجتماعي، 3) هيكلة الفاعلين في هذا القطاع وتنظيم وضعهم القانوني، 4) تمويل قطاع الاقتصاد الاجتماعي.
تشجيع تفويض تدبير بعض الخدمات العمومية إلى فاعلين في قطاع الاقتصاد الاجتماعي باعتماد منهجية تجريبية. يمكن لبعض المجالات ذات الأولوية ضمن النموذج التنموي الجديد أن تستفيد من مساهمة الاقتصاد الاجتماعي من خلال التدبير المفوض لبعض الخدمات العمومية، خصوصا في مجال الصحة والمساعدة الاجتماعية والتعليم والطفولة والثقافة والاقتصاد الدائري والإدماج المهني.
ومن شأن اللجوء إلى هذا النمط من الإنتاج أن يكون مصدرا مهما لخلق فرص الشغل. ويتطلب العمل بهذا النمط على نطاق واسع وضع آلية للمواكبة والتمويل من أجل تسهيل بروز نسيج من الفاعلين العصريين والمنظمين. ومن أجل التحفيز على التغيير، يقترح أن يتم، في مرحلة أولى، تحديد الخدمات التي يمكن أن تكون موضوع تفويض للفاعلين في الاقتصاد الاجتماعي، ثم تنفيذ بعض المشاريع النموذجية اعتمادا على التجارب الناجحة. وتهدف هذه المقاربة إلى تجريب مختلف الأشكال التنظيمية الممكنة ورصد دينامية الفاعلين وتقييم أثر وجودة الخدمات المقدمة، وكذا استخلاص الدروس بهدف إنجاح مرحلة التعميم. ومن شأن نجاح العمليات التجريبية أن يساهم في تعزيز مصداقية المقاربة الجديدة وتحفيز الإنخراط فيها من طرف الفاعلين. ويمكن للمؤسسات والمقاولات العمومية، النشطة داخل المجالات الترابية، أن تشكل قاطرات لتيسير إطلاق هذه المنظومة. ويمكن لهذه المؤسسات والمقاولات، عندما تصير مقاولات ذات مهام للمصلحة الجماعية، أن تدرج هذا الفعل على المدى الطويل، زيادة على مسؤولياتها الاجتماعية والبيئية.
تنمية ريادة الأعمال المبتكرة في الميدان الاجتماعي. من أجل هيكلة الفاعلين في الاقتصاد الاجتماعي والسماح ببروز جيل جديد من الفاعلين المبتكرين في الميادين الاجتماعية، تقترح اللجنة: 1) وضع برامج للمواكبة، على مستوى مختلف المجالات الترابية مخصصة للأعمال في الميدان الاجتماعي، لاسيما بواسطة حاضنات للمشاريع، 2) تنمية مراكز للبحث-التطوير والابتكار في الميدان الاجتماعي، بتعاون مع مؤسسات التعليم العالي، تعمل على إعداد ونشر الممارسات المبتكرة وذات الأثر، 3) اعتماد نظام قانوني جديد ملائم للمقاولة الاجتماعية.