حتى لا تتحول السجون إلى محميات لتناسل المجرمين

حتى لا تتحول سجون وإصلاحيات المملكة السعيدة إلى محميات لتناسل وتفريخ العصابات والشبكات الإجرامية، وتكوين المنحرفين والمجرمين في مجالات النصب والاحتيال والاتجار في المخدرات والدعارة والسطو المسلح والسرقة بالخطف أو النشل. 
حتى لا يصبح السجين ضيفا ثقيلا يقضي أوقاته في الأكل والشرب وربط العلاقات والتخطيط لأعمال إجرامية بعد خروجه، وتصبح الجريمة لدى البعض تأشيرات “فيزات” لولوج السجون عن رضا ورغبة في لقاء أشخاص، أو المكوث عدة أشهر من أجل الهروب من صداع الأسرة والعمل الشاق من أجل الظفر بلقمة العيش. حتى لا يصبح المنحرف والمجرم محاميا وقاضيا يعرف كل القوانين، وكل المساطر، ويعرف مسبقا المدة السجنية “العطلة”، التي سيقضيها مقابل تلك التأشيرة “الجريمة” التي اقترفها. وجب التفكير في إيجاد آليات جادة تمكن من تفعيل دور السجون والإصلاحيات كمؤسسات تربوية إصلاحية مهمتها تقويم اعوجاج أدمغة المنحرفين والمتجاوزين لأنظمة وقوانين البلاد.
عندما يفكر المجرم أن بإمكانه الاسترخاء والاستجمام داخل أسوار السجون. وبإمكانه الحصول على أصدقاء من نفس طينته، وشركاء له في برامجه ونواياه السيئة. وعندما يكشف المنحرف أو المجرم لأولاد الحومة والمقربين منه أنه غير قادر على قضاء فصل الشتاء بالمغرب، وأنه سيسافر في عطلة استجمام من أجل السبات الشتوي داخل زنزانة حيث الحضن الدافئ والتغذية والمرح اليومي، ويدرك حق الإدراك نوعية الجريمة التي ستمكنه من ثلاثة أو أربعة أشهر داخل فندق مجاني “سجن”. ولا أحد يطلب منه القيام بأي عمل. فلا شك أن هناك خلل ما في التربية والتقويم السجني. 
ما تلمسه الأسر المغربية أن سجوننا وإصلاحياتنا معاهد يلجها المبتدئون والمخطؤون قاصرون وشباب ذكورا وإناثا، ليتخرجوا بعد قضاءهم مدد سجنية قصيرة أو متوسطة إلى محترفين للعنف والجريمة، بدبلومات وشواهد عليا في مجالات الإجرام. المئات من فلذات أكبادنا وجدوا في السجون، بديلا لأسرهم فقيرة كانت، أم غنية ومفككة. أصبحوا لا يفارقون زنازينها، يقضون أيامهم السجنية في التخطيط لجرائم أخرى أقوى وأعنف، ما أن يطلق سراحهم حتى يقوموا بتنفيذها والعودة سريعا إلى حيث مراقدهم، حيث الشلة تنتظرهم. وعلى المسؤولين أن يقروا بأوضاع السجون والإصلاحيات المتردية والتي لا تؤدي أدوارها الحقيقية في التربية والإصلاح والتقويم الأخلاقي. عليهم أن يطلبوا نجدة الخبراء والباحثين ويجرون الأبحاث والتحريات الدقيقة من أجل الوقوف على الأسباب والمسببات، والبحث عن علاجات نفسية وزجرية لهذا الانفلات الأخلاقي والانحراف الخدماتي لهذه المؤسسات العمومية. عوض أن يتفننوا في البحث عن تبريرات واهية، ومحاولات طمس الحقائق، وكأن خريجي السجون والإصلاحيات، يتم تعيينهم في بلدان أخرى وبهويات مستعارة أو مزورة. كأني بهم يريدون تنقية وتجفيف التعفن السائل في سفوح تلك المؤسسات، لحجب مجاريه وروائحه الكريهة عند كل زيارة أو تفتيش، علما أن العفن ليس في سفوح المؤسسات السجنية بل في قمة هرمها، وأن المياه المتعفنة ستظل تجري في السفوح مادام صنبور “بزبوز” العفن مفتوح أعلى الهرم. حديث هنا وهناك عن ما يقع داخل السجون والإصلاحيات. تمرد هنا واعتصام وإضراب عن الطعام هناك. تطرف هنا وتطاول هناك على الحراس وإداريي السجون.عنف هنا وترويج للمخدرات والأقراص المهلوسة هناك.غضب هنا من طرف سجناء وسخط هناك من طرف موظفين في السجن. كل هذا يتم إخماده بلجن للتفتيش وزيارات مفاجئة، تنتهي باستفسارات وتنقيلات لسجناء أو موظفين. وتغلق الملفات لتفتح من جديد من أجل تحرير تجاوزات أخرى وهكذا. بل إن الوضع أسوء داخل الإصلاحيات أو ما يعرف بمراكز حماية الطفولة، والتي تعاني من قلة الموارد البشرية العادية والمتخصصة، ومن الإحالات القضائية العشوائية. أطفال ذكورا وإناث من مرتكبي الجنح والجرائم يتم رميهم داخل مراكز لا تراعي مستوياتهم الدراسية ولا ميولاتهم، ومعهم أطفال أبرياء جرائمهم تتمثل في كونهم ضحايا اليتم أو التفكك الأسري، وجدوا مشردين أو يتامى أو في أوضاع صعبة. فيتم القذف بهم إلى جوار المجرمين، الذين يمتصون منهم رحيق جرمهم ويتغذون من سلوكاتهم وأفكارهم.
لكم أحزنني أن أرى رجل أمن محبط ويائس من كثرة إيقافه لمجرمين ومنحرفين، الذين يقضون فترات في السجن، ليعودوا إلى نفس الحومة ونفس المقاهي والأزقة، من أجل الاستخفاف والاستهزاء منهم. ويزعجونهم بحركاتهم وصراخهم وكلامهم الساقط، وكأنهم يقولون لهم “ها حنا خرجنا من الحبس آش قضيتو..”. بل إن السكارى والمدمنين على المخدرات والذين يقضون الليل في تعنيف ذويهم وجيرانهم والمارة وسرقتهم، يتم إيقاف بعضهم ليلا ليطلق سراحه في اليوم الموالي بكفالة أو غرامة أو براءة…فيعمدون إلى إهانة العناصر الأمنية والسخرية منها.
فهل يحق أن تستمر سجوننا مدارس ومحميات للمنحرفين؟ وهل يتحمل موظفو السجون وحدهم ما يقع داخل الزنازين والفسحات؟ أم أن الواقع مر ويفوق طاقتهم؟. وهل ستظل العناصر الأمنية والدركية تحرر في محاضر حالات العود والاستماع إلى مجرمين يسخرون منهم، بأجوبة وتصريحات، تصل إلى حد الإهانة، مجرمون لا يجدون حرجا في الكشف عن تفاصيل جرائمهم بأشكال بطولية واستعراضية؟. وهل يحق أن نترك العناصر الأمنية وحدها في مواجهة إعصار الجريمة وألسنة نيران براكينهم، التي يلقون بها على أفراد أسرهم وأقاربهم، على شكل تهديد ووعيد وسخرية؟ . فمتى تصبح سجوننا وإصلاحياتنا مدارس لوقف نزيف العنف وملاجئ للتوبة والإعداد لحياة مثمرة و نقية ؟

بقلم: بوشعيب حمراوي

[email protected]

Related posts

Top