جنون الحكم

المشاهد التي تناقلتها في اليومين الماضيين مختلف التلفزيونات من ميدان التحرير، وسط القاهرة، كانت مرعبة، وتكشف جنون الحكم والسلطة.
النظام المصري يأبى أن ينصت لصراخ شعبه، وعندما عبر ملايين المحتجين عن رفضهم الميداني لما ورد في الخطاب الأخير للرئيس بشأن إكمال الولاية والالتزام بعدم الترشح، ونادوا، بدل ذلك، بالتنحي الفوري، لم يجد أركان حكم مبارك سوى  حشد مصريين آخرين، وإركابهم الجمال والخيول، وتسليحهم بالعصي والسكاكين والحجارة، ومن ثم إطلاقهم وسط المعتصمين بميدان التحرير لترويعهم ولفض تجمعاتهم، وبذلك صارت سماء القاهرة تمطر الحجارة، وسالت الدماء الكثيرة، وسقط قتلى والعديد من الجرحى والمصابين، وتأسست مرحلة جديدة من الفوضى والفتنة و…الجنون.
في مصر، لم يبال النظام بضرورة حقن الدماء، وصون أرواح الناس، ووقف الفتنة، بل أصر على أن الحكم وعناد الممسكين به، أكبر من الوطن نفسه.
وحتى عندما بدا الرئيس في خطابه الأخير على ذات الانهيار الذي كان واضحا في آخر خطاب لبنعلي قبل الهروب، فإن العناد بقي «بلطجيا» في داخله، وفور انتهاء الخطاب أخرج الأنياب، وانطلق هائجا نحو ميدان التحرير ليقطع بها أوصال مواطنين عزل إلا من إيمانهم بحتمية التغيير، وبضرورة دخول مصر إلى عهد جديد..
إن  «مؤيدي الرئيس» أو عناصر حزبه الحاكم، كان عليهم ممارسة تأطيرهم السياسي وسط الشعب منذ سنوات، أما  الآن وقد فات الأوان، وسقف المطالب الشعبية بلغ رأس النظام والحزب، فإن المطلوب هو استيعاب الدرس والتفاعل مع مطالب الناس.
إن تجميع الفاسدين والمتزلفين داخل بنية فاسدة على شكل حزب، وجعلهم يحتكرون مختلف المؤسسات، وينهبون كل الخيرات، وفي نفس الوقت إغلاق المجتمع وخنق أنفاسه، وفرض حالة الطوارئ بشكل دائم، كل هذا، كان واضح للعقلاء، أنه سيقود في اللحظات الصعبة إلى الجدار، وسينفض المتزلفون من حول كبيرهم، ويتركونه وحيدا عاريا يواجه حتمية السقوط.
النظام المصري يكابر، يحتضر، تحاصره الموت من كل الجهات…
النظام المصري لا يريد أن يسقط وحده، يريد إسقاط مصر كلها، وجعل الحرائق في كل مكان…
هل هناك أخطر من هذا الجنون، ومن هذا الحمق؟؟؟
مصر لا يجب أن تغرق في الفتنة، وفي القتل، وفي الدماء…
مصر لا يجب أن تعانق الفراغ في الأرض وفي الحكم، وفي الأفق..
مصر لا يجب أن تخرب معالمها ، وقيمها، ورمزياتها…
مصر الكبيرة، يجب أن تبقى كبيرة، ويرحل عنها الصغار والمجانين..
السلام على مصر، وعلى أهلها..

Top