نظمت جمعية صوت المرأة الأمازيغية يوم الجمعة 21 ماي الجاري، مؤتمرا صحافيا لتقديم مذكرة ترافعية حول تعديل المادة 49 من مدونة الأسرة المتعلقة بالتدبير التعاقدي للممتلكات المكتسبة خلال الزواج، والمطالبة بإعمال روح مبدأ “تمازالت”، كما جرى تقديم دليل قانوني حول مقتضيات هذه المادة.
افتتحت أشغال المؤتمر الصحافي بكلمة للأستاذة حياة مشنان رئيسة “جمعية صوت المرأة الأمازيغية”، قدمت فيها الإطار العام للقاء الذي يأتي بمناسبة اختتام أنشطة مشروع حول الحقوق الاقتصادية للنساء بمدونة الأسرة من خلال المادة 49 جهة سوس ماسة، بدعم من الحكومة البريطانية، يهدف الى تجويد مقتضيات هذه المادة لملاءمتها مع عرف “تمازالت” الذي يقر حق الزوجة كشريك أصلي في نصيب من الأموال التي تمت تنميتها خلال الزواج.
واستعرضت الأستاذة نجاة السلمي منسقة المشروع أهم مراحله، حيث انطلق بدراسة ميدانية حول محددات تطبيق المادة 49 من مدونة الاسرة بجهة سوس ماسة كنموذج، ثم إعداد مذكرة ترافعية لتغيير هذه المادة على ضوء عرف “تمازالت”، إلى جانب إعداد دليل عملي لتطبيق مقتضيات هذه المادة موجه بالأساس إلى مهنيي منظومة العدالة من قضاة ومحامين وعدول، ومكونات المجتمع المدني.
من جهته، قال الناشط الحقوقي أحمد عصيد، إن من أبرز العوائق التي تحدّ من فعالية القوانين الرامية إلى النهوض بحقوق المرأة المغربية، وفي مقدمتها مدونة الأسرة، أنها تقوم على قاعدة “التغيير في إطار الاستمرارية”، أي العمل على إحداث تغيير في النصوص، ولكن في نطاق ما تسمح به العقلية السائدة في المجتمع ووفق توجهات السلطة.
وأوضح أنه لا يوجد تغيير إلا بالقطيعة مع الوضع السائد، وأن “التغيير في إطار الاستمرارية” فيه تناقض، مشيرا إلى أن هذا المبدأ مكرَّس في المادة 49 من مدونة الأسرة، التي نصت على حق الزوجين في إبرام اتفاق لاستثمار وتوزيع الأموال المشتركة أثناء قيام الزوجية، لكن المرأة لم تستفد من هذا الحق، لكونه مقيّدا بشروط تحول دون تفعيله.
وأضاف أن عدم تفعيل مقتضيات هذه المادة بعد مرور سبعة عشر عاما من تطبيق المدونة راجع إلى “كون العقلية الذكورية تجعل الرجل هو المركز، وتجعل المرأة مُلحقة به وليست شريكا”.
واستطرد المتحدث ذاته قائلا، إن مدونة الأسرة استجابت لعدد من مطالب الحركة الأمازيغية، منها استلهام العُرف الأمازيغي “تمزّالت”، أو “الكد والسعاية” بمفهوم الفقهاء، لكن هذا الاستلهام لم يذهب إلى المدى المطلوب، “حيث تمت صياغة نص المدونة طبقا لتوازنات مرحلة معينة”.
وأوضح عصيد أن عدم الدفع بالأعراف الأمازيغية الداعمة لحقوق المرأة راجع إلى عوائق متراكمة، منها ما يتعلق بإيديولوجية الحركة الوطنية، مشيرا إلى أن فكر هذه الأخيرة جعل المرجعية الثقافية الأصيلة على هامش التشريع الوطني، إذ اعتبرت، في مطلع سنة 1930 عند اعتماد الظهير البربري، أن الأعراف الوطنية تشكل تهديدا للدولة الوطنية المركزية.
وأضاف إن “الثقافة السائدة في سوس كانت تقوم على الملاءمة بين النصوص الدينية والثقافة المحلية للإنسان، وكانت هناك نظرة إنسية في تدبير شؤون القبائل، كما كانت تعلّي من شأن المرأة، حيث كان العُرف السائد يغرّم من يمارس عنفا ضد المرأة، ولو كان عنفا لفظيا، ويجرّم هذا الفعل”.
وقدم الدكتور أنس سعدون مداخلة حول مقتضيات المادة 49 بين الكائن والمأمول توقف فيها عند أسباب العزوف عن ابرام عقود تدبير الأموال المكتسبة، أهمها عدم الاطلاع على الأنظمة المالية الموجودة والحقوق والالتزامات التي تتيحها، ووجود ذهنيات معارضة لتوثيق الاتفاقات، في ظل مجتمع لم يتمكن من توثيق كل الزيجات المبرمة، مقترحا أهمية تعديل تشريعي في اتجاه تفصيل الأنظمة المالية، ووضع نماذج لها رهن إشارة المقبلين على الزواج في اطار الولوج الى المعلومة، مع مراجعة منظومة الاثبات لتسهيل الحق في الوصول الى الانتصاف خاصة بالنسبة للفئات الهشة.
وأضاف المتدخل، أن مقتضيات المادة 49 لا بد من ملاءمتها مع مقتضيات أخرى في قانون الحالة المدنية ونظام التحفيظ العقاري، مع الاستفادة مما يتيحه عرف “تمازالت” في قلب عبء الإثبات، باعتبار حالة الاشتراك في أموال الأسرة هي الأصل، وعلى من ينازع في ذلك أن يثبت خلاف الوضع القائم، داعيا إلى ضرورة مراجعة نظام المساعدة القضائية.
تجدر الإشارة إلى أن المذكرة الترافعية التي أعدتها جمعية صوت المرأة الأمازيغية تضمنت عدة توصيات، أهمها:
إلزامية ابرام عقد اتفاقي على تدبير الأموال المكتسبة اثناء الحياة الزوجية وتوزيعها واستثمارها مع ضرورة تحديد نصيب كل واحد من الزوجين وجعل إمكانية إضافة ملحقات لهذا العقد مفتوحة طيلة العلاقة الزواجية؛
جعل وثيقة الاتفاق جزء من الوثائق المكونة للملف الإداري الذي تتوقف عليه عملية إبرام عقد الزواج وتوثيقه؛
التنصيص على اعتبار الاموال المكتسبة اثناء العلاقة الزوجية عند عدم الاتفاق المشار إليه أعلاه مشتركة بين الزوجين بغض النظر عن من استأثر بتسجيلها في اسمه الخاص وعلى من يدعي العكس إثبات ذلك وفقا للقواعد العامة للإثبات؛
إلزامية تسجيل الاتفاقات في سجلات المحافظة العقارية (لتفادي تحايل أحد الزوجين من خلال تفويت الممتلكات المشتركة للأغيار)؛
تحديد نماذج من الأنظمة المالية المشكلة للاتفاق أعلاه بمرسوم تراعى فيها طبيعة عمل كل واحد من الزوجين والمدخول المالي لكل واحد منهما والمجهودات المفترض القيام بها في تنمية اموال الأسرة مع اعتبار العمل المنزلي عاملا منتجا في تكوين وتنمية أموال الأسرة أثناء الحياة الزوجية؛
أثناء توثيق عقد الزواج، يقوم الزوجان باختيار الملحق الخاص بالنظام المالي. (نماذج الأنظمة المالية وشكلها، ستحدد بمقتضى مرسوم يوضح بطريقة تقنية كيفية تقسيم الأموال المكتسبة خلال العلاقة الزوجية)؛
– إثر اختيار النظام المالي، توجه نسخة النظام المالي إلى ضابط الحالة المدنية؛
بالنسبة للزيجات قبل التعديل، يجب إضافة ملحق لتفادي خلق أثر الرجعية بفرض أمور لم تكن سارية المفعول سابقا. وفي حالة عدم القبول بهذا الملحق، يطبق النظام المشترك للأموال المكتسبة أثناء العلاقة الزوجية؛
في حالة وفاة أحد الزوجين لا تخضع التركة للقسمة من طرف الورثة إلا بعد فرز نصيب مساهمة الزوج المتبقي على قيد الحياة مع إخراج بيت الزوجية ومشتملاته من أثاث وحوائج من قائمة التركة وجعلها وقفا على الزوج المتبقي على قيد الحياة.
بيان اليوم