شكلت مساعدة طبيب الأعصاب لعلاج أفضل للمرضى وتحسين حياة الأشخاص الذين يعانون من الاضطرابات العصبية، الحافز الموجه دائما لعمل جميلة أحديدان، العالمة المغربية-الفرنسية المقيمة منذ 14 سنة في الدنمارك.
وقد كسبت جميلة أحديدان سمعة كبيرة بفضل، على الخصوص، إعدادها لبرنامج يمكن بشكل سريع ودقيق من قياس حجم بنية الدماغ في حالات عدد من الأمراض مثل الزهايمر والصرع أو وجود إصابات في الدماغ.
ولا تتوانى أحديدان، العالمة المزدادة في فرنسا، التأكيد دائما على أن “الدماغ ما فتئ يفتنها ويجذبها”، وهو ما يزيدها شغفا بالعلم والبحث والاهتمام بتعزيز تطبيق التكنولوجيات الجديدة في المجال السريري.
واعتبرت العالمة المغربية أن هذه الجرعة الكبيرة من المثابرة والطموح والحماس للبحث العلمي، شكلت بالنسبة لها دافعا لإنجاح عمل مقاولتها الخاصة “براينريادير” (مخ الدماغ) التي تعمل على تسويق برنامج “نيوروريادير” الذي يتوفر على براعة اختراع في أوروبا والولايات المتحدة.
وكانت الطالبة الشابة أحديدان، الحاصلة على شهادة جامعية من جامعة غرونوبل (فرنسا)، قد انتقلت سنة 2012 إلى آرهوس، أهم مدينة جامعية في الدانمارك، من أجل تحضير الماجستير في المعلوميات الحيوية.
وتابعت بعد ذلك مسارا للحصول على الدكتوراه في الطب بالمستشفى الجامعي للطب النفسي في نفس المدينة، حيث كان هاجسها الوحيد هو الكشف عن أسرار الدماغ.
وأكدت أنها حاولت من خلال موضوع البحث، قياس آثار الاكتئاب على بنية دماغ الأشخاص المكتئبين والأسوياء.
وبغية دراسة هذا التأثير، اضطرت احديدان إلى تحديد وضعية بنية الدماغ عبر التصوير بالرنين المغناطيسي لكل شخص يشكل موضوع الدراسة، واصفة هذا العمل بـ”المرهق” لكونه تم بشكل يدوي، قبل اعتمادها لطريقة حديثة لاستخدام أساليب التشغيل الآلي في هذا العمل.
وأضافت أنها قدمت عملها لأحد زملائها المختصين في قسم الأعصاب بمستشفى آرهوس، الذي سرعان ما اكتشف أن هذا التطبيق الجديد يمكن أن يكون مفيدا جدا بالنسبة لمرضى الصرع الذين يشرف على علاجهم.
ويقيس هذا البرنامج أحجام بنيات الدماغ وكذا مقارنة قاعدة بيانات أحجام الأشخاص المصابين. ويعطى الحساب الإحصائي نظرة حول وضع الشخص المصاب مقارنة مع شخص سليم يماثله في الجنس والعمر.
وذكرت أنه انطلاقا من هذه النتائج، جاءت فكرة الجزء الأول من برنامج “نيوروريادير”، مبرزة أن تكنولوجيته تمكن من الكشف عن التغيرات في حجم المخ في أقل من خمس دقائق.
كما يمكن البرنامج ذاته، وفقا لمصممته، من تحديد التغيرات في حجم المخ نتيجة للاضطرابات وغيرها من الإصابات في الدماغ في حالة الحرب أو الإصابات التي يتعرض لها الرياضيون.
وأشارت أحديدان إلى أن الحساب الإحصائي، يقدم نظرة حول وضع الفرد بالمقارنة مع الشخص السليم من نفس الجنس والعمر، مضيفة أن البرنامج ذاته يستخدم التصوير بالرنين المغناطيسي للدماغ في أقل من 10 دقائق، ويقيس حجم أكثر من 39 بنية، وكذا مقارنتهم إحصائيا مع مجموعة من الأفراد الأصحاء.
وينتج البرنامج تقريرا يسرد كل البنيات وحجمها والقياس الإحصائي الذي يحدد ما إذا كان حجم كل بنية أمر طبيعي أم لا.
وأضافت أنه يمكن تثبيت هذا البرنامج في قسم الأشعة في المستشفى ليقوم بتحليل كامل للرنين المغناطيسي للدماغ في وقته الحقيقي، حيث يتيح التحويل الرقمي والتشغيل الآلي لهذه العملية من ربح مزيد من الوقت.
ولتوضيح أهمية البرنامج، ذكرت جميلة أحديدان بأنه يتم تحليل التصوير بالرنين المغناطيسي تقليديا بشكل بصري من قبل طبيب الأشعة، وعندما تحدث تغيرات طفيفة في حجم المخ يمكن أن تكون هذه العملية طويلة.
وأكدت أنه يمكن لطبيب الأشعة، من خلال هذا الابتكار الجديد، اكتشاف التغيرات الصغيرة في حجم مئات الملمترات في غضون دقائق، وبالتالي تقليل أي هامش للخطأ.
وفي ما يتعلق بمسارها المهني في مجال الاختراع إلى غاية مرحلة تسويق البرامج، أشادت أحديدان بموافقة جامعة آرهوس على استثمار اختراعها من خلال تبني الحقوق ذات الصلة ودفع ثمن براءة الاختراع.
وقد اعتمدت جامعة التجارة لآرهوس، هذا التصور، في دورة تكوينية مخصصة لنخبة من الطلبة في مجال الابتكار والأعمال. وبعد ستة أشهر من العمل، تم وضع خطة عمل وعرضت الفكرة في إطار العديد من المشاريع لإيجاد مستثمرين محتملين.
وأضافت جميلة أحديدان أنه “في سنة 2011 حصلنا على موافقة أول مستثمر وهو المعهد التكنولوجي لجنوب الدنمارك، وبعد ذلك أنشئت مقاولة “براينريادير” في يوليوز 2011″، مشيرة إلى أن المعهد استثمر 2.8 مليون كرونة دانماركية في هذا المشروع، وهو رأس مال مكن من إنشاء النموذج الأول للبرنامج والحصول على الشهادة الأوروبية.
وفي دجنبر 2013، ومن خلال ضخ نفس المستثمر اعتمادات إضافية والاستفادة من تمويل دنماركي آخر، تم التمكن من تسريع مدة التكنولوجيا (من 30 دقيقة إلى أقل من 10 دقائق للتحليل).
وأشادت العالمة أحديدان، التي تشغل منصب رئيس قسم الأبحاث في مقاولتها، بحصول البرنامج على شهادة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، التي فتحت له أبواب المستشفيات والعيادات في الولايات المتحدة.
ولم يتأخر الاعتراف في مجال الابتكار التكنولوجي والأعمال، فقد حصلت على جائزة “فروست أند سوليفان” التي تمنح للمقاولات العاملة في العديد من الأسواق العالمية والإقليمية لإظهار الإنجازات الرائدة، وهي أحدث جائزة حصلت عليها في نهاية يونيو الماضي بلندن.
وفي الدنمارك، حصلت مقاولة احديدان على جائزة أفضل فكرة غير مادية في أبريل 2014 وجائزة المقاولة في سنة 2015.

عمر عاشي  (و. م .ع)