افتتح مؤخرا بالرباط معرض فني للفنان التشكيلي والطبيب عبد الكريم بنيس تحت عنوان “حتى لا ننسى”، يسلط من خلاله الضوء على زخم التضامن غير المسبوق الذي أبداه المغاربة عقب الزلزال الذي ضرب منطقة الحوز في شهر شتنبر من السنة الماضية.
ويستعيد هذا المعرض، الذي يحتضنه رواق محمد الفاسي ويستمر إلى غاية 20 أكتوبر الجاري، بمبادرة من “جمعية رباط الفتح للتنمية المستديمة”، التسلسل الزمني للأحداث المرتبطة بزلزال الحوز بلمسة إنسانية فريدة.
وعبر الفنان بنيس، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء بالمناسبة، عن بالغ تأثره بمصير الضحايا والتداعيات التي خلفها الزلزال، مؤكدا أن هذا ما دفعه إلى استخدام الرسم لإبراز “الزخم التضامني الاستثنائي” الذي أبان عنه المغاربة قاطبة.
ويبرز هذا الطبيب الفنان، من خلال أعماله المعروضة في هذا المعرض، آثار هذا الزلزال (صدمة اللحظات الأولى للحدث، والليلة الأولى التي قضاها الضحايا في العراء، والدمار الذي حل بالجبال والمناطق الحضرية)، وكذا حجم التضامن الذي ولده ذلك (الملاجئ الأولى، والإسعافات الأولية، وجهود الإنقاذ، وجمع المساعدات وإيصالها، وخيام اللجوء والمدارس في الخيام التي أنجزتها جمعية رباط الفتح للتنمية المستديمة)، بالإضافة إلى الظهور المفاجئ لمنابع مياه، ومبادرات إعادة الإعمار، علاوة على مجموعة من التعبيرات التجريدية الأخرى التي رسمها الفنان.
ويعتبر معرض “حتى لا ننسى”، الذي يبرز قيم التضامن والإيثار لدى الشعب المغربي، ثمرة مجهود استمر لشهور، وهو يعكس عنوانه لما يتيحه من حفظ لهذه الذاكرة الجماعية، إذ إنه نجح في ترسيخ أحد أكثر الأحداث إضرارا في تاريخ المغرب على اللوحة وفي ذاكرة الناس بلمسة واضحة من الأمل.
ويعتمد هذا الفنان العصامي الذي برع في استخدام مختلف التقنيات الفنية واشتغل على المنظورات والضوء والظل من أجل إيصال رسائله، أسلوبا شبه جراحي لنقل المشاعر القوية من الألوان التي يستخدمها.
من جهته، عبر عبد الكريم بناني، رئيس جمعية رباط الفتح للتنمية المستديمة، عن سعادته بتقديم هذا المعرض لفنان هو في الأصل طبيب، وأضاف بناني أن “الجميع يعرف أن الطبيب يعالج الآلام، لكن الطبيب الذي يعرض اليوم، يعبر بريشته عن تضامنه مع ضحايا زلزال الحوز، حيث يقدم مجموعة من اللوحات التي تستحضر هذا الحدث المأساوي”، مسلطا الضوء على جهود إعادة الإعمار التي يتم تنفيذها بناء على التوجيهات السامية لجلالة الملك محمد السادس.
يشار إلى أن عبد الكريم بنيس شارك، حين كان في الخامسة عشرة من عمره، في معرض لتلامذة من مدرسته الثانوية في وجدة، بتوجيه من أستاذتهم في الرسم. وقد بيعت اللوحتان اللتان عرضهما حينها، واستوحاهما من المناظر الطبيعية على بطاقات بريدية ورسمهما بصباغة “الغواش” على الورق.
وبعد انطلاق مساره الدراسي في الطب، ابتعد بنيس عن الرسم قبل أن يستأنفه تدريجيا منذ عام 1997 وخاصة عام 2010 حيث أبدع بضع عشرات من اللوحات، على القماش أحيانا، ونادرا على الورق المقوى، باستعمال الطلاء الزيتي أو الأكريليك وذلك حول مواضيع وصفها بعض أصدقائه بالملتزمة بما فيها “المهاجرون والمتظاهرون والغرقى والنساء اللائي يحملن البضائع ودمار ومآسي الحروب”.
وباعتباره فنانا عصاميا، لم يتلق عبد الكريم بنيس تعليما فنيا أكاديميا أو دروسا خاصة، بل صنع تجربته ووجد تقنياته الخاصة من خلال الممارسة، كما لجأ في بداياته إلى بعض مؤلفات الفن التشكيلي والمعلومات المتوفرة على شبكة الأنترنت.
وفي الآونة الأخيرة، أنتج بنيس سلسلة من اللوحات حول موضوع “إبداعات الربيع” التي تمثل بطريقة شبه تجريدية المناظر الطبيعية التي تزخر بها الطريق المؤدية إلى تطوان. كما شارك في عدد من المعارض الجماعية التي نظمتها جمعية “إبداعات فنية” والجمعية المغربية للأطباء الفنانين.